جاسم المطير
&
&
لا أظن أن أسماً أجنبياً أصبح معروفاً في العراق مثلما هو حال بول بريمر. وإذا كان مارادونا وزيدان وياشين معروفين في الوسط الرياضي فأن بريمر يعرفه غالبية الرياضيين وغيرهم. وإذا كانت مادونا ونيللي وأفا كاردنر معروفات لمحبي الغناء والسينما فأن محبي السينما والغناء في العراق يعرفون بول بريمر كما يعرفه غيرهم. وإذا كان نجيب محفوظ وأج.جي. ويلز وسيمون دي بوفوار معروفون في الوسط الأدبي والثقافي فأن بول بريمر يفوقهم في انتشار شعبيته. أصبح أسماً شديد الأهمية حتى وصلت أهميته في نظر الكثيرين من أعضاء مجلس الحكم إلى درجة الظن بأنه اليد الحاسمة القصوى في جميع ما يتعلق بتطور القضية العراقية.
الطفل حسوني ( أسم تحبيب حسن ) أبن جارنا بعمر 5 سنوات لا يعرف شخصاً بأسم أحمد الجلبي أو غيره من الشخصيات العراقية التي حاولتُ أختباره في معرفته لها، لكنه يعرف بول بريمر.
أم سامر وأم دينا وزوجة أبيهما يعرفن بول بريمر أكثر مما يعرفن عن طارق عزيز الذي سُجل اسمه كوزير وحيد في العالم قضى أطول فترة على كرسي وزاري.
صار بول بريمر علامة عراقية ( ماركة مسجلة ) معروفة للقاصي والداني، للكبير والصغير، للمرأة والرجل.
بريمر علامة تشير إلى عدة حقائق في المجتمع العراقي.
فهو من جهة عدو البعثيين رقم 1 لأنه دعا، حال تسلمه مسؤولية حكم العراق، متحمساً، لأجتثاثهم من الأرض العراقية كما تجتث الحشائش الضارة.
وهو بالنسبة لفدائيي صدام وبقايا الحرس الجمهوري وقادة الامن والمخابرات العدو الأول الذي يجب استئصاله.
للمتضررين من النظام السابق صار بريمر أملهم في إنصافهم.
هو الذي حرك الاسواق التجارية بنظر التجار الكبار والصغار.
بنظر الكثير من المسيحيين الذين ألتقيتهم وصفوه بأنه علامة من علامات حب الله لأبناء الله ويسوع المسيح الذي أضطهدهم صدام حسين.
أهالي مدينة الكاظمية يعرفونه جيداً من كثرة تردده على بيت صديقه ( السيد حسين الصدر )..
بأختصار أن أسم بريمر سر من الاسرار الكبرى بمعان ٍ مختلفة لدى فئات العراقيين المختلفة، لكنه في النهاية يجمع كل موصوفاته أمام الشعب العراقي كله بأعتباره المسؤول الأول عن أمنهم وسلامتهم واستقرار حياتهم.
في الولايات المتحدة الأمريكية أصبح أسم بول بريمر على كل لسان مع بداية شهر أيار 2003 حين أعلن قرار صادر من البيت الأبيض بتعيينه مسؤولاً مباشراً للأشراف على " عملية التحول الى الديمقراطية في العراق " وقد وصفته بعض الصحف البريطانية في حينه بأنه الوسيط المتمكن من التوفيق بين سياسات وزارتي الخارجية والدفاع الامريكيتين المختلفتين في العراق. وأنه سيكون المشرف على جميع جهود إعادة الإعمار..
ومثلما تساءل العراقيون عن أمكانية هذا الرجل ذي الستين عاماً في تغيير البنية الاقتصادية لبلدهم ( من اقتصاد متخلف الىأقتصاد حر متقدم ) وتغيير البنية السياسية ( من دولة فاشية الى دولة ديمقراطية ) وتعزيز الموقع الدولي للعراق لما يملكه هذا الرجل من خبرة طويلة في العمل الدبلوماسي إذ عمل مع ستة من وزراء الخارجية الأمريكية. كذلك تساءل الساسة الامريكان في الكونكرس الأمريكي وكذلك رجال الأعمال في كبريات المؤسسات الرأسمالية المتطلعة إلى دخول نعيم العمل الرأسمالي الكبير من خلال خطط اعمار العراق خاصة وأن بول بريمر ليس بعيداً عن العمل ورجال الاعمال فهو يدير ( مؤسسة استشارات خاصة ) تقدم النصح في قضايا إدارة الأعمال في أنحاء العالم كافة.
