سليمان يوسف يوسف
&
&
في ذكرى صدور"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"&
&
في الشرق مهد الحضارات والديانات،أقيمت أولى المدن مثل (سومر وأكاد وبابل)، وأنشأ نظام الحكم والإدارة، وظهرت أقدم القوانين المكتوبة مثل: (قانون حمو رابي) الذي يعود تاريخه إلى(1800ق. م)، اتسم هذا القانون بالرحمة والعدالة ونشر الأمن والاستقرار في الدولة الآشورية البابلية. وتضمن العديد من المواد التي تحفظ حق الإنسان. وفي مصر الفرعونية حوالي ألف وأربعمائة عام قبل الميلاد وضع اخناتون ميثاقاً رائعاً لإصلاح ديني/أخلاقي في المجتمع، جاء فيه: "إله واحد وعالم واحد وقانون عالمي واحد يتوافق عليه البشر". لكن اليوم وقد دخلت البشرية الألفية الثالثة بعد الميلاد، نجد في هذا الشرق دول وكيانات سياسية ليست بالمستوى الذي يعكس ذاك الإشعاع الحضاري في ممارسة السياسة وفن الحكم وإدارة المجتمع، واحترام حقوق الإنسان، ويبقى أفضل تعبير سياسي عن الواقع القانوني والدستوري والحقوقي الذي تعيشه هذه الدول هو "دول بلا قانون وشعوب بدون حقوق" يعني هذا أن هناك تغييب كامل للشعب وتعطيل كلي لدساتير وقوانين البلاد.&إذ تتميز هذه الدول بالانفصال التام بين السلطة والشعب، فهي مجرد كيانات سياسية اجتماعية لا تعبر عن أرادة المجتمع، بل عن إرادة الحاكم الذي يعتبر نفسه أن الله قد أختاره ليكون حاكماً، فهو لا يستمد سلطانه وشرعيته من شعبه بل من هذا التفويض الإلهي. وبات مفهوم أمن الوطن واستقراره هو من أمن النظام واستمراره، محققاً بذلك ما قاله ملك فرنسا& لويس الرابع عشر: "أنا الدولة والدولة أنا".&
وفي معظم دول الشرق العربي والإسلامي لم يتحقق مفهوم الدولة الحديثة كتعبير قانوني وسياسي، ولم تمارس السياسة باعتبارها مجموعة مسؤوليات في الحقوق والواجبات ملقاة على عاتق المواطن كعضو حر في المجتمع في إطار من الحرية والديمقراطية التي تعتبر إحدى الركائز الأساسية للممارسة السياسية الصحيحة. الأمر الذي أدى إلى انحراف السياسة عن غاياتها الإنسانية و أهدافها الوطنية الأساسية المتمثلة بالدفاع عن مصالح المواطنين وحماية حرياتهم وحقوقهم،وانحطت السياسة إلى مستوى صراعات طائفية / جيهوية علنية أو سرية، أو بين أغلبية مسحوقة وأقلية تحكم وتحتكر السلطة.
وفي السياق التاريخي والحضاري لتطور المجتمعات البشرية وتقدم العلوم الإنسانية، زاد الاهتمام بالإنسان وبحقوقه وحريته,و لم يقتصر اهتمام المجتمع الدولي باعتماد "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/كانون الأول عام 1948م،بل ألحق به العديد من المواثيق والإعلانات والاتفاقات الدولية والإقليمية التي أقرت واعتمدت في إطار الأمم المتحدة، والتي أكدت جميعها على ضرورة وأهمية احترام وحماية حقوق الإنسان أفراداً وشعوباً، باعتبار ذلك يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. وهناك الميثاق الدولي لحقوق الإنسان لعام 1954الذي أقرته الجمعية العامة لهيئة الأمم،والذي يؤكد على أن تلتزم الدول بتنفيذ أحكامه، لهذا بات يحدد المستوى الحضاري ودرجة رقي المجتمعات والدول تبعاً لمستوى الحالة الإنسانية وبقدر ما تصان فيها وتحترم حقوق الإنسان. لكن معظم دول المنطقة مازالت تتجاهل مثل هذه القضايا الإنسانية، وبقيت أكثر الدول انتهاكا لحقوق وحرية الإنسان، وبقي النظام العربي والإسلامي كعادته يتعامل مع جميع القضايا السياسية والاجتماعية ذات الصلة والعلاقة بنظام الحكم وبالديمقراطية من مبدأ (نظرية المؤامرة)، حيث يتهم كل من يطرح هذه القضايا