علي شايع
&
&
&
&
قبيل انتصاف ليلة 25 تشرين الاول من عام 1881 بربع ساعة، ولد بيكاسو، ميتا، لا يتنفس، ولا يتحرك، وقطعت القابلة الأمل بالوليد، وصرفت اهتمامها الى الأم. ولولا وجود عمه الطبيب سلفادور رويز، ماعاد المولود الى الحياة ألبتة. ولكن السيد سلفادور مال فوق الوليد الميت، ونفث دخان سيجاره في فتحتي أنفه، فتحرك بيكاسو. وصرخ.
قرأت هذا قبل ايام، وصرت اردّده لأكثر من دلالة، وعاد الى خاطري السؤال الازلي عن يوم ولادتي، لا كي يكتب عنه ذات يوم!، لكن.. لأن صوت نفسي المفاخر بالتساؤل عن لحظة وصوله، ما فتئ يردّد شغف السؤال.... الذي جزعته أمي، ذات حضور.
&وفي رؤية ثانية، وأرق فلسفي لازمني أملاً في ايجاد تفسير لولادة بيكاسو العبقري، وجدت ان الدخان كان في معنى الانقاذ المصيري، رغم ان الدخان ثاني بقايا النار بعد الرماد. ولم يكن في نيتي ان اقف مع زرادشت في دعوته العقل للانطلاق من المحسوس إلى المجرد، بحثاً عن الفكرة؛ حيث الكون الذي شكّلته فكرة ما بطاقاتها وأوجدت الشكل الأول للمادة، فيه، ناراً. قلت: سأناصر زرادشت في ان يكون كل إنسان مستمراً كجزء من الفكرة بعد موته، لكن ان تحييه فكرة النار.. هذا ما توقفت عنده مراراً.
ورددت مع نفسي؛ اين امضي بفلسفة لا تغني ولا تنقذ من حرب؟.. هل قلتُ الحرب؟.. ربما، لأن الحرب ستبقى تتكرّر في كل مدرك يومي لنا، لأننا أمّة حرب تركت ملامحها الخائفة في ولادتنا ايضاً، و اسمائنا، وتركت بؤساً عربياً في اسماء ابائنا، مخافة الموت مرضاً، احياناً، او حرباً على الأغلب، ليسمى الوليد بأحقر الأسماء، حتى يبقى، بقاء السوء وتفاقم نقمته. او مثلما في تواريخ ميلادنا، تركت الحروب ذاكرتها، فصرنا نعرف اعمار بعضنا بذكرى حرب عمّدنا رمادها.
قالت امي : ولدتَ بعد حرب67، يوم عادوا الى ما بقي لهم من عزلة. قال الأب:هو طارق. وقال الجد: هو علي.
وكنتُ بين هذا الإسم وذاك ابحث عن حكاية تلائم ميلادي، وانقب في الإسم، عن تاريخ لإحراق السفن، او ميلاد في مكان لم يولد فيه احد قط، وصرت كلما اسألُ عن تاريخ دقيق يحيلني المسؤول الى تلك الحرب، واخبارها، وصارت ايامها الستة مرجعاً غامض التعيين لإثبات يوم بعينه.&
قال الجدّ: ورثنا معرفة ليلة القدر، من علاماتها؛ طلوع شمس صبيحتها، لا شعاع لها.
هو ما يتخلّف عن فكرة النار، قلت.
&فقال ابي: اشياء كثيرة لا ينالك ان تحياها الا فواتاً للأوان.
و طويلاً، لم يتحدث ابي عن الحرب التي على الارض، اكثر من حديثه في ليال سمر العشيرة عن ما تقوله اذاعة لندن واعلام العرب الخلّب. قالت امي: ولدتَ يوم اعادت اذاعة صوت العرب القاهرية بحيرة طبريا ومدينتها من الاحتلال!.
قال ابي: كانت امّك تتألم بكَ، وكان رابع ايام الحرب يوم سبت، لم تكن في الدار من نخلة بعد، فألجأها المخاض الى راية العشيرة وسط الدار، وكادت تهوي بها، غير اننا تشجعنا بالمذياع، بأحمد سعيد يصرخ ؛نحن على مشارف عكا.
صبراً... صبراً، قال الجد، وركل المذياع بعيداً، وبقي صوت العرب يردّد: "من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.. استبشري يا أسماك، واستمتعي؛ فسنلقيهم في البحر!".
قال ابي : ونذرت أمّك، وهي تصرخ؛ يا اخت هارون، ان تزرع هنا نخلة.
&وكان اليوم السادس يوم الأثنين. وكانت الشمس التي وُعِدنا، قال ابي: كان صباح الهزيمة. يومها خرج جدّك للناس فحمد الله واثنى عليه، وامر العشيرة بهجر المذياع، والكذب.
قلتُ :فمتى ولدتُ. قال: اما هذه فنسيتها.
