نبيل شـرف الدين من القاهرة: وسط مشاعر هي مزيج من المرارة والسخرية، بدأت اليوم السبت في القاهرة محاكمة خمسة من الشباب المصريين، بينهم أربعة هاربون، بتهمة تأسيس تنظيم شيوعي، يستهدف قلب نظام الحكم، والملحوظة اللافتة في هذه القضية هي أن هذه اول قضية لتنظيم شيوعي في مصر منذ نحو عقدين، وإن كانت هناك مفارقات أخرى في تلك القضية المثيرة.
واعتبر المحامي اليساري الشهير أحمد نبيل الهلالي الذي رأس فريق الدفاع عن المتهمين، انه لا توجد ادلة في القضية "سوى بعض المعلومات المتاحة على الانترنت للجميع"، ووصف هذه القضية بأنها "تعكس افلاس من أجهزة الامن في تفصيل القضايا"، وأردف قائلاً : "انها مهزلة"، هذا وقد أرجئت جلسات المحاكمة الى يوم الاثنين المقبل.
جدير بالذكر أن مصر كانت قد بدات في مطلع التسعينات من العقد المنصرم، إحالة المتطرفين الأصوليين على المحاكم العسكرية ومحاكم امن العليا طوارئ التي لا يمكن استئناف احكامها، ويمكن لرئيس الجمهورية فقط باعتباره الحاكم العسكري التصديق على الاحكام او تخفيفها او اعادة القضية للمحكمة، لكن لم يحدث على مدى عقدين إحالة متهمين شيوعيين عليها، وكانت اخر قضية مماثلة عام 1984 وهي قضية ما سمي بالتنظيم الشيوعي المسلح التي صدرت أحكام بالسجن على بعض المتهمين فيها.
الهاربون الثوريون
وترجع بداية القضية الى مطلع هذا العام الجاري، حين شارك المتهمون في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين ومعارضة للحرب في العراق، ثم قبض على أشرف ابراهيم، وهو مهندس بتهمة ارسال معلومات كاذبة لمنظمات لحقوق الانسان في الخارج، وتشويه
سمعة مصر، ثم جرى تطوير الاتهامات لتحدث عن تأسيس تنظيم شيوعي اختير له له اسم ساذج هو "الاشتراكيين الثوريين"، وهذا التنظيم لا يضم سوى خمسة أشخاص، بينهم أربعة هاربين، ومع ذلك فقد وجهت للمتهمين في التنظيم تهمة من العيار الثقيل هي "السعي إلى قلب نظام الحكم واقامة نظام شيوعي متطرف".
وقال ممثل نيابة أمن الدولة العليا في مستهل جلسة المحاكمة التي عقدت وسط اجراءات أمنية مشددة في محكمة امن الدولة العليا "طواريء"، إن المتهمين "تولوا قيادة جماعة أسست على خلاف احكام القانون الغرض منها هو إسقاط نظام الحكم واقامة نظام يقوم على الشيوعية المتطرفة"، واضاف انهم "حازوا مطبوعات للترويج لفكرهم واذاعوا اخبارا كاذبة في الخارج عن اوضاع البلاد مما يمس هيبة الدولة".
أما المفارقة المثيرة في هذه القضية فهي اعتبار المتهمين الاربعه الآخرين هاربين، رغم وجودهم في محال إقامتهم طوال الفترة الماضية، بل أن بعضهم كان متواجدا أمام مقر نيابه أمن الدولة في كل المرات التي عرض زميلهم أشرف إبراهيم فيها على النيابة لتجديد حبسه تضامنا معه، وهو المتهم الوحيد المحبوس احتياطياً، وقد وجت له النيابة تهمة الاتصال بمنظمات حقوق الإنسان الاجنبية، والإساءة إلى سمعة مصر.
أما المفارقة الأخرى ـ وليست الأخيرة ـ وهي أن التنظيم المكون من خمسه أشخاص بينهم ثلاثة قيادات وعضوين فقط، وحسب تعليق أحمد سيف الإسلام حمد المحامي ومدير مركز هشام مبارك للقانون، فإن أحد الاتهامات الموجهة للمتهمين هو تنظيم مجالس عمالية رغم أن القضية كلها لا يوجد بها أسم أي عامل أساساً، ومضى يتساءل ساخراً: "لا أفهم كيف يستطيع خمسة شباب قلب نظام الحكم في قرية، وليس في بلد مثل مصر".

قرار الاتهام
ووفقاً لما ورد في قرار الإحالة الخاص بالقضية والذي توفر لهيئة الدفاع فإن الاتهامات هي:
ـ تولى قيادة (المتهمين الأول والثاني و للثالث) والانضمام إلي عضوية جماعة (المتهمين الرابع والخامس) أسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة من ممارسات أعمالها مع علمهم بالغرض التي تدعو إليه، وهي جماعة الاشتراكيين الثوريين المؤسسة على خلاف القانون والتي تدعو إلى إسقاط نظام الحكم وإقامة نظام آخر يستند إلى الشيوعية المتشددة ويعتمد في مباشرته لسلطاته على ما يسمى بالمجالس العمالية، مع علمهم بأغراض هذه الجماعة.
ـ حيازة مطبوعات تتضمن ترويجاً وتحبيذ أغراض الجماعة المذكورة والمعدة للتوزيع واطلاع الغير عليها
ـ الإذاعة العمدية لأخبار كاذبة في الخارج عن الأوضاع الداخلية في البلاد من شأنها إضعاف هيبة الدولة واعتبارها بتعمد إرسال معلومات كاذبة لجهات خارجية، هي منظمات أجنبية لحقوق الإنسان، على خلاف الحقيقية تتضمن انتهاكات حقوق إنسان بالبلاد. واعتبر قرار الإحالة إن من شأن هذه المعلومات إضعاف هيبة الدولة، وأحيل المتهمون على محكمة أمن الدولة العليا، مع استمرار حبس المتهم الأول وضبط وإحضار بقية المتهمين وإدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول.
بيان حقوقي
ووفقاً لخبراء قانونيين فإنه في حال إدانة المتهمين في هذه القضية، فقد يحكم عليهم بالسجن بمدد قد تصل الى 15 عاما.
وبينما وقف أشرف داخل قفص المتهمين أمام هيئة المحكمة ينفي ارتكاب ما هو نسبته إليه النيابة العامة، فقد انتقدت منظمات محلية ودولية لحقوق الانسان احالة المتهمين للمحاكمة، وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش في بيان لها اليوم في مناسبة بدء المحاكمة، إن "المحاكمة تمثل استمرارا لنمط من القمع السياسي يبعث على القلق".
ونقل البيان عن جو ستورك المدير التنفيذي بالانابة لقسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا بالمنظمة قوله "لا يمكن أن ينتج عن أية محكمة تحرم الحقوق الاساسية لمحاكمة عادلة وأية اتهامات تجرم حرية التعبير وحرية الاجتماع الا صورة زائفة للعدالة" على حد ما نقل البيان عن مسؤول المنظمة الحقوقية.