د. عبد الله تركماني
&
&
&
&
&
يبدو أنّ العالم يتجه نحو قيم ومبادئ مغايرة لما هو سائد في عالمنا العربي، ذلك أنّ عالم اليوم يتجه نحو الخلاص من وحش الفساد والمفسدين في العالمين المتقدم والنامي على السواء حيث يحتل الفساد وكيفيات محاربته مكانا هاما في أجندة العصر. فمع اقتراب موعد المؤتمر العالمي للمصادقة على " الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد " ينتقل هذا الموضوع من كونه داء وطنيا في كل بلد إلى كونه استراتيجية دولية شاملة.
ويثير وحش الفساد تساؤلات كثيرة: كيف ينمو ويستمر وتتسع دوائره ومراكز نفوذه؟ وكيف يمكن توظيف الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، المزمع توقيعها في المكسيك، لزيادة إنتاجية العمل وتفعيل الإمكانيات المتوفرة لنجاح مشاريع التنمية المستديمة واسترداد الأموال التي نهبت من عالمنا العربي طوال العقود الثلاثة الماضية؟.
إنّ الأمر المؤكد أنّ محاربة الفساد أضحت مطمحا شعبيا، ولعل ما كشف من بعض قضايا الفساد في بعض الأقطار العربية يبشر بأنّ رياح الإصلاح والتغيير قادمة لا محالة. فقد ضجر الناس من الفساد والمفسدين، وتاقوا إلى مواطنية عادلة تتكافأ فيها الفرص للجميع، ويتقدم فيها ذوو الكفاءة على أهل الولاء، ويرتفع صوت الوطنية الحقة على أصوات المفسدين في الأرض. إنّ جميع الحريصين على المستقبل الأفضل لشعوبهم يعترفون اليوم بالتأثير المدمر للفساد الذي يسبب الفقر ويفاقمه ويزيد من النزاعات وأعمال العنف، فحسب كثير من المنظمات الدولية يضعف الفساد من فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية المجدية، حيث لوحظ أنّ الدول الأكثر فسادا هي الدول الأقل نموا والأكثر تأخرا.
وتكمن أهمية " الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد " في أنها تفرض عقوبات على أعمال الفسـاد، بما في ذلك استغلال السلطة وتبييض الأموال وسوء الائتمان.. الخ. إضافة إلى شمول الاتفاقية على آليات للمراقبة وأحكام تتعلق بالجرائم الناتجة عن الفساد. ولعل المتأمل في نصوص الاتفاقية يدرك ما يمثله هذا الصك الدولي من أهمية كبيرة، فلم يكن غريبا أن تشير ديباجة الاتفاقية إلى القلق إزاء خطورة المشاكل التي يطرحها الفساد، والتي يمكن أن تهدد استقرار المجتمعات وأمنها وتقوض قيم الديمقراطية وتعرض التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للخطر، وكذلك التعبير عن القلق من الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة، وخصوصا الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية بما فيها غسل الأموال.
لقد شملت الاتفاقية نطاق مكافحة الفساد للقطاعين العام والخاص، وهو الأمر الذي يفرضه واقع الخصخصة والتحول الاقتصادي الذي تمر به معظم دول العالم، واعتبار القطاع الخاص مكونا أساسيا في النشاط الاقتصادي للدولة وشريكا في عملية التنمية. ولعل الجديد الذي تضمنته الاتفاقية يتمثل أيضا في الدعوة إلي تجريم رشوة الموظفين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية.
كما وضعت الاتفاقية مدونات سلوك تحدد المعايير والإجراءات لتعزيز النزاهة والشفافية، على أنّ أهم ما تضمنته الاتفاقية لتأكيد مفاهيم النزاهة والشفافية هو ما أسمته منع تضارب المصالح حيث تدعو المادة11/2 هـ إلى فرض قيود لفترة زمنية معقولة على ممارسة الموظفين العموميين أنشطة في القطاع الخاص بعد استقالتهم أو تقاعدهم عندما يكون لتلك الأنشطة صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها أولئك الموظفون أو أشرفوا عليها أثناء مدة خدمتهم العامة.
كما كرست الاتفاقية حق الدول في استرداد عوائد الفساد، ولعل هذا الحق يمثل جوهر الاتفاقية والغاية منها، ولعله كان أيضا أحد الدوافع الأساسية التي دعت الكثير من الدول النامية إلى المشاركة النشيطة في المفاوضات التمهيدية . إذ توضح المادة61 من الاتفاقية ضرورة أن تقوم الدولة الطرف التي تصادر عوائد الفساد بإرجاع تلك الممتلكات إلى مالكيها الشرعيين السابقين، وفقا لأحكام هذه الاتفاقية وقانونها الداخلي.