يا لسعادة العراقيين والامريكان بهذا التعيين..!
انها لنعمة كبيرة أن تتاح للعراقي أن ينام في صيف عام 2003 على السطوح، آمناً مطمئناً، بعد أن حرم ، منذ ثلاثين عاماً، من هذه النعمة الموروثة عن الآباء والأجداد حين غزا صيف بغداد صنم مرعب أخترعه صدام حسين وسماه " أبو طبر " ليسلب راحة الناس وحياتهم الهادئة وتأملاتهم وأحلامهم وصلاتهم وصيامهم ونومهم على السطوح تحت سماء النجوم الصافية.
قد يقول لي بعضهم، وقد قالها فعلا، في لقاءاتي ببغداد مع أصدقائي ( المحامي خضر عيسى طه / مثلاً )، وكذا مع بعض أصدقائي في عمان ( رئيس اتحاد الناشرين الاردنيين فتحي البس / مثلاً ) هل يعقل أن يمشي جاسم المطير، الماركسي القديم وراء تعهدات أوخطط أو آمال السلم والأمن والحرية والديمقراطية مستلهماً هذه الروح من بول بريمر أو غيره من ممثلي الأستعمار الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتل العراق بقوات عسكرية فائقة العدة والعدد.
هذه إذاً صفة جديدة يمكن تعريف بول بريمر بها فهو في رأي البعض من القوميين ومن محبي صدام حسين يمثل الاستعمار الجديد .
في الحقيقة لم تكن هذه الصفة جديدة عليّ فقد سمعتها هنا في هولندا ( من كثيرين.. من ماركسيين واسلاميين ومستقلين وغيرهم قبل سفري الى بغداد ومنذ ضربة العمر التي قدمها الامريكان للشعب العراقي بقصف ظهر نظام صدام وتكسير فقراته ) وكانت هذه الصفة مؤهلة في كل أجتماع أو لقاء أو ندوة سياسية أو دردشة لأن تكون محوراً في النقاش الفردي والجماعي , وقد أصبحتُ قادراً على تحمل مسؤولية القول بأن الزمن هو المعلم الأول.. الزمن يتغير وعلينا أن نتغير. أول التغيير أن العراق أنقلب، رغم إرادة الجميع من حال إلى حال، من حال الحكم ( الفاشي ) الى حال حكم الأحتلال ( غير الفاشي ) . الأحتلال منذ اليوم الأول لدخوله الى العراق وحتى هذه اللحظة لم يمس الشعب العراقي ولا مصالحه بأذى. أن جهده الكلي الشامل موجه للمساس بكيانات وتنظيمات الفاشية وبقاياها ومصالحها.
منذ أول يوم تعيينه وحتى الآن فأن بول بريمر يواصل تعهده لأن ( يساعد العراقيين بجعل بلادهم على طريق الديمقراطية ). لكنه يعتقد أن هناك صعوبة كثيرة في هذا الطريق ( علينا أن نقر بأن هناك في العراق من يصفهم الرئيس بوش بأعداء الحرية الذين لا يتفقون معنا في رؤيتنا لعراق حر ديمقراطي ). وهو يرى أعداء حرية العراق في قسمين، بقايا النظام السابق، والقسم الثاني يتجسد في بعض دول الجوار الذين لا يريدون للشعب العراقي خيرا ) ً.
لكن أغلبية العراقيين من المواطنين والمسؤولين يرون أن فعاليات الحاكم المدني بول بريمر بطيئة جداً في ثلاث ميادين أساسية، في تحقيق أمن المجتمع، وفي إعادة الاعمار، وفي المساعدة على بناء أسس الديمقراطية.
قيل منذ اليوم الأول للاحتلال أن الأمريكان يتحركون بفعل مصالحهم لتأمينها. هذا صحيح تماماً ولولا المصالح ما حدثت لا الحروب والكوارث ولا حصل التغيير الهائل القائم في الحياة الأنسانية.
قيل الكثير من الدعايات السطحية وبسذاجة قائليها ومروجيها أن احتلال بعض الدبابات الأمريكية لمبنى وزارة النفط كان القصد منه نهب النفط العراقي وتصديره، سراً، إلى أمريكا، وكأن مبنى الوزارة يضم آبار النفط العراقي. بينما في الحقيقة أن مبنى الوزارة هو الأقل أهمية في الشؤون النفطية قياساً بوجود احتلال واقعي للآبار النفطية في الزبير والصحراء الجنوبية أو في كركوك، منذ الساعات الأولى لبدء الحرب. ولذلك تهاوى ادعاء هؤلاء بسرعة حين استلم ابراهيم بحر العلوم منصب وزير النفط بدون أي تدخل أمريكي بل بقرار عراقي مستقل فصار النفط العراقي كله تحت يد عراقية مستقلة وأمينة .
وعن شيء مماثل روج أعداء تغيير النظام الفاشي في العراق من ان الامريكان سيسارعون في نشر الثقافة الامريكية في العراق وأنهم سيقضون على " الثقافة العراقية الحضارية " وغير ذلك من ادعاءات ساذجة مهزوزة سمعتها من عناصر مثقفة حتى من شيوعيين..! بينما جاء القرار العراقي المستقل من مجلس الحكم بتعيين الشيوعي العراقي المخضرم مفيد الجزائري بمنصب وزير الثقافة وقد نال تعيينه موافقة مختلف التيارات الليبرالية والديمقراطية والاسلامية، مما جعل هذا التعيين في نقطة الضوء المكثفة كأول تجربة ثقافية في العالم العربي، مما ألجم أفواه المغرضين والجهلة الذين هوسوا هراءً حول نشر الثقافة الأمريكية..!
ثم روجوا كذبة أخرى مفادها أن خيرات الأستثمار الأجنبي في العراق ستذهب الى الشركات الامريكية وأولها وأكثرها عجالة هو تلفون الموبايل. لكن واقع القرار العراقي فند هذه الادعاء أيضاً. حيث تقدمت 101 شركة معنية بتجارة الموبايل كان من بينها أكثر من 90 شركة أجنبية لكن العقود رست بقرار عراقي مستقل على ثلاث شركات عربية، مصرية وكويتيتين..
هكذا تسير الامور حيث الوزراء ومجلس الحكم يتخذون قرارهم المستقل حفاظا على المصلحة الوطنية العليا.
&وأنا أقررتُ أمام أصدقائي من المتناقشين واللائمين، مثل ملايين العراقيين الواعين، بأنني سأغير موقفي حالما تتصادم المصالح الوطنية العراقية مع مصالح الاحتلال. بالتأكيد أن موقفي جزء من موقف وطني عام يتغير بتغير الظروف المتعلقة بالاحتلال وتطوراته.
العالم يتغير وهذه أبرز علامات الحياة المتحركة المتغيرة.
والماركسية وغيرها تتغير أيضاً وهذه أبرز علامات الأفكار المتحركة.
الأسلاميون وغيرهم من اتباع الديانات يتغيرون سياسياً أيضاً وهذه أبرز علامات العقائد السماوية المتحركة.
لستُ متشائماً كما الكثير من العراقيين والعرب في مجادلات الخارج. ففي داخل الوطن وجدت الكراهية للأمريكان محدودة في مثلث مشوه الأضلاع يمتد من بعقوبة لينتهي بالرمادي مروراً بتكريت ( ولدى فئات شعبية قليلة أيضاً). أما باقي مناطق العراق فالوضع مختلف فلا كراهية من قبل الشعب للأمريكان ولم تصبح الصداقة جسراً بعد. يتصرف الشعب بوعي المسؤولية وبفهم التغيير. فالكثير من الناس يؤيدون عقلانية الاحزاب السياسية التي ترى أن الوقت لم يحن بعد لمطالبةالأمريكان بالرحيل.
