"ايلاف"&الرباط ": الأمر المؤكد، أنه عنقاء الحياة السياسة الفرنسية بامتياز. تمكن تحالف اليسار من إلحاق الهزيمة به في الانتخابات الرئاسية عام& 1981، وأجلسوا مكانه الحرباء الداهية " فرانسوا ميتران" الذي ظل يتفرج على خصم الأمس اللدود وقد كثرت الأحاديث والأقاويل عن فضائح حكمه : نزعته التسلطية، وتعاليه بل وتنكره لمن سعوا بكل ما ملكت أيديهم ليصل إلى ذروة الحكم" جاك شيراك " على سبيل المثال.
&وفي الخارج ، لاكت الألسن قصص علاقاته الغريبة، بالإمبراطور، آكل لحوم الأطفال ،المضحك "جان بديل بوكاسا" وهدايا " الماس" التي قيل إنه تسلمها منه دون أن يصرح بها أو يضمها لودائع الدولة الفرنسية.
لكن الرجل الذي استعجل الخروج ، مهيض الجناح من قصر "الإيليزيه" قبل انتهاء الفترة الممهدة& لإعداد ترتيبات استلام الرئيس الجديد ، آثر الانزواء والتواري عن الأنظار، لمدة ، إذ كان من الصعب أن يعلي الرأس ويقاوم التيار بعد إمساك تحالف اليسار الاشتراكي الشيوعي، مفاتيح قصر "الإليزيه" المرتبط في المخيال الفرنسي بمعاني تاريخية.
كانت الثقافة المهيمنة في الشارع العام أول عقد الثمانينيات، يسارية بالمعنى الواسع للكلمة،لم يجد معها الرئيس المغادر " "فاليري جيسكار ديستان" مكانا يسعه في الحقل السياسي ، مع أنه كمدافع عن الفكر الليبرالي، ليس في حالة صدام مطلق& أو مواجهة ضدية مع اليسار.
وكما يفعل أي متمرس بالقتال ، لم يغادر " فاليري" حلبة الصراع نهائيا، مؤثرا أن يطل بين الفينة والأخرى أو يلعب أدورا محسوبة من خلال أقنعة أصدقائه الذين لم يتخلوا عنه. هكذا تمكن من العودة إلى البرلمان بعد أن انتزع ثقة مواطني بلدته& بشق الأنفس، وساعده بدء تراجع الاشتراