وزراء النفط العرب كانوا إمعات مع الطريقي وكان يعاملهم بكل غرور!!
الطريقي تجاوز الحد في قوميته العروبية!
&
حوار- محمد السيف: من أوائل الموظفين الذين عملوا مع الشيخ عبدالله الطريقي، في إدارة شؤون الزيت والمعادن بجدة، ثم انتقل للعمل معه إلى الرياض بعد إنشاء وزارة البترول والمعادن، من مواليد مكة المكرمة عام 1929م تدرج في العديد من الوظائف في وزارة البترول والمعادن ثم في المؤسسة العامة للكهرباء، وقد عمل مديراً عاماً لمكتب السكرتير العام لمنظمة الأوبك في فيينا لمدة أربعة أعوام، عمل في الإعلام والصحافة كمحرر ومستشار إعلامي.
السيد أحمد محمد طاشكندي، التقته "إيلاف" في حوارٍ مطول تحدث فيه عن ذكرياته مع الشيخ الطريقي وعن إدارة شؤون الزيت، تأسيسها وموظفيها القدامى وعن بدايات الوزارة وتشكيلها، ننشر هنا بعض ما دار في ذلك الحوار.
&
- متى كان اللقاء الأول لكم بالشيخ عبدالله الطريقي؟
- اللقاء الأول تم، عندما تشرفتُ بأن أعمل مع الشيخ عبدالله حمود الطريقي، بإدارة شؤون الزيت والمعادن بجدة، بعد أن انتقلتُ من مؤسسة النقد العربي في جدة، بعد أن عملتُ سنة واحدة، وكنتُ قد تخرجتُ في قسم المحاسبة من جامعة القاهرة سنة 1958م، والذي دعاني للعمل هو الدكتور فاضل القباني، الذي هو أول سعودي متخصص في المعادن يتخرج من أمريكا.
- هل قباني تخصّص قبل الطريقي بالنفط والمعادن؟
- نعم، أول سعودي متخصص بشؤون المعادن هو فاضل خيري القباني وقد وصل إلى مرتبة وكيل الوزارة لشؤون المعادن.
- إذا كان الطريقي قد عاد إلى أرض الوطن عام 1948م قادماً من أمريكا، فمتى عاد القباني من هناك؟
- أعتقد أنه قدم قبل الطريقي بأربع سنوات تقريباً وقد عمل مندوباً في وكالة الطاقة الذرية.
- بعد انتقالك للإدارة العامة لشؤون الزيت والمعادن، كيف كان لقاؤك الأول بالطريقي؟
- انضممتُ في جهاز الإدارة العامة لشؤون الزيت والمعادن، كموظف بإدارة الشؤون المالية، وفي ثاني يوم عمل، قيل لي بأن المدير العام يدعوني لمكتبه ويطلب لقائي! ففوجئتُ بذلك، إذ كيف يلتقي المدير العام بموظف بسيط في أول درجاته الوظيفية؟ إلا أنني ذهبتُ إلى المدير العام في مكتبه وكان هدفه حسبما فهمتُ من كلامه هو أن يتعرف على كل موظفي الجهاز، وكانت لمسة حانية من الطريقي وقد اكتشفتُ من خلال اللقاءات أن الطريقي رجل دولة وحكيم، هذا الذي يشغل نفسه بالتعرف على الموظفين، والحقيقة أني سعدتُ عندما تعرفتُ على عبدالله الطريقي، وقد عرفتُ من خلاله العديد من المزايا من أهمها: الدقة والمواظبة في العمل، حيثُ كان يحضر إلى مقر العمل قبل قدوم "الخادم" في مكتبه، وكان يحضر في الساعة السادسة صباحاً ويفتح مكتبه، ويقوم بتنظيف ومسح مكتبه بنفسه، ثم يبدأ في عمله، وفي الساعة السابعة والنصف يقوم بجولة على مكاتب الموظفين ويحاسب المتأخرين الذين يحضرون بعد الثامنة ولو بدقيقة واحدة، وكان كثير الخصم من رواتب الموظفين، إلا أنه في غالب الأمر يتراجع عن قراره إذا حلّ موعد الخصم.