لا يشك أحد أن أهم شخصية أمريكية في العراق، حالياً، هو بول بريمر. فهو يحمل الكثير من الصفات التي دفعت جورج بوش لاختياره مسؤولاً أول في العراق المعقد المضطرب المحتل. لكن أهم صفتين هما : الدبلوماسية ومكافحة الأرهاب.
عمل بول بريمر دبلوماسياً في سفارات أمريكية في شرق الكرة الأرضية وغربها. ومنذ عام 1986 حتى اليوم عمل خبيراً في مجال مكافحة الارهاب الدولي أي أنه تبوأ مركزاً مهماً وخطيراً في الأقبية السرية العالمية المرتبطة بالخارجية الأمريكية. وقد جرى تعيينه في العراق حاكماً مدنياً عاماً ــ هذا المنصب لا علاقة له بالارهاب الدولي كما يبدو من الوهلة الاولى ــ بل أن تعيينه جرى حتى قبل أن تتضح أخبار تدفق الخلايا الاجنبية المساندة لأيتام صدام حسين، ولم تكن العمليات الانتحارية قد بدأت بعد في بغداد أو غيرها من المدن العراقية.
يأتي السؤال الأول هنا : هل أن لبول بريمر مهمة سرية غير مهمته المدنية المعلنة..؟
المهمات السرية للموظفين في الدول الاستعمارية ليست أمراً غريباً. فلكل دبلوماسي أكثر من مهمة.. لكل مدير مؤسسة خيرية أكثر من مهمة.. لكل مدير شركة أكثر من مهمة.. لكل صحفي أكثر من مهمة..! من تلك الامثلة جاءت قصص ومعطيات الكثير من أمثال هؤلاء في تاريخ القرنين الماضيين حملتها لنا كتب الروايات البوليسية والسياسية والافلام السينمائية الامريكية والبريطانية والفرنسية عن مغامرات تجسسية وعن خطط تآمرية وعن أعمال اغتيالات وحتى عن تأسيس دول وحكومات في سراديب الظلام داخل مباني السفارات الاجنبية ومقرات الشركات الكبرى ، ولم يكن العراق خلال المائة عام الماضية بعيداً عن ذلك.. ذاكرتنا تحمل بعض القصص المثيرة عن نشاطات المس بل وفيلبي والجنرال كَلوب باشا وغيرهم.
ترى هل هناك مهمة سرية كلف بها بريمر.. ؟
و ماذا كانت المهمة السرية ..؟
بعد صحوة اقطاب النظام العراقي المباد بقواه المسلحة ( بقايا الحرس الجمهوري.. فدائيو صدام.. بقايا المخابرات والامن.. ) بدأت عمليات ظلامية في تفجيرات بمناطق جغرافية محدودة وبالذات في المناطق التي كان صدام حسين يطلق عليها أسم ( المناطق البيضاء ) قاصداً أنها ذات ولاء مطلق لقيادته.. وهي في الواقع ذات ( المناطق البيضاء ) من وجهة النظر العسكرية الامريكية التي لم تنلها ضربات صواريخ التحالف في حرب الخليج الثالثة كما في باقي المدن العراقية، إضافة إلى أنها ظلت ( بيضاء ) حتى بعد سقوط صدام حسين إذ لم تدخل القوات الامريكية الى محافظة الرمادي إثر مفاوضات واتفاقات مع قادة الحرس الجمهوري المتعسكرين فيها ومع زعماء العشائر الذين سلحهم صدام حسين بسلاح كثير ثقيل وخفيف قبل الحرب. فما هي تلك الأتفاقية ولماذا لم تعلن حتى الآن. نفس السؤال ينطبق على الموقف العسكري الامريكي في بعقوبة وتكريت بعد هزيمة صدام من بغداد ألى تكريت.
سرعان ما بادرت بعض الاجهزة الاعلامية الكبرى ( الواشنطن بوست.. القنوات الفضائية العربية.. عدد من المنظمات القومية العربية الموالية لصدام حسين وغيرها ) للتحليل والتنظير بمنح تلك العمليات لقب " المقاومة الوطنية المسلحة للاحتلال الامريكي "..
