د.& نصار عبدالله
&
السؤال الذى عاد يتردد فى خواطر الكثيرين منذ أن طرح نفسه لأول مرة عام 1991، والذى ظل منذ ذلك التاريخ دون إجابة شافية حتى يومنا هذا هو: لماذا أصدر الرئيس جورج بوش الأب أوامره بإيقاف العمليات العسكرية فى العراق يوم 28 فبرايرمن ذلك العام، وقد كان الطريق مفتوحا أو شبه مفتوح إلى بغدادلإسقاط نظامها الحاكم، حيث لم يكن بوسع صدام حسين إذ ذاك إلا أن يبادربالإ نتحارأو الفرارأو الإستسلام لكى يحاكمه الأمريكيون كمجرم حرب. يمكننا أن نوجز أهم الآراء التى طرحت للإجابة على هذا السؤال فيما يأتى :ـ
1ـ أن أمريكا كانت تخشى أن يترتب على إسقاط نظام صدام تفتت العراق وقيام دولة كردية فى الشمال وهو ما ينطوى على تهديد لمصالح حليفتها تركيا، ثم دولة شيعية فى الجنوب موالية لإيران وهو ما ينطوى على تهديد مباشر لها هى ... وأهم ما يمكن أن يقال فى معرض التعقيب على هذا الرأى هو: هل زالت هذه الخشية؟& وإلا فلماذا تحاول أمريكا أن تفعل الآن ما كانت تخشاه عام 1991؟
2ـ أن أمريكا كانت فى حاجة إلى استمرار وجود صدام لأن هذا يعطيها ذريعة لكى تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهى من ناحية تجد فى وجوده ذريعة لضرب جميع إمكانات ومقدرات الشعب العراقى، وتحويل العراق فى نهاية المطاف إلى دولة عديم الوزن والفاعلية، وهى من ناحية ثانية تجد ذريعة لوجود عسكرى يؤمن مصالحها فى المنطقة، ومن ناحية ثالثة تجد الذريعة لابتزاز دول الخليج وتحميلها فاتورة الوجود العسكرى بالكامل بما قد يضطرها فى النهاية إلى رهن بترول الخليج لأجيال طويلة قادمة . وأهم ما يمكن أن يقال فى
مجال التعقيب على هذا الرأى أن أمريكا كان بإمكانها أن تقيم فى العراق نظاما كرزاويا (نسبة إلى كرزاى) يحول العراق إلى دولة مستأنسة موالية لها ومطيعة لأوامرها بدون كل هذا العناء، ومن ناحية ثانية فإنها لديها بالفعل قواعد عسكرية فى السعودية وتركيا وبالتالى لم تكن بحاجة& ماسة إلى قواعد جديدة، خاصة وأن ما يقال من أن فاتورة هذا الوجود تدفعها بالكامل دول الخليج هو أمر غير مؤكد تماما، حيث المرجح أن العبء يتحمله الجانبان (الأمريكى والخليجى) معا.
3ـ هناك الرأى الذى طرحه الأستاذ هيكل فى كتابه "حرب الخليج: أوهام القوة والنصر" ومؤداه أن الأمر راجع إلى خطأ فى الحسابات الأمريكية التى كانت تتصور أن فلول الجيش العراقى سوف تطيح بنظام صدام ، وعندما تبين لها خطأ تلك الحسابات كان الأوان قد فات لتجاوز الغاية المحددة التى احتشد من أجلها التحالف الدولى وهى: تحرير الكويت،.. وبوسعنا أن نضيف إلى رأى الأستاذ هيكل أن أمريكا فى ذلك الوقت كانت تأخذ فى حسبانها& ـ ولو فى حدود معينة ـ آراء حلفائها ، وبوجه خاص الحكام العرب، أولئك الذين يستطيعون أن يتقبلوا على مضض مسألة ضرب شعب عربى، لكنهم لا يتقبلون إطلاقا مسألة الإطاحة بحاكم عربى!!، وماكانوا على الأرجح ليدخلوا فى تحالف يستهدف هدفا كهذا ،أما الآن، وبعد أن تعاظمت قوة أمريكا عن ذى قبل، فى الوقت الذى بدا فيه مدى عجزهم وبؤسهم، لم يعد يهمها إطلاقا أن تحسب حسابا لمواقفهم ومشاعرهم ومصائرهم
&
شاعر مصرى معروف، وأستاذ جامعى
رئيس قسم الفلسفة، كلية الآداب ، سوهاج