وأحبُ أن أشير إلى صفةٍ أخرى لا يعرفها الكثيرون عن الطريقي وهي حرصه الشديد على أسرار عمله وعدم السماح لأي متطفل (كما يقول الطريقي) من صحفي أو موظف إذاعة أو أجنبي بأن يتحدث أي موظف إليهم.
كان الطريقي حازماً وكان يمشي في ممرات الإدارة بطريقة عسكرية! حيثُ يضع يديه خلف ظهره، وهو مكشوف الرأس، مُلقياً نظره إلى الأسفل، وكان الموظفون يخشونه ويهابونه، وكان يعلم عن كل ما يدور في إدارته وبالمناسبة أذكر موقفاً طريفاً وهو أنه في إحدى المرات حضرتُ للإدارة كي أُنجز بعض المهام والأعمال المطلوب مني إنجازها، فوجئت بعد دخولي للمكتب بالطريقي يدخل بعدي إلى مكتبه لينجز بعض أعماله، واكتشفتُ بعد ذلك أن الطريقي يحضر بشكل دائم للعمل في المساء لوحده، فهو لا يحتاج لأحد، لأنه لا يطلب شاياً أو قهوةً أو حتى ماء!.
- هل كان الموظفون يتقبلون مثل هذه التصرفات من شخص بحجم "المدير العام"؟
- بالطبع لا، كانوا يتأففون ومستاءون من تلك التصرفات، ولكن للحقيقة أقول والرجلُ قد توفاه الله، وبعد خبرة في العمل لمدة 35عاماً في أجهزة الدولة، أن شخصية الطريقي غير مألوفة، وأن العنف الظاهري كان وراءه قلب ينبض بالحب والعطف واللين والرقة، للموظفين وللوطن وللمسؤولين!.
- مَن كان مدير مكتب الطريقي آنذاك؟
- مدير مكتبه آنذاك، هو حسن نُصير، وكان شاب سعودي مهذب، ومتوسط في تعليمه، إلا أنه انطبع بالكثير من طبائع الطريقي كالسرية والنظامية والحزم.
- برأيك، إلى ماذا تُرجع حزم الطريقي وصرامته؟!
- أعتقد أن لدراسته في أمريكيا وفي أوساط علمية دراسية، دور في ذلك، وربما تكون هذه الشدة والحزم من الصفات الأصيلة في شخص الطريقي.
- حينما كان الطريقي مديراً عاماً في جدة، هل كانت زوجته الأمريكية معه أم لا؟!!
- شوف! للتاريخ وللأمانة، لا أحد من موظفي الإدارة يعلمُ شيئاً عن الحياة الشخصية والعائلية للطريقي، ولكن كنا نسمع أن زوجته أم صخر والابن صخر، كانا معه في جدة، وسمعنا بعد ذلك أنه طلقها وسافرت إلى أمريكا.
- ذكرت أنك ترقيت للعمل على وظيفة مدير الإدارة المالية بشؤون الزيت والمعادن، مَن كان يعمل قبلك مديراً للإدارة المالية؟!
- الذي كان قبلي هو السيد عمر فقيه، الذي أصبح وزيراً للتجارة فيما بعد، وكان قبله في المنصب ذاته الدكتور عبدالهادي حسن طاهر، محافظ بترومين لاحقاً، وهو أول من تولى إدارة الشؤون المالية بعد إنشاء الإدارة العامة لشؤون الزيت والمعادن، إلا أن المرحوم الطريقي ابتعثه إلى أمريكا ليدرس فلسفة المحاسبة، وقد أخذ الدكتوراة، أما السيد عمر فقيه فقد ابتعثه الطريقي إلى لندن ثمّ غير وجهته إلى أمريكا وحصل على الماجستير.
- والسيد أحمد زكي يماني، أين كان بين هذه المجموعة؟!!
- السيد أحمد زكي يماني، درس القانون في جامعة القاهرة ثم عاد إلى المملكة وعمل مع أحد المستشارين القانونيين، ثم عمل في مصلحة الزكاة والدخل في جدة ثم ابتعث، ولم يدخل وزارة البترول إلا بعد تعيينه وزيراً بعد الطريقي.
- والسيد هشام ناظر؟
- السيد هشام ناظر، كان ضمن المجموعة التي عملت مع الطريقي، وكان أول عمل قام به هو "مدير مكتب الطريقي" حيثُ تم نقل السيد حسن نُصير إلى مكتب نائب المدير العام فاضل القباع.
