محمد حسن الخالصي
&
&
&
&
- استقلال العراق الناجز وغير المنقوص
- انقطاع الحاكم عن سلطة الغير
- يتقيد الحاكم بمجلس دستوري منتخب من الشعب مباشرة يعينه ويحاسبه على سيرته
- يسقط التفويض بالسلطة عند الإخلال بشروط البيعة
هذه هي المبادئ التي طرحها زعماء الثورة العراقية الكبرى العام 1920 على عموم الشعب وأخذوا التفويض عبر المضابط والرسائل للنهوض بالثورة ضد الإنجليز. ولم تتحقق حتى يومنا هذا.
أعيد كتابتها والتذكير بها، وقد صيغت بلغة زمانها، لكثرة ما رأيت من الادعاءات أن الشعب العراقي يطالب بال((ديمقراطية)) لأول مرة بعد أن احتلنا الأمريكان وحلفائهم الإنجليز بعد أن هيأ لهم طاغية العراق المقبور كل أسباب الاحتلال. كان أسلافنا يسمونه النظام الدستوري، لأنه ما يقررونه هم، وما يرتضونه هم، وأرادوا منذ ذلك الوقت أن يكون على أساس دستور يقرونه هم، ولا يفرض عبر الحدود والمحيطات وبواسطة نفر من التابعين للمحتل، ولم يتحقق هذا النوع من الأنظمة في وطننا بفضل أصحاب أنصاف الحلول، والقائلين أن السياسة هي فن الممكن.
&إذا، فمواطنونا الذين يدفعون المشحوف بالهور، و مزارعو القمح والشعير والرز، وأصحاب بساتين النخيل الباسقة، والكسبة والباعة والتجار والحرفيون من أبناء شعبنا العزيز، ( والذين يحب أن يسميهم بعض المتثاقفين من أنصاف المثقفين بالجهلة وأبناء الهور وما إلى ذلك من التسميات المتعالية والعنصرية)، أبناء وطني الطيبين أولئك، يعرفون ما هو النظام الدستوري، يعرفونه جيدا، وإلا لما طالبوا به اليوم. ويعرفون ما هي متطلباته. كما ويحترم أبناء هذا الشعب قادة استقلاله، وإلا لما نظروا بعين التقدير والوفاء، إلى أولئك القادة الذين بقوا أوفياء لتلك المبادئ، وأصبحت أسمائهم تزين كتب التاريخ آباءً لهذا الشعب جميعا من شماله إلى جنوبه، من أمثال الميرزا الشيرازي و الخالصي الكبير و الحبوبي المجاهد، وكل قادة الفرات الأوسط والجنوب الأبرار. ولم ينظروا إلاّ بعين الريبة والحذر إلى الذين وضعوا أيديهم بيد المحتل البريطاني في ذلك الوقت، حتى وان كانت العمائم على رؤوسهم أمثال أولئك الذين أقاموا استقبالا و ولائم للكابتن مارشال الذي أعدم أحرار النجف عام 1918 وأصبحوا مثالا لمن يخون دينه ورسالته.
ومن يراجع وثائق تلك الفترة،والتي عاد مخططو الاحتلال الأنجلو-أمريكي لمراجعتها، خصوصا رسائل (غرترود بيل) بدعوى أنها مازالت ذات قيمة كبرى في معرفة الشعب العراقي وكيفية التعامل معه، يدرك جيدا وبما لا يقبل الشك أن القبول بأنصاف الحلول هو علة كل ما مررنا به، وولوج هذه الطريق مرة ثانية سوف يوصلنا لدورة أخرى من التيه الذي أبتدأ بوزارة خائن العراق الكبير عبد المحسن السعدون، ثم من تبعه وتبعه في دورة كتبت بدمائنا وآلامنا وشبابنا وما انتهينا إليه من بقايا دولة وحطام وطن.