أول شيء أثار انتباه العراقيين، مسؤولين ومواطنين، هو ضعف " المقاومة المضادة " من الجانب الامريكي. فلم يقم الجيش الامريكي بأجراءات واسعة وعميقة لتوجيه ضربات عسكرية فعالة لقوى صدام حسين التي انهزمت من " فوق الأرض " يوم 9/4 لتنزل مع أسلحتها وأموالها إلى " تحت الأرض " استعداداً لبدء نوع خاص من حرب أهلية هدفها الأساسي إعاقة بناء دولة ديمقراطية بديلة للنظام الفاشي السابق وهو هدف يلتقي بجوهره مع أهداف عدد من الدول العربية التي تخشى من هبوب رياح التغيير الديمقراطي عليها.
مثلما هو بول بريمر من الأسماء الشهيرة في العراق كذلك هو من أكثر الأسماء تعرضاً للنقد اليومي في البيوت والمقاهي وفي دوائر الدولة وبين ركاب حافلات النقل العام في كل المدن العراقية.
حالما ينتشر خبر عن تفجير دبابة يتصدى المواطن العراقي إلى بول بريمر عن أسباب عجز القوة الامريكية عن ضرب الكيانات التجمعية والتنظيمية لفلول النظام وأماكن وجودهم ومخابيء أسلحتهم.. ! يتساءل المواطنون العراقيون باستغراب شديد : هل من المعقول أن امريكا تعجز عن نزع سلاح مجموعة من الفلوجيين الأميين الذين كان نظام صدام يستخدمهم كآلة ميكانيكية للقتل والأجرام..؟ هل من المعقول أن يترك الأمريكان جنودهم يقتلون كل يوم في الطريق العام بمداخل أو مخارج مدينة صغيرة من دون توفير أمكانية السيطرة عليها..؟
هل هناك مقاصد سياسية وراء ترك الفلوجيين يمارسون فعالياتهم العسكرية اليومية..؟
أسئلة كثيرة تدور على ألسنة المواطنين بشأن قصور الجيش الامريكي عن تحقيق الأمن الجماعي للعراقيين المدنيين و للامريكان العسكريين..؟
&
&العراقيون المدنيون ينتقدون بريمر ، عن حق أو باطل، لأنه يتبع سياسة العناد مع مجلس الحكم بعدم منحه الصلاحيات الكفيلة لمساعدته في الحفاظ على أمن المجتمع.
يلومونه لأنه ساعد على إغفال مراقبة الحدود بوجه المتسللين من عناصر القاعدة الى داخل المدن العراقية.
يلعنون كل مغالطة أمريكية، سياسية أو عسكرية، ساعدت على تأخير قيام دولة بلا مؤسسات وبلا عدالة وبلا شرطة.
ثم يصبون جام غضبهم على الامريكان كلهم لأن سياستهم الاحتلالية في العراق ستؤدي بالنتيجة إلى مخاطر مستقبلية من ضمنها مخاطر نشوب حرب أهلية.. ولا يمكن استبعاد تمرد سكان ( بعقوبة ــ تكريت ــ الرمادي ) تمهيداً لأعلان انفصالهم عن الدولة العراقية الجديدة، مما يؤدي الى شكل من اشكال تقسيم العراق خاصة ونحن نلمس جهوداً كبيرة مسخرة من قبل أطراف عربية كثيرة لدفع المتمردين بهذا الاتجاه وليس ادل على ذلك موقف الجامعة العربية برفض قبول عودة العراق الى الجامعة العربية لأنه كما يقول عمرو موسى ووزيرا الخارجية المصري والسوري ( أن العراق بلد محتل لا يجوز قبوله في الجامعة ) وهم بهذا الأدعاء يكذبون بلا حياء لأن سوريا بلد تحتل اسرائيل مرتفعاته بالجولان، وأن الكويت بلد محتل وأن لبنان بلد محتل أ وأن تأسيس الجامعة العربية بدأ بخمسة بلدان محتلة أيضاً..