- الإدارة العامة لشؤون الزيت والمعادن، لماذا أُنشئت في جدة، علماً بأن الزيت في المنطقة الشرقية من البلاد وليس في الغربية؟!
- سؤال وجيه! هذه الإدارة ياعزيزي كانت مسؤولة عن المعادن في الدرجة الأولى، وكانت تبحث في المحاجر ومناجم الذهب في شمال غرب المملكة، خاصةً منجم مهد الذهب القريب من المدينة المنورة، وعندما أنشئت هذه الإدارة في عام 1920م على ما اعتقد لم يكن هناك بترول.
- ذكرت أن هذه الإدارة أنشئت ربما عام 1920م، وهذا قبل دخول الحجاز لحكم الملك عبدالعزيز، فهل كانت موجودة قبل؟
- نعم، كان مكتب المعادن موجوداً قبل دخول الحجاز للحكم السعودي.
- بعد تأسيس وزارة البترول والمعادن، هل انتقل جميع العاملين في شؤون الزيت بجدة إلى الرياض؟
- لا، لم ينتقل إلا الموظفون المعنيون بشؤون الزيت، أما الموظفون المعنيون بقطاع التعدين، فبقوا في الإدارة، التي تحولت إلى فرع للوزارة، برئاسة الدكتور فاضل القباني، الذي أصبح وكيل الوزارة لشؤون التعدين بجدة.
- وكيف كانت تشكيلة الوزارة؟!
- بعد أن انتقلنا إلى الرياض، استحدثت إدارات وأقسام عدة، وانتقل عبدالهادي طاهر إلى بتروين، وأصبح هشام ناظر مديراً عاماً للعلاقات العامة، ثم مدير عام ديوان الوزارة، وكان بمثابة وكيل الوزارة، وظل السيد فاضل قباني في جدة كوكيل للوزارة لشؤون التعدين، وعمل مصطفى حافظ وهبة كوكيل للوزارة لشؤون الزيت في الظهران ثم أعقبه الشيخ فهد عبدالله الخيال، وترقيتُ أنا كمدير عام للشؤون المالية.
- بالمناسبة، ما تخصص السيد مصطفى حافظ وهبة؟!
- يبدو لي أن تخصصه في البترول أو البتروكيماويات!
- في مارس 1962م أُعفي الطريقي من منصبه، كوزير للبترول والثروة المعدنية، برأيك وكأحد الموظفين الذين عملوا معه، ما الأسباب التي كانت وراء إعفائه من منصبه؟ !
- دعني اعتذر عن الإجابة على هذا السؤال!
- طيب، ذكرت بأنك من أقرب الموظفين إلى الوزير الطريقي، كيف تصف لنا قويته العروبية؟!
- والله شوف! في تلك الفترة كانت موجة القومية العربية عارمة، وكان الطريقي وغيره قوميين وكانوا يفخرون بقوميتهم وعروبيتهم! أذكر مرةً أنه عندما أراد الوزير الطريقي الذهاب إلى بغداد لحضور اجتماع إنشاء منظمة الدول المصدر للبترول (أوبك) اجتمع بنا الطريقي وألقى بنا كلمةً، قال فيها: اسمعوني يا أولاد- وكان دائماً يستخدم كلمة أولاد- إذا ما رضعتم مبدأ القومية العربية فأنتم غير مؤهلين لأن تمثلوا العروبة! فكل واحدٍ منكم يعود إلى أصله! وأنت يا أحمد طاشكندي تعود إلى بخارى!!.
وعلى الرغم من إعجابي بالطريقي، كونه جهبذ في تخصصه ووزارته، كما أن عثمان العمير جهبذ في الإعلام! إلا أن الطريقي قد تجاوز الحد في قوميته، كان دائماً ينصحنا بأن نغتنم الفرصة ونكون قوميين عربيين، فلا سعودي ولا تونسي ولا مصري! ولكن النتيجة أن الطريقي وقد تشتت في الأقطار العربية الجزائر وليبيا والكويت وأبوظبي وغيرها، فلم تفيده قوميته، لقد كان الطريقي يريد أن يجعل من وزارة البترول وزارةً للقومية العربية، واعتقد أن ذلك كان من أسباب إعفائه من منصبه!!.
- كيف كان الطريقي يتعامل مع زملائه وزراء النفط العرب؟!