كتبت في أيلول من العام 2002 بعنوان ( ما أشبه اليوم بالبارحة)،( وحين كان المطبلون للاحتلال، ومنذ ذلك الوقت، يبشرونا ليل نهار بأن بناء العراق سيبدأ بعد الرصاصة الأولى على نظام صدام حسين)، ما يلي:
[((لقد كان واضحا لدينا أن حرب الخليج الثانية كانت تستهدف ( تدمير العراق والإبقاء على صدام حسين ونظامه )، كان ذلك في عام 1991، و ها نحن في النصف الثاني من العام 2002 و ها هو العراق و ها هو صدام حسين ونظامه،الذي جاء إلى السلطة بقرار أمريكي وبقي فيها بعد الحرب بقرار أمريكي. أما الحرب القادمة إذا ما قدر لها أن تحدث ( لا سامح الله )، فمن استقراء الطريق الذي يمشي فيه زعماء الحرب والغاب، تقود إلى تدمير وجود العراق كدولة وكيان))
والذي يتابع تصريحات المسؤولين الأمريكيين يلاحظ دون عناء أنهم لم يلتزموا ولو لمرة واحدة بوحدة التراب العراقي، وعلى هذا فان ما تريده هو وضع جديد وليس شخصا جديدا، بمعنى أنها لو أرادت شخصا يحكم العراق فلن يكون افضل من صدام حسين، وقد مكنهم من كل شيء ومارس لعبتهم بأقبح صورها ضد شعبنا وبلادنا، فلماذا تغييره وهو الذي يرضى بكل شيء ويوافق على كل إهانة مهما كبرت حين يحشر بين المطرقة والسندان، إلا أن الواضح أن هذه القوة الكبرى تريد وضعا جديدا،سيكون صدام حسين أو أي شخص يعدله في دوره غير مجد، وهذا هو التفسير المنطقي الوحيد الذي يجيب على حيرة كل من يسأل عن جدية الولايات المتحدة في تغيير نظام حكم بغداد.
((لا اشك لحظة واحدة أن الطريق الذي تأخذنا الولايات المتحدة فيه لا يؤدي إلى ما يريده شعبنا وإنما إلى مزيد من الفرقة والتجزئة، ولو كشف الغطاء ما ازددنا إلا يقينا، واللائذون بها هم كاللائذين من الرمضاء بالنار))] انتهى مقال أيلول 2002
&وقد انكشف الغطاء فما الذي حدث؟؟ وتحول المحرر لمحتل، وبقرار الأمم المتحدة. وها نحن نعود إلى المربع الأول من جديد، احتلال بغيض وفرقة مقيتة، وطائفية تشحذ حدها، وتنفخ قوات الاحتلال في نارها، وعملاء صغار وكبار، ومجالس تأسيسية يريدها الاحتلال على طريقته، وشعب يريد العتق من كل هذا ويعرف الطريق ولا يدري كيف يسلكه.
بل وعاد المحتل الى المربع الأول أيضا، وكان هذا هو هدفه، لذلك عاد، ويا للسخرية، إلى مراسلات (غورترود بيل) وهي الخاتون التي كانت ملجأ الكثير من الشخصيات العراقية التي حكمتنا في ذلك الوقت، وبدأت بطريق انتهى عندنا بصدام حسين في آخر المطاف.
بإمكان الاخوة الراغبين مراجعة مراسلات المس بيل ومقدار كرهها وتحريضها ضد القادة الوطنيين الإسلاميين، على الرابط التالي، ومن العجيب أن بعض الكتاب الذين يدعون الوطنية اليوم يتكلمون عن لسانها ويكررون كل ما كانت تقوله عن أولئك الزعماء، إليكم الرابط:
http://www.gerty.ncl.ac.uk/letters/l1635.htm
وكذلك:
&
http://www.gerty.ncl.ac.uk/letters/l1498.htm
لا شك أن كل مخلص لهذا الوطن يدرك أن العمل السياسي هو مسؤولية تجاه الوطن والشعب، وليس هواية يمارسها الناس أوقات فراغهم، وليس لعبة يمارسوها مع من يحبون ويكرهون، ففيها مصير الوطن وأرواح أعزة وأخوة وأبناء، وهو ليس فن الممكن كما يقول البعض، وانما هو ادارة شؤون الناس بالعدل، كما يقول مولى المتقين علي (ع). ولن يكون بأي شكل من الأشكال ردة فعل لظلم هذا الحاكم، أو جور ذلك السلطان. بل هو حركة متواصلة لرؤية واضحة للهدف والطريق الذي يجب سلوكه لتحقيق هذا الهدف.
والفرق بين السياسي وغيره، هو استقراء الأحداث من معطيات الظروف الراهنة واتخاذ المواقف على أساس ذلك، وليس الانتظار حتى يقع الحدث على الرؤوس كالصاعقة، ثم الركض بعد ذلك لتطويق الخسائر والكوارث. فالسياسي الواعي هو الذي يقرأ الحدث ويجنب شعبه الوقوع فيه.
وليس لرمز وطني أو سياسي مهما كان قديرا ومخلصا أن يجبر شعبه على سلوك ما يراه صوابا إن لم يبن ِ تلك العلاقة من الثقة والشراكة في كل شيء، في المعتقد والطريق والهدف والمعانات مع أبناء شعبه. ولم تجتمع هذه الأمور إلا لقلة من القادة في تاريخ وطننا الحبيب خلال القرن الماضي، فكان اذا تحدث صمتوا واستمعوا، ثقة و حبا به لا خوفا، واذا أمر أطاعوا رغبة لا سوقا، وكان آخرهم الشهيد السيد محمد الصدر (رض)، وهي حقيقة منكرها أعمى لا يرى.