ولعل أهم ما تضمنته الاتفاقية تأكيد ضرورة مشاركة منظمات المجتمع المدني في منع الفساد ومحاربته لتحفيز وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر، وكذلك أهمية تدعيم هذه المشاركة عن طريق تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وضمان تيسير حصول الناس فعليا على المعلومات والقيام بأنشطة إعلامية تساهم في عدم التسامح مع الفساد . كما شملت الاتفاقية المبادئ والمعايير التي ينبغي أن تحكم فلسفة الوظيفة العامة وتضمن - بالتالي - تعزيز التنمية الإدارية والسياسية. وهي فلسفة تقوم على الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية مثل الكفاءة والإنصاف. وعلى صعيد ترسيخ مفاهيم النزاهة والشفافية تضمنت الاتفاقية أيضا الإشارة إلى ضرورة اعتماد الإجراءات المناسبة لاختيار وتدريب الأفراد المرشحين لتولي المناصب العمومية التي تعتبر بصفة خاصة عرضة للفساد، وضمان تناوبهم على المناصب .
وتبرز أهمية الاتفاقية في العالم العربي الذي يتعامل أغلب مسؤوليه مع مناصبهم الحكومية وكأنها ميراث من آبائهم، ومع المؤسسات التي يديرونها كأنها إقطاعياتهم الخاصة. ففي الكثير من الحالات تفتقد المؤسسات العربية الشفافية اللازمة للإدارة العقلانية المجدية للموارد المتوفرة، مما جعل نتائج التنمية الإنسانية محدودة جدا لا تتناسب مع الأموال التي هدرت في مشاريعها المختلفة.
لقد أصدرت منظمة " الشفافية الدولية " لائحة تكشف مستوى الفساد في 133 دولة لعام 2003 تتراوح بين صفر ( أعلى درجات الفساد ) في بنغلادش، وعشرة ( أفضل درجات النزاهة ) في فنلندا، ولم تكن أية دولة عربية من أعلى القائمة، وإنما أغلبها أقرب إلى أسفل القائمة ( ليبيا، العراق، الجزائر، فلسطين، لبنان، المغرب، مصر، سورية ).
والحق الذي يجب أن يقال هو أنّ الفساد وإن أصاب بنية المؤسسات في الغرب، إلا أنّ كشفه وتتبعه ميسور بفضل حرية الاطلاع على المعلومات ووجود برلمانات منتخبة ديمقراطيا وتعدد منابر الرأي والرأي الآخر. في حين أنّ أغلب أقطارنا العربية تفتقد إلى مثل هذه الآليات الديمقراطية، مما يفرض إيجاد آليات وقائية فعالة لمنع تفشي الفساد والحد من آثاره الاقتصادية والاجتماعية المدمرة.
ويثير وحش الفساد تساؤلات كثيرة: كيف ينمو ويستمر وتتسع دوائره ومراكز نفوذه؟ وكيف يمكن توظيف الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، المزمع توقيعها في المكسيك، لزيادة إنتاجية العمل وتفعيل الإمكانيات المتوفرة لنجاح مشاريع التنمية المستديمة واسترداد الأموال التي نهبت من عالمنا العربي طوال العقود الثلاثة الماضية؟.
إنّ الأمر المؤكد أنّ محاربة الفساد أضحت مطمحا شعبيا، ولعل ما كشف من بعض قضايا الفساد في بعض الأقطار العربية يبشر بأنّ رياح الإصلاح والتغيير قادمة لا محالة. فقد ضجر الناس من الفساد والمفسدين، وتاقوا إلى مواطنية عادلة تتكافأ فيها الفرص للجميع، ويتقدم فيها ذوو الكفاءة على أهل الولاء، ويرتفع صوت الوطنية الحقة على أصوات المفسدين في الأرض. إنّ جميع الحريصين على المستقبل الأفضل لشعوبهم يعترفون اليوم بالتأثير المدمر للفساد الذي يسبب الفقر ويفاقمه ويزيد من النزاعات وأعمال العنف، فحسب كثير من المنظمات الدولية يضعف الفساد من فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية المجدية، حيث لوحظ أنّ الدول الأكثر فسادا هي الدول الأقل نموا والأكثر تأخرا.
وتكمن أهمية " الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد " في أنها تفرض عقوبات على أعمال الفسـاد، بما في ذلك استغلال السلطة وتبييض الأموال وسوء الائتمان.. الخ. إضافة إلى شمول الاتفاقية على آليات للمراقبة وأحكام تتعلق بالجرائم الناتجة عن الفساد. ولعل المتأمل في نصوص الاتفاقية يدرك ما يمثله هذا الصك الدولي من أهمية كبيرة، فلم يكن غريبا أن تشير ديباجة الاتفاقية إلى القلق إزاء خطورة المشاكل التي يطرحها الفساد، والتي يمكن أن تهدد استقرار المجتمعات وأمنها وتقوض قيم الديمقراطية وتعرض التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للخطر، وكذلك التعبير عن القلق من الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة، وخصوصا الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية بما فيها غسل الأموال.