&من الغريب حقاً أن يوجه الرئيس حسني مبارك تحياته إلى المقاومين " العراقيين في فلوجة وتكريت. كما أن محاولة الجامعة العربية لأرسال " لجنة تقصي الحقائق " سترسو بالاتجاه ذاته. مما يلقي بعبء جديد على وزارة الخارجية العراقية أوله المبادرة لرفض استقبال أية لجنة لتقصي الحقائق لغير موضوع المقابر الجماعية وضحايا سجون صدام حسين.
لقد تسببت سياسة بريمر إلى ما يلي :
1) تحويل القوات العسكرية الامريكية من " قوات هجومية " ضد الفاشية في آذار ونيسان إلى " قوات دفاعية " ليست قادرة على حماية تفسها أبتداء من هجمات شهر حزيران.( أثناء زيارته الاخيرة لواشنطن أنتقدته بعض الصحف الأمريكية نفسها مؤكدة على ضرورة مواجهة المقاومة بأسلوب أكثر تشدداً وفاعلية يشمل تطهير الأحياء والمدن والقرى واحدة بعد أخرى حتى يفرض الأستقرار..) وقد وصف بريمر هذه الملاحظات النقدية بأنها معقولة.
2) تحويل القوات الصدّامية من الفعاليات العشوائية الى فعاليات منظمة ومدروسة.
3) ارتفاع معنويات القوى البعثية وأذرعها المسلحة الضاربة وتجمعها تحت قيادة مركزية منظمة تمارس يومياً عمليات خاصة.
4) جرى تعزيز القوى الانتحارية واتخاذها مواقع مهمة في ساحات مقاتلة الامريكان وترويع الشعب العراقي في آن واحد بالتنسيق مع القوات البعثية . وقد قال بريمر في مقابلة مع قناة فوكس التلفزيونية ( أن هناك علاقة بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة خلال السنوات العشر السابقة وان الشريك الرئيسي للقاعدة في العراق هم انصار الاسلام )..
5) مثلما تحول أسامة بن لادن إلى " شبح " يجوب الأراضي الافغانية بعد أحتلالها الأمريكي، كذلك تحول صدام حسين إلى " شبح " يجوب الأرض العراقية بعد الأحتلال الامريكي.
6) تحويل أسلوب " المقاومة " من اتباع أسلوب الزوابع التخريبية إلى صياغة تاكتيكات يومية جديدة منذ شهر آب الماضي وذلك بضرب المفاصل السياسية والعسكرية لأغراض معينة خاصة كما يلي :
ضرب مقر الأمم المتحدة والصليب الأحمر لحرمان العراقيين من المساعدة الدولية.
ضرب السفارة الاردنية كرسالة الى البلدان العربية بعدم اعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام الجديد.
أغتيال القائد الشيعي محمد باقر الحكيم ( قدس ) في محاولة لتأجيج فتنة طائفية.
اغتيال الدكتورة عقيلة الهاشمي عضو مجلس الحكم لتحقيق هدفين. الأول جعل أعضاء مجلس الحكم والوزراء في حالة دفاع دائم عن النفس بقصد ابعادهم عن العمل اليومي الأنجازي. والهدف الثاني إيصال رسالة تهديد واضحة وقاسية الى بعثيين شرفاء يفكرون بالتعاون مع مجلس الحكم.
تفجير فندقي الرشيد وبغداد لأيصال رسالة الى مندوبي الشركات الاجنبية والمؤسسات الانسانية خاصة بعد مؤتمر مدريد للدول المانحة بأنه لا يوجد سكن آمن لضيوف بغداد.
اسقاط طائرات الهيليوكوبتر لأرسال رسالة بأن الأجواء العراقية ليست آمنة أيضاً للقوات الامريكية كما في الأرض.
ضرب العشرات من مراكز الشرطة العراقية التي تشكلت حديثاً لأيصال رسالة تهديدية للشرطة أولاً وللتعبير عن الاستهانة بهذه القوة.
يكفي لكل متبصر لهذه الاوضاع وغيرها من اشكال القتال والصراع في شوارع العديد من المدن العراقية أن يستنتج أن استمرارها وأن استمرار السياسة المدنية والعسكرية الامريكية لا يوصل بالنتيجة الى غير تصاعد الاعمال الأرهابية رغم تدفق الكثير من الحجج التي يقدمها المسؤولون الامريكان التي غالباً ما تكون عاجزة عن اقناع المواطنين في الشارع العراقي.