&ولا يعني ما أقول أن الوطن قد أعدم من هذا النوع من القادة المخلصين، والعياذ بالله، بل أن العلاقة بين الرجال الصالحين وأبناء الوطن لا تأتي بين ليلة وضحاها، ووطننا فيه عيون الرجال، كما يقول أمير المؤمنين علي (ع). ومع غياب الثقة والشراكة التي تحدثنا عنها، تكاد مهمة كهذه تكون مستحيلة في وضع معقد و صاخب كالذي يمر به شعبنا ووطننا اليوم، وكما يقول مولى المتقين علي (ع): ( إذا كثر الرأي ضاع الصواب).
&فالوضع معقد، لأننا أمام ميراث عشرات السنين من الظلم الفاحش الذي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا، شارك فيه الحاكم والشقيق والجار والبعيد دون استثناء، ولست بحاجة لقول المزيد فجميعناا كنا ضحاياه.
&وصاخب لكثرة الأبواق التي تتحدث عن ذات الموضوع، غثها وسمينها، صادقها وكاذبها، فأنى لهذا الشعب أن يدرك صدق هذا من كذب ذاك، الا بالسفر معا في لجة هذا الزمن الرهيب.
لذلك لا يملك العامل الإسلامي والوطني المخلص، إلا الاستمرار في الحديث دون كلل أو ملل مع أبناء شعبه، و إعطائهم عصارة فكره وتجربته محبة بهم ورغبة في نجاتهم وسعيا لسؤددهم.
و يخبرهم كل يوم أن أنظمة الحكم الدستورية الناجحة لا تتحقق إلا عبر كفاح الشعوب الواعية ومطالبتها الصلبة بحق حكم نفسها ومشاركتها اليومية في العمل السياسي، وأن هذه النظم الناجحة لم يأت بها مستعمر أو محتل أو دكتاتور، وإنما تتحقق عبر كفاح الشعوب ووعيها فقط ولا غير.
واليوم نمر بواحدة من هذه المطبات التي يراد منها استهلاك معاني الاستقلال السامية، وتحريفها لتكون كلمة لا معنى لها، وذلك عبر الحديث عن حكومة مستقلة إسما!! وقواعد عسكرية أمريكية لحماية الديمقراطية!!، ودستور يفرض فرضا بمسرحية انتخابية، يعرف المحتلون كيفية تنفيذها، فلهم باع كبيرة وتجربة عظيمة، وأجهزة خبيرة ومدربة في هذا المجال.

سلاحنا المهم، نحن مواطنو هذا البلد، في هذه المعركة اليوم، هو بساطة المفهوم، ووضوح الرؤية، أن استقلالنا يعني جلاء المحتل ولا يعني شيئا اخر على الاطلاق. فالذي يدعوا عكس ذلك، ويدعي استقلال البلد تحت حراب الاحتلال، انما يضحك على الذقون، ويستهزيء بالناس، ويسخر من تراث الوطن. بل ويطيل التيه وعدم الاستقرار واستيراد الارهاب، الذي يشكل واقع الاحتلال أبشع صوره، وأصدق أشكاله وهو سبب كل محنة عندنا، بما فيها محنة شعبنا مع النظام المقبور.
كما المحطات الكبرى في تأريخ العراق الحديث، فهذه محطة من هذا الوزن أيضا، لا تقل عن حركة مقاومة الاحتلال البريطاني في عام 1914، ولا تقل عن بدايات ثورة العشرين، وليست بأقل من المعركة السياسية ضد تمرير معاهدة الانتداب في عام 1924، والتي انتهت بتسفير الزعماء الوطنين على يد خادم الاحتلال البريطاني عبد المحسن السعدون، وأخيرا هي ليست بأقل من ثورة شعبنا الشعبانية المباركة عام 1991، ولنا أن نختار بأن نكون مثل الحبوبي والخالصي والحيدري والميرزا الشيرازي وشعلان أبو الجون، ومحسن أبو طبيخ وسالم الخيون وأمثالهم من معالم تاريخنا الحديث،...... أو أن نكون كاليزدي والسعدون ونوري السعيد وساسون حزقيل، وأمثالهم من سماسرة الوطن والدين.
&هي تجربة قرن من التيه، وسيكتب التاريخ موقع كل واحد دون مجاملة، فليختر كل موقعه، (( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا)).
والله غالب على أمره