وكنتُ بين هذا الإسم وذاك ابحث عن حكاية تلائم ميلادي، وانقب في الإسم، عن تاريخ لإحراق السفن، او ميلاد في مكان لم يولد فيه احد قط، وصرت كلما اسألُ عن تاريخ دقيق يحيلني المسؤول الى تلك الحرب، واخبارها، وصارت ايامها الستة مرجعاً غامض التعيين لإثبات يوم بعينه.&
قال الجدّ: ورثنا معرفة ليلة القدر، من علاماتها؛ طلوع شمس صبيحتها، لا شعاع لها.
هو ما يتخلّف عن فكرة النار، قلت.
&فقال ابي: اشياء كثيرة لا ينالك ان تحياها الا فواتاً للأوان.
و طويلاً، لم يتحدث ابي عن الحرب التي على الارض، اكثر من حديثه في ليال سمر العشيرة عن ما تقوله اذاعة لندن واعلام العرب الخلّب. قالت امي: ولدتَ يوم اعادت اذاعة صوت العرب القاهرية بحيرة طبريا ومدينتها من الاحتلال!.
قال ابي: كانت امّك تتألم بكَ، وكان رابع ايام الحرب يوم سبت، لم تكن في الدار من نخلة بعد، فألجأها المخاض الى راية العشيرة وسط الدار، وكادت تهوي بها، غير اننا تشجعنا بالمذياع، بأحمد سعيد يصرخ ؛نحن على مشارف عكا.
صبراً... صبراً، قال الجد، وركل المذياع بعيداً، وبقي صوت العرب يردّد: "من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.. استبشري يا أسماك، واستمتعي؛ فسنلقيهم في البحر!".
قال ابي : ونذرت أمّك، وهي تصرخ؛ يا اخت هارون، ان تزرع هنا نخلة.
&وكان اليوم السادس يوم الأثنين. وكانت الشمس التي وُعِدنا، قال ابي: كان صباح الهزيمة. يومها خرج جدّك للناس فحمد الله واثنى عليه، وامر العشيرة بهجر المذياع، والكذب.
قلتُ :فمتى ولدتُ. قال: اما هذه فنسيتها.
&&&&&&& * * *
اختفى من يومها احمد سعيد... ومثلما في الامل العنيد للعرب، بقي الاعلامي السعيد في احاديث السخرية والندم الفاجع، اكثر من ثلاثين عاما، ليظهر بعدها شيخاً يبحث عن تلفزيون عربي يشتري منه زور الذكريات، يوم ظهر في مدينة الشارقة، منذ سنوات، محاضراً فيها عن الاعلام العربي، وسرت نكتة بين كبار السن الإماراتيين ممن عاصروا البكاء الحزيراني تقول ؛ ان الشارقة ستتعاقد مع احمد سعيد لإعادة الجزر-اذاعياً- من ايران!!.
وفي تجواله الخليجي اعترف أحمد سعيد في احد محاضراته ان الاعلام في زمن عبد الناصر قد وضعه بين نارين : نار الشيطان عندما امتنع عن الامر الالهي بالسجود لآدم قائلا" أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين". أما النار الاخرى، فهي نار جلد الذات بما يعنيه هذا الجلد من البعض من يأس وانكفاء على الضياع وهو امر ضد طبيعة الحياة.... قلتُ:هاهي النار تعود ثانيةً، ودخانها، فلأنتظر نفخة العم الطبيب سلفادور رويز، او فلأبتهل مع الزرادشتي: " تأججي في هذا المنزل إلى الأبد، توقدي دائماً في هذا البلد، اسطعي في هذا البيت و ليزدد سعيركِ في هذا الزمن المفعم بالاحياء. تسعّري لإحياء الكمال للعالم".
وخارج الابتهال قلت: واهيات الاعذار، انتخبها احمد سعيد بعناية لا تبرّر هزيمة تاريخ كامل، لم يعلن العرب التوبة منه بعد، بل جنّدوا له صدام (وهماً) جديداً في اعلامهم حدّ الايمان به وبأكاذيب اعلامه البائس.
كم بقي العرب في رجاء "احمد" اخر ياتيهم بالبينة والخبر؟.... وقيل وجدوا كثيراً من ضوء الحرف في تشابه الاسماء؛ احمد سعيد، و محمد سعيد، وذهب حرفيّو الدين من العرب مذهب التنقيب عن سعادة الاسم الذي وجدوه في الكتب، وقيل باراكليتس آخر، أي المُعزّى، وقيل المشهور و المحمود، فكان محمد سعيد الصحاف، الذي بعثته عناية الوهم العربي الاسمى، محمداً، وسعيداً، وصحّافاً، فكان سعيداً بما يجلبه الاسم الموهوم، الباقي في سعادة الاسم ومجده المعافى من موت اسمائهم الجميلة مرضاً او حرباً- و صحافاً، قالت به وعنه صحائف الأولين، ينطق بهوى صدام حيث تـطرب اسماع المشرق والمغرب؛ ان لو اجتمعت كل علوج الارض...... سننتصر. ويضيف الصحاف نشوةً الى نشوة المترقب؛ سننتصر.... رفعت الاقلام وجفت الصحف.