لقد شملت الاتفاقية نطاق مكافحة الفساد للقطاعين العام والخاص، وهو الأمر الذي يفرضه واقع الخصخصة والتحول الاقتصادي الذي تمر به معظم دول العالم، واعتبار القطاع الخاص مكونا أساسيا في النشاط الاقتصادي للدولة وشريكا في عملية التنمية. ولعل الجديد الذي تضمنته الاتفاقية يتمثل أيضا في الدعوة إلي تجريم رشوة الموظفين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية.
كما وضعت الاتفاقية مدونات سلوك تحدد المعايير والإجراءات لتعزيز النزاهة والشفافية، على أنّ أهم ما تضمنته الاتفاقية لتأكيد مفاهيم النزاهة والشفافية هو ما أسمته منع تضارب المصالح حيث تدعو المادة11/2 هـ إلى فرض قيود لفترة زمنية معقولة على ممارسة الموظفين العموميين أنشطة في القطاع الخاص بعد استقالتهم أو تقاعدهم عندما يكون لتلك الأنشطة صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها أولئك الموظفون أو أشرفوا عليها أثناء مدة خدمتهم العامة.
كما كرست الاتفاقية حق الدول في استرداد عوائد الفساد، ولعل هذا الحق يمثل جوهر الاتفاقية والغاية منها، ولعله كان أيضا أحد الدوافع الأساسية التي دعت الكثير من الدول النامية إلى المشاركة النشيطة في المفاوضات التمهيدية . إذ توضح المادة61 من الاتفاقية ضرورة أن تقوم الدولة الطرف التي تصادر عوائد الفساد بإرجاع تلك الممتلكات إلى مالكيها الشرعيين السابقين، وفقا لأحكام هذه الاتفاقية وقانونها الداخلي.
ولعل أهم ما تضمنته الاتفاقية تأكيد ضرورة مشاركة منظمات المجتمع المدني في منع الفساد ومحاربته لتحفيز وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر، وكذلك أهمية تدعيم هذه المشاركة عن طريق تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وضمان تيسير حصول الناس فعليا على المعلومات والقيام بأنشطة إعلامية تساهم في عدم التسامح مع الفساد . كما شملت الاتفاقية المبادئ والمعايير التي ينبغي أن تحكم فلسفة الوظيفة العامة وتضمن - بالتالي - تعزيز التنمية الإدارية والسياسية. وهي فلسفة تقوم على الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية مثل الكفاءة والإنصاف. وعلى صعيد ترسيخ مفاهيم النزاهة والشفافية تضمنت الاتفاقية أيضا الإشارة إلى ضرورة اعتماد الإجراءات المناسبة لاختيار وتدريب الأفراد المرشحين لتولي المناصب العمومية التي تعتبر بصفة خاصة عرضة للفساد، وضمان تناوبهم على المناصب .
وتبرز أهمية الاتفاقية في العالم العربي الذي يتعامل أغلب مسؤوليه مع مناصبهم الحكومية وكأنها ميراث من آبائهم، ومع المؤسسات التي يديرونها كأنها إقطاعياتهم الخاصة. ففي الكثير من الحالات تفتقد المؤسسات العربية الشفافية اللازمة للإدارة العقلانية المجدية للموارد المتوفرة، مما جعل نتائج التنمية الإنسانية محدودة جدا لا تتناسب مع الأموال التي هدرت في مشاريعها المختلفة.
لقد أصدرت منظمة " الشفافية الدولية " لائحة تكشف مستوى الفساد في 133 دولة لعام 2003 تتراوح بين صفر ( أعلى درجات الفساد ) في بنغلادش، وعشرة ( أفضل درجات النزاهة ) في فنلندا، ولم تكن أية دولة عربية من أعلى القائمة، وإنما أغلبها أقرب إلى أسفل القائمة ( ليبيا، العراق، الجزائر، فلسطين، لبنان، المغرب، مصر، سورية ).
والحق الذي يجب أن يقال هو أنّ الفساد وإن أصاب بنية المؤسسات في الغرب، إلا أنّ كشفه وتتبعه ميسور بفضل حرية الاطلاع على المعلومات ووجود برلمانات منتخبة ديمقراطيا وتعدد منابر الرأي والرأي الآخر. في حين أنّ أغلب أقطارنا العربية تفتقد إلى مثل هذه الآليات الديمقراطية، مما يفرض إيجاد آليات وقائية فعالة لمنع تفشي الفساد والحد من آثاره الاقتصادية والاجتماعية المدمرة.
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
التعليقات