ويدافع عنها بالعمالة للأجنبي والتآمر على الوطن يحاكم عليها ويزج بالسجن، خاصة قضية (حقوق الإنسان)- قضية( سعد الدين إبراهيم) الناشط في مجال حقوق الإنسان في مصر- مستفيداً هذا النظام من حالة التخلف والتأخر السياسي والاجتماعي في المجتمع العربي والإسلامي، حيث ما زال المفهوم السائد لحقوق الإنسان ينحصر بالحقوق الطبيعية كحق الحياة والعيش، ربما والعبادة. دون الاهتمام بالحقوق المدنية، مثل حرية التفكير والاعتقاد والرأي والعمل السياسي&وبقية الحقوق التي نص عليها(الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) وغيرها من المواثيق الدولية، ومازالت حقوق الإنسان بالنسبة لكثير من القوى السياسية،والتيارات الثقافية لعبة أو مؤامرة غربية أوربية على دول العالم الثالث والإسلام، ليس لأن الإسلام بجوهره مضاد لحقوق الإنسان،وإنما جهلاً بهذه الحقوق،كذلك جهلاً بالسياق التاريخي لتطور مفهوم حقوق الإنسان في الغرب.& فالمسيحية الغربية وقفت أيضاً ضد حقوق الإنسان فترة طويلة من الزمن، ولم تترسخ حقوق الإنسان في الغرب إلا بعد صراع طويل وكفاح مستمر بين دعاة حقوق الإنسان والكنيسة، بين الثقافة المسيحية التقليدية& والثقافة الغربية العلمية. فقد رفضت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا أن تعترف "بالإعلان الشهير لحقوق الإنسان والمواطن" الذي أعلنته الثورة الفرنسية عام 1789ولم تعترف به إلا عام 1961م. وبسبب هذا الجهل العام في أهمية حقوق الإنسان، غابت هذه القضية عن خطاب وأهداف الحركات السياسية والقوى الديمقراطية& بتياراتها المختلفة فقد ركزت كثيراً على الأهداف السياسية المنصبة على& قضية السلطة والحكم بهدف إسقاطها أو تغييرها أو تحقيق مكاسب سياسية حزبية معينة.
لا شك أن قضية "حقوق الإنسان" ترتبط بطبيعة النظام السياسي وبالمسألة الديمقراطية، لكن باعتبارها قضية إنسانية فهي تتجاوز بأبعادها الأخلاقية والقانونية أو الدستورية الأهداف السياسية وتترفع عليها. فهي ضرورة إنسانية/ أخلاقية قبل أن تكون ضرورة سياسية. وهنا يجب التميز وعدم الخلط بين العمل من أجل حقوق الإنسان والعمل السياسي، أن عمل(لجان حقوق الإنسان) يرتبط أكثر بمؤسسات المجتمع المدني ويلتصق بها، وتقوم آليات عملها على مخاطبة الوجدان والرأي العام والضمير الإنساني ثم أن خطاب حقوق الإنسان يأخذ من كل الإيديولوجيات والنظريات والأفكار والعقائد السياسية والإنسانية والدينية.&هذا يحتم على(لجان ومنظمات وجمعيات) المدافعة عن حقوق الإنسان أن تكون مستقلة وبعيدة عن كل نشاط سياسي محض وعدم الانزلاق إلى مستوى الصراعات والنزعات السياسية هذا من جهة أولى، و ضرورة البحث عن صيغ جديدة للعمل السياسي يتم التركيز فيها على قضية حقوق الإنسان من جهة ثانية.
مع تزايد الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان والشعوب، لم تعد (قضية حقوق الإنسان) شأناً خاصاً بل تجاوزت هذه القضية في بعدها الإنساني حدود الدول، لتصبح شئناً عالمياً. مما زاد من الضغوط الخارجية على الدول التي تنتهك فيها حقوق الإنسان،دفعتها هذه الضغوط لتأسيس لجان ومنظمات تعمل تحت إشرافها لتحسين وتجميل صورتها وتبييض صفحتها في& مجال حقوق الإنسان. لكن لا يخفى على أحد أن هذه اللجان تبقى أسيرة القرار السياسي للسلطة،مما يحد من نشاط وعمل هذه اللجان والمنظمات، ويمنعها من أن تتحول إلى حركة احتجاجية شعبية في المجتمع ضد القوانين والممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان وتسلب حريته وتهان كرامته.