- مع احترامي وتقديري لأولئك الوزراء، إلا أنهم كانوا إمعات بالنسبة إليه، كان يتعامل مع الوزراء في الأوبك وفي جامعة الدول العربية وفي مجلس الاقصاد العربي بالقاهرة، بكثير من الأنفة والكبرياء.
- هل التقيت بالطريقي في منفاه؟!
- نعم، لقد اعتدنا سنوات طويلة على قضاء الصيف في جبل لبنان، ومرةً وفي صيف عام 1965م تقريباً ذهبت إلى الطريقي في مكتبه الاستشاري في الدور السادس على ما أذكر في عمارة بالقرب من فندق فينيقيا، وكان أول لقاء لي به بعد تركه الوزارة !
- وهل كان اللقاء الأخير؟!!
نعم بالفعل كان اللقاء الأخير.
- هل كنت تتابع مجلته "البترول والغاز العربي" التي كان يصدرها من بيروت؟!!
- لا، لم أكن أتابع مجلته.
- بأي شيء أنت مدين للطريقي؟!
- حب العمل والإخلاص فيه، فقد زرع فينا الطريقي حب العمل وأن نخلص له، وأتذكر أن السيد محمود طيبه بعد انتقال للعمل في المؤسسة العامة للكهرباء كنتُ أحضر مبكراً، فكان معاليه يسألني عن سبب الحضور مبكراً، هل أنا متخاصم مع بيتي؟!!!
- من هم أبرز أصدقاء الطريقي؟
- الطريقي لم يكن له أصدقاء! كان صديق نفسه.
- عملت في وزارة البترول والثروة المعدنية، في عهد الطريقي وعهد خلفه اليماني، برأيك ما الذي يجمع بين الوزيرين؟!!
- هناك صفة مشتركة تجمع بين الوزيرين، هي الكبرياء والعظمة!! فأحمد زكي يماني كالطريقي في تعاليه وكبريائه! فقبل ثلاثة أشهر كنتُ في جدة وطلب مني ابن خالتي حسن جوهرجي أن نذهب إلى الشيخ زكي يماني في منزله، فوجدته هوَ هوَ الذي كان يعاملني بكل احتقار! والطريقي عندما كان وزيراً يرفض إلا أن نناديه بـ "معالي الوزير" وعندما كنا في المديرية بجدة لم يكن يرضى إلا بأن نناديه بـ" سعادة المدير العام" !.
- وأخيراً ماذا تود قوله؟
- أود أن أقول أن الطريقي رحمه الله يستحق أن يُكتب عنه ويؤرخ دوره وأن يذكر في تاريخ الدولة السعودية، على جهوده ونشاطه كوزير وكمدير وكمسؤول.
&
- متى كان اللقاء الأول لكم بالشيخ عبدالله الطريقي؟
- اللقاء الأول تم، عندما تشرفتُ بأن أعمل مع الشيخ عبدالله حمود الطريقي، بإدارة شؤون الزيت والمعادن بجدة، بعد أن انتقلتُ من مؤسسة النقد العربي في جدة، بعد أن عملتُ سنة واحدة، وكنتُ قد تخرجتُ في قسم المحاسبة من جامعة القاهرة سنة 1958م، والذي دعاني للعمل هو الدكتور فاضل القباني، الذي هو أول سعودي متخصص في المعادن يتخرج من أمريكا.
- هل قباني تخصّص قبل الطريقي بالنفط والمعادن؟
- نعم، أول سعودي متخصص بشؤون المعادن هو فاضل خيري القباني وقد وصل إلى مرتبة وكيل الوزارة لشؤون المعادن.
- إذا كان الطريقي قد عاد إلى أرض الوطن عام 1948م قادماً من أمريكا، فمتى عاد القباني من هناك؟
- أعتقد أنه قدم قبل الطريقي بأربع سنوات تقريباً وقد عمل مندوباً في وكالة الطاقة الذرية.