&وراحت الفضائيات العربية تمني مشاهديها بإطلالته اليومية عبر الاثير، من بين ركام الحرب، ليعانق املهم بالخلاص، نصراً يخرج من شفتيه الراعشتين كذباً، و لَكم حاول ان يترجم عملياً نظريات الحرب النفسية ل"جوبلز" وزير الاعلام الهتلري؛ ( الناس تصدقه، من يكذب اكثر، من يصرّح اولاً، الحق بجانبه). فكان يصرّح اولاً، ولم يكن آخر من صرّح لأنه انكفئ هارباً، ومنتصراً ايضاً ً ببطولة الكذب، ويحكى انه انتحر بعد ان جنّ، والجنون اولى بالكاذب ليعيش صدق لحظته.
&وربما يكون الصحاف كاذباً ومجنونا في ذات الوقت، فثمة رواية فيه تحتمل احتمال الجنون والكذب معاً، اذ يحكى ان احد المسؤولين الكبار في الدولة قال للصحاف يوم التاسع من نيسان : لا اصدق يارفيقي ما يحدث اليوم، أشعر بأنني شخص آخر. ودون ان يـُعلـِّج الكلمات ردّ الصحاف عليه: وبذلك نصبح أربعة.
وفي تجواله الخليجي اعترف أحمد سعيد في احد محاضراته ان الاعلام في زمن عبد الناصر قد وضعه بين نارين : نار الشيطان عندما امتنع عن الامر الالهي بالسجود لآدم قائلا" أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين". أما النار الاخرى، فهي نار جلد الذات بما يعنيه هذا الجلد من البعض من يأس وانكفاء على الضياع وهو امر ضد طبيعة الحياة.... قلتُ:هاهي النار تعود ثانيةً، ودخانها، فلأنتظر نفخة العم الطبيب سلفادور رويز، او فلأبتهل مع الزرادشتي: " تأججي في هذا المنزل إلى الأبد، توقدي دائماً في هذا البلد، اسطعي في هذا البيت و ليزدد سعيركِ في هذا الزمن المفعم بالاحياء. تسعّري لإحياء الكمال للعالم".
وخارج الابتهال قلت: واهيات الاعذار، انتخبها احمد سعيد بعناية لا تبرّر هزيمة تاريخ كامل، لم يعلن العرب التوبة منه بعد، بل جنّدوا له صدام (وهماً) جديداً في اعلامهم حدّ الايمان به وبأكاذيب اعلامه البائس.
كم بقي العرب في رجاء "احمد" اخر ياتيهم بالبينة والخبر؟.... وقيل وجدوا كثيراً من ضوء الحرف في تشابه الاسماء؛ احمد سعيد، و محمد سعيد، وذهب حرفيّو الدين من العرب مذهب التنقيب عن سعادة الاسم الذي وجدوه في الكتب، وقيل باراكليتس آخر، أي المُعزّى، وقيل المشهور و المحمود، فكان محمد سعيد الصحاف، الذي بعثته عناية الوهم العربي الاسمى، محمداً، وسعيداً، وصحّافاً، فكان سعيداً بما يجلبه الاسم الموهوم، الباقي في سعادة الاسم ومجده المعافى من موت اسمائهم الجميلة مرضاً او حرباً- و صحافاً، قالت به وعنه صحائف الأولين، ينطق بهوى صدام حيث تـطرب اسماع المشرق والمغرب؛ ان لو اجتمعت كل علوج الارض...... سننتصر. ويضيف الصحاف نشوةً الى نشوة المترقب؛ سننتصر.... رفعت الاقلام وجفت الصحف.
&وراحت الفضائيات العربية تمني مشاهديها بإطلالته اليومية عبر الاثير، من بين ركام الحرب، ليعانق املهم بالخلاص، نصراً يخرج من شفتيه الراعشتين كذباً، و لَكم حاول ان يترجم عملياً نظريات الحرب النفسية ل"جوبلز" وزير الاعلام الهتلري؛ ( الناس تصدقه، من يكذب اكثر، من يصرّح اولاً، الحق بجانبه). فكان يصرّح اولاً، ولم يكن آخر من صرّح لأنه انكفئ هارباً، ومنتصراً ايضاً ً ببطولة الكذب، ويحكى انه انتحر بعد ان جنّ، والجنون اولى بالكاذب ليعيش صدق لحظته.
&وربما يكون الصحاف كاذباً ومجنونا في ذات الوقت، فثمة رواية فيه تحتمل احتمال الجنون والكذب معاً، اذ يحكى ان احد المسؤولين الكبار في الدولة قال للصحاف يوم التاسع من نيسان : لا اصدق يارفيقي ما يحدث اليوم، أشعر بأنني شخص آخر. ودون ان يـُعلـِّج الكلمات ردّ الصحاف عليه: وبذلك نصبح أربعة.
التعليقات