إذا كانت أمريكا ومعها دول الغرب الأوربي تأخذ من المواثيق أو القرارات الدولية الخاصة (بحقوق الإنسان) وحقوق الأقليات القومية والدينية، الذريعة والشرعية الدولية التي تبحث عنها لتدخلها في شؤون الدول الأخرى وفرض وصايتها وهيمنتها عليها. فلتبادر هذه الدول إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بهذا الشأن وتسحب هذه الحجة والذريعة من أمريكا وغيرها من الدول الكبرى. إذ أن حل مشكلة حقوق الإنسان كفيل بحل العديد من القضايا السياسية والاجتماعية التي تعاني منها دول المنطقة، في مقدمتها (مشكلة حقوق الأقليات).
بقي أن نقول:&أن العبرة ليست في إصدار القوانين والتشريعات الخاصة بحقوق الإنسان، بل بتنفيذ وترجمة نصوص ومواد هذه المواثيق،إذ مازالت حقوق الإنسان مخترقة، بنسب متفاوتة، في الكثير من دول العالم شرقاً وغرباً، بالرغم من صدور أكثر من أربعين وثيقة حول حقوق الإنسان بدءاً من بإعلان حقوق الإنسان الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789م.
لا شك أن قضية "حقوق الإنسان" ترتبط بطبيعة النظام السياسي وبالمسألة الديمقراطية، لكن باعتبارها قضية إنسانية فهي تتجاوز بأبعادها الأخلاقية والقانونية أو الدستورية الأهداف السياسية وتترفع عليها. فهي ضرورة إنسانية/ أخلاقية قبل أن تكون ضرورة سياسية. وهنا يجب التميز وعدم الخلط بين العمل من أجل حقوق الإنسان والعمل السياسي، أن عمل(لجان حقوق الإنسان) يرتبط أكثر بمؤسسات المجتمع المدني ويلتصق بها، وتقوم آليات عملها على مخاطبة الوجدان والرأي العام والضمير الإنساني ثم أن خطاب حقوق الإنسان يأخذ من كل الإيديولوجيات والنظريات والأفكار والعقائد السياسية والإنسانية والدينية.&هذا يحتم على(لجان ومنظمات وجمعيات) المدافعة عن حقوق الإنسان أن تكون مستقلة وبعيدة عن كل نشاط سياسي محض وعدم الانزلاق إلى مستوى الصراعات والنزعات السياسية هذا من جهة أولى، و ضرورة البحث عن صيغ جديدة للعمل السياسي يتم التركيز فيها على قضية حقوق الإنسان من جهة ثانية.
مع تزايد الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان والشعوب، لم تعد (قضية حقوق الإنسان) شأناً خاصاً بل تجاوزت هذه القضية في بعدها الإنساني حدود الدول، لتصبح شئناً عالمياً. مما زاد من الضغوط الخارجية على الدول التي تنتهك فيها حقوق الإنسان،دفعتها هذه الضغوط لتأسيس لجان ومنظمات تعمل تحت إشرافها لتحسين وتجميل صورتها وتبييض صفحتها في& مجال حقوق الإنسان. لكن لا يخفى على أحد أن هذه اللجان تبقى أسيرة القرار السياسي للسلطة،مما يحد من نشاط وعمل هذه اللجان والمنظمات، ويمنعها من أن تتحول إلى حركة احتجاجية شعبية في المجتمع ضد القوانين والممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان وتسلب حريته وتهان كرامته.
إذا كانت أمريكا ومعها دول الغرب الأوربي تأخذ من المواثيق أو القرارات الدولية الخاصة (بحقوق الإنسان) وحقوق الأقليات القومية والدينية، الذريعة والشرعية الدولية التي تبحث عنها لتدخلها في شؤون الدول الأخرى وفرض وصايتها وهيمنتها عليها. فلتبادر هذه الدول إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بهذا الشأن وتسحب هذه الحجة والذريعة من أمريكا وغيرها من الدول الكبرى. إذ أن حل مشكلة حقوق الإنسان كفيل بحل العديد من القضايا السياسية والاجتماعية التي تعاني منها دول المنطقة، في مقدمتها (مشكلة حقوق الأقليات).
بقي أن نقول:&أن العبرة ليست في إصدار القوانين والتشريعات الخاصة بحقوق الإنسان، بل بتنفيذ وترجمة نصوص ومواد هذه المواثيق،إذ مازالت حقوق الإنسان مخترقة، بنسب متفاوتة، في الكثير من دول العالم شرقاً وغرباً، بالرغم من صدور أكثر من أربعين وثيقة حول حقوق الإنسان بدءاً من بإعلان حقوق الإنسان الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789م.
&
التعليقات