- بعد انتقالك للإدارة العامة لشؤون الزيت والمعادن، كيف كان لقاؤك الأول بالطريقي؟
- انضممتُ في جهاز الإدارة العامة لشؤون الزيت والمعادن، كموظف بإدارة الشؤون المالية، وفي ثاني يوم عمل، قيل لي بأن المدير العام يدعوني لمكتبه ويطلب لقائي! ففوجئتُ بذلك، إذ كيف يلتقي المدير العام بموظف بسيط في أول درجاته الوظيفية؟ إلا أنني ذهبتُ إلى المدير العام في مكتبه وكان هدفه حسبما فهمتُ من كلامه هو أن يتعرف على كل موظفي الجهاز، وكانت لمسة حانية من الطريقي وقد اكتشفتُ من خلال اللقاءات أن الطريقي رجل دولة وحكيم، هذا الذي يشغل نفسه بالتعرف على الموظفين، والحقيقة أني سعدتُ عندما تعرفتُ على عبدالله الطريقي، وقد عرفتُ من خلاله العديد من المزايا من أهمها: الدقة والمواظبة في العمل، حيثُ كان يحضر إلى مقر العمل قبل قدوم "الخادم" في مكتبه، وكان يحضر في الساعة السادسة صباحاً ويفتح مكتبه، ويقوم بتنظيف ومسح مكتبه بنفسه، ثم يبدأ في عمله، وفي الساعة السابعة والنصف يقوم بجولة على مكاتب الموظفين ويحاسب المتأخرين الذين يحضرون بعد الثامنة ولو بدقيقة واحدة، وكان كثير الخصم من رواتب الموظفين، إلا أنه في غالب الأمر يتراجع عن قراره إذا حلّ موعد الخصم.
وأحبُ أن أشير إلى صفةٍ أخرى لا يعرفها الكثيرون عن الطريقي وهي حرصه الشديد على أسرار عمله وعدم السماح لأي متطفل (كما يقول الطريقي) من صحفي أو موظف إذاعة أو أجنبي بأن يتحدث أي موظف إليهم.
كان الطريقي حازماً وكان يمشي في ممرات الإدارة بطريقة عسكرية! حيثُ يضع يديه خلف ظهره، وهو مكشوف الرأس، مُلقياً نظره إلى الأسفل، وكان الموظفون يخشونه ويهابونه، وكان يعلم عن كل ما يدور في إدارته وبالمناسبة أذكر موقفاً طريفاً وهو أنه في إحدى المرات حضرتُ للإدارة كي أُنجز بعض المهام والأعمال المطلوب مني إنجازها، فوجئت بعد دخولي للمكتب بالطريقي يدخل بعدي إلى مكتبه لينجز بعض أعماله، واكتشفتُ بعد ذلك أن الطريقي يحضر بشكل دائم للعمل في المساء لوحده، فهو لا يحتاج لأحد، لأنه لا يطلب شاياً أو قهوةً أو حتى ماء!.
- هل كان الموظفون يتقبلون مثل هذه التصرفات من شخص بحجم "المدير العام"؟
- بالطبع لا، كانوا يتأففون ومستاءون من تلك التصرفات، ولكن للحقيقة أقول والرجلُ قد توفاه الله، وبعد خبرة في العمل لمدة 35عاماً في أجهزة الدولة، أن شخصية الطريقي غير مألوفة، وأن العنف الظاهري كان وراءه قلب ينبض بالحب والعطف واللين والرقة، للموظفين وللوطن وللمسؤولين!.
- مَن كان مدير مكتب الطريقي آنذاك؟
- مدير مكتبه آنذاك، هو حسن نُصير، وكان شاب سعودي مهذب، ومتوسط في تعليمه، إلا أنه انطبع بالكثير من طبائع الطريقي كالسرية والنظامية والحزم.
- برأيك، إلى ماذا تُرجع حزم الطريقي وصرامته؟!
- أعتقد أن لدراسته في أمريكيا وفي أوساط علمية دراسية، دور في ذلك، وربما تكون هذه الشدة والحزم من الصفات الأصيلة في شخص الطريقي.
- حينما كان الطريقي مديراً عاماً في جدة، هل كانت زوجته الأمريكية معه أم لا؟!!
- شوف! للتاريخ وللأمانة، لا أحد من موظفي الإدارة يعلمُ شيئاً عن الحياة الشخصية والعائلية للطريقي، ولكن كنا نسمع أن زوجته أم صخر والابن صخر، كانا معه في جدة، وسمعنا بعد ذلك أنه طلقها وسافرت إلى أمريكا.