كما هو الحال في عشرات الأسئلة والأستفسارات حول مختلف الشؤون السياسية والاجتماعية والعسكرية التي يراها العراقيون خاطئة في الممارسات الامريكية يحتجون على اتباعها فأنهم يتساءلون هل أن فتح الحدود أمام دخول آلاف الانتحاريين العرب وغير العرب الى العراق كان متعمداً خاضعاً لمملكة الغايات والأهداف السرية التي لا يعلمها إلا بول بريمر الخبير في مكافحة الأرهاب..؟
بصيغة التهكم العراقي المعروف يعتقد العراقيون، قادة أحزاب ومواطنين، من خلال تحليلاتهم الواقعية بأن مهمة بول بريمر كانت وما زالت تشجيع شباب القاعدة وغيرهم من الأنتحاريين على رؤية الجنة الخالدة الموعودة التي وعدهم بها أبن لادن وأمثاله من زاوية التوق والتمني لدخول باب الشهادة في أرض العراق لأجل عيون صدام حسين الحليف السري لأبن لادن والحليف العلني لعبد الباقي عطوان وجريدته.
أكتمل تلون التاكتيك العسكري الأمريكي بالضربات غير المؤذية ،غير القاسية، بتحويل العراق إلى " شبكة " لصيد الانتحاريين، وتحويل أرضه الى " ساحة المواجهة الرئيسية " مع الأرهاب الدولي كما صرح بذلك الرئيس جورج بوش في احدى خطبه الأسبوعية قبل شهر من الزمان.
أنها لمضيعة لوقت جديد إضافي حين يلجأ بول بريمر يوافقه وزير الداخلية باللجوء إلى عناصر من الامن والمخابرات الشديدة الأخلاص لصدام حسين، لأستخدامهم في مكافحة الأرهاب بينما يعجز ( الخبير الأمريكي في مكافحة الأرهاب بول بريمر )عن تطبيق خططه وهو الاختصاصي المجرب منذ عام 1986 وحتى يوم مجيئه ألى العراق. فهل هو صائر إلى إلغاء دوره بنفسه، أم أن هذا القرار تفرع من قرارات سرية سابقة تستمد قوتها من قواعد وقوانين وبرامج كائنة برمتها في أجهزة الأدارة التي تحركها..
&البعثيون تعلموا دائماً منذ تأسيس حزبهم كيف يرتدون " جلد الثعلب " بالوقت المناسب كي يحموا أنفسهم أولاً وحتى يتسللوا، ثانياً، إلى مواقع يريدونها موطيء قدم لمواقع أخرى. فهل توجد بينة واحدة تؤكد أن البعثيين المخابراتيين يمكن ان يكونوا عونا في القضاء على سادتهم السابقين .
لا توجد اية تجارب سابقة تدل على هذا المعنى بل على العكس فان تجارب العراق دللت على غدر البعثيين بحلفائهم الشيوعيين وبعبد الكريم قاسم وبعبد السلام عارف وبعبد الرزاق النايف و مصطفى البارزاني واحمد حسن البكر وبدولة الكويت وغيرهم..فكيف تمر هذه الثعالب على وزير الداخلية وهو خير من يعرفهم بل هو يعرفهم افضل من بول بريمر على الاقل فالسلام الاجتماعي والتسامح لا يمكن ان يتما مع الغشاشين والكذابين من اركان ارهابيي الدولة الفاشية الصدامية.. التسامح يتم بين الافكار وليس مع الاشرار.
أليس غريباً أن يتغير بول بريمر من صاحب " نظرية الأجتثاث " إلى صاحب " نظرية الأعتماد " فما الذي تغير لدى البعثيين..!!
لا أدري هل العيب في تكهنات العراقيين عما يجري في العراق أم أن العيب في سياسة بول بريمر..
ليس عندي جواب قطعي موضوعي..
عسى أن يبرأ الجميع من عيوبهم.. أنه دعاء جميع العراقيين سمعته في كل مكان ومن مختلف الطبقات..
بصرة لاهاي&