- ذكرت أنك ترقيت للعمل على وظيفة مدير الإدارة المالية بشؤون الزيت والمعادن، مَن كان يعمل قبلك مديراً للإدارة المالية؟!
- الذي كان قبلي هو السيد عمر فقيه، الذي أصبح وزيراً للتجارة فيما بعد، وكان قبله في المنصب ذاته الدكتور عبدالهادي حسن طاهر، محافظ بترومين لاحقاً، وهو أول من تولى إدارة الشؤون المالية بعد إنشاء الإدارة العامة لشؤون الزيت والمعادن، إلا أن المرحوم الطريقي ابتعثه إلى أمريكا ليدرس فلسفة المحاسبة، وقد أخذ الدكتوراة، أما السيد عمر فقيه فقد ابتعثه الطريقي إلى لندن ثمّ غير وجهته إلى أمريكا وحصل على الماجستير.
- والسيد أحمد زكي يماني، أين كان بين هذه المجموعة؟!!
- السيد أحمد زكي يماني، درس القانون في جامعة القاهرة ثم عاد إلى المملكة وعمل مع أحد المستشارين القانونيين، ثم عمل في مصلحة الزكاة والدخل في جدة ثم ابتعث، ولم يدخل وزارة البترول إلا بعد تعيينه وزيراً بعد الطريقي.
- والسيد هشام ناظر؟
- السيد هشام ناظر، كان ضمن المجموعة التي عملت مع الطريقي، وكان أول عمل قام به هو "مدير مكتب الطريقي" حيثُ تم نقل السيد حسن نُصير إلى مكتب نائب المدير العام فاضل القباع.
- الإدارة العامة لشؤون الزيت والمعادن، لماذا أُنشئت في جدة، علماً بأن الزيت في المنطقة الشرقية من البلاد وليس في الغربية؟!
- سؤال وجيه! هذه الإدارة ياعزيزي كانت مسؤولة عن المعادن في الدرجة الأولى، وكانت تبحث في المحاجر ومناجم الذهب في شمال غرب المملكة، خاصةً منجم مهد الذهب القريب من المدينة المنورة، وعندما أنشئت هذه الإدارة في عام 1920م على ما اعتقد لم يكن هناك بترول.
- ذكرت أن هذه الإدارة أنشئت ربما عام 1920م، وهذا قبل دخول الحجاز لحكم الملك عبدالعزيز، فهل كانت موجودة قبل؟
- نعم، كان مكتب المعادن موجوداً قبل دخول الحجاز للحكم السعودي.
- بعد تأسيس وزارة البترول والمعادن، هل انتقل جميع العاملين في شؤون الزيت بجدة إلى الرياض؟
- لا، لم ينتقل إلا الموظفون المعنيون بشؤون الزيت، أما الموظفون المعنيون بقطاع التعدين، فبقوا في الإدارة، التي تحولت إلى فرع للوزارة، برئاسة الدكتور فاضل القباني، الذي أصبح وكيل الوزارة لشؤون التعدين بجدة.
- وكيف كانت تشكيلة الوزارة؟!
- بعد أن انتقلنا إلى الرياض، استحدثت إدارات وأقسام عدة، وانتقل عبدالهادي طاهر إلى بتروين، وأصبح هشام ناظر مديراً عاماً للعلاقات العامة، ثم مدير عام ديوان الوزارة، وكان بمثابة وكيل الوزارة، وظل السيد فاضل قباني في جدة كوكيل للوزارة لشؤون التعدين، وعمل مصطفى حافظ وهبة كوكيل للوزارة لشؤون الزيت في الظهران ثم أعقبه الشيخ فهد عبدالله الخيال، وترقيتُ أنا كمدير عام للشؤون المالية.
- بالمناسبة، ما تخصص السيد مصطفى حافظ وهبة؟!
- يبدو لي أن تخصصه في البترول أو البتروكيماويات!
- في مارس 1962م أُعفي الطريقي من منصبه، كوزير للبترول والثروة المعدنية، برأيك وكأحد الموظفين الذين عملوا معه، ما الأسباب التي كانت وراء إعفائه من منصبه؟ !
- دعني اعتذر عن الإجابة على هذا السؤال!
- طيب، ذكرت بأنك من أقرب الموظفين إلى الوزير الطريقي، كيف تصف لنا قويته العروبية؟!
- والله شوف! في تلك الفترة كانت موجة القومية العربية عارمة، وكان الطريقي وغيره قوميين وكانوا يفخرون بقوميتهم وعروبيتهم! أذكر مرةً أنه عندما أراد الوزير الطريقي الذهاب إلى بغداد لحضور اجتماع إنشاء منظمة الدول المصدر للبترول (أوبك) اجتمع بنا الطريقي وألقى بنا كلمةً، قال فيها: اسمعوني يا أولاد- وكان دائماً يستخدم كلمة أولاد- إذا ما رضعتم مبدأ القومية العربية فأنتم غير مؤهلين لأن تمثلوا العروبة! فكل واحدٍ منكم يعود إلى أصله! وأنت يا أحمد طاشكندي تعود إلى بخارى!!.
وعلى الرغم من إعجابي بالطريقي، كونه جهبذ في تخصصه ووزارته، كما أن عثمان العمير جهبذ في الإعلام! إلا أن الطريقي قد تجاوز الحد في قوميته، كان دائماً ينصحنا بأن نغتنم الفرصة ونكون قوميين عربيين، فلا سعودي ولا تونسي ولا مصري! ولكن النتيجة أن الطريقي وقد تشتت في الأقطار العربية الجزائر وليبيا والكويت وأبوظبي وغيرها، فلم تفيده قوميته، لقد كان الطريقي يريد أن يجعل من وزارة البترول وزارةً للقومية العربية، واعتقد أن ذلك كان من أسباب إعفائه من منصبه!!.
- كيف كان الطريقي يتعامل مع زملائه وزراء النفط العرب؟!
- مع احترامي وتقديري لأولئك الوزراء، إلا أنهم كانوا إمعات بالنسبة إليه، كان يتعامل مع الوزراء في الأوبك وفي جامعة الدول العربية وفي مجلس الاقصاد العربي بالقاهرة، بكثير من الأنفة والكبرياء.
- هل التقيت بالطريقي في منفاه؟!
- نعم، لقد اعتدنا سنوات طويلة على قضاء الصيف في جبل لبنان، ومرةً وفي صيف عام 1965م تقريباً ذهبت إلى الطريقي في مكتبه الاستشاري في الدور السادس على ما أذكر في عمارة بالقرب من فندق فينيقيا، وكان أول لقاء لي به بعد تركه الوزارة !
- وهل كان اللقاء الأخير؟!!
نعم بالفعل كان اللقاء الأخير.
- هل كنت تتابع مجلته "البترول والغاز العربي" التي كان يصدرها من بيروت؟!!
- لا، لم أكن أتابع مجلته.
- بأي شيء أنت مدين للطريقي؟!
- حب العمل والإخلاص فيه، فقد زرع فينا الطريقي حب العمل وأن نخلص له، وأتذكر أن السيد محمود طيبه بعد انتقال للعمل في المؤسسة العامة للكهرباء كنتُ أحضر مبكراً، فكان معاليه يسألني عن سبب الحضور مبكراً، هل أنا متخاصم مع بيتي؟!!!
- من هم أبرز أصدقاء الطريقي؟
- الطريقي لم يكن له أصدقاء! كان صديق نفسه.
- عملت في وزارة البترول والثروة المعدنية، في عهد الطريقي وعهد خلفه اليماني، برأيك ما الذي يجمع بين الوزيرين؟!!
- هناك صفة مشتركة تجمع بين الوزيرين، هي الكبرياء والعظمة!! فأحمد زكي يماني كالطريقي في تعاليه وكبريائه! فقبل ثلاثة أشهر كنتُ في جدة وطلب مني ابن خالتي حسن جوهرجي أن نذهب إلى الشيخ زكي يماني في منزله، فوجدته هوَ هوَ الذي كان يعاملني بكل احتقار! والطريقي عندما كان وزيراً يرفض إلا أن نناديه بـ "معالي الوزير" وعندما كنا في المديرية بجدة لم يكن يرضى إلا بأن نناديه بـ" سعادة المدير العام" !.
- وأخيراً ماذا تود قوله؟
- أود أن أقول أن الطريقي رحمه الله يستحق أن يُكتب عنه ويؤرخ دوره وأن يذكر في تاريخ الدولة السعودية، على جهوده ونشاطه كوزير وكمدير وكمسؤول.
&
&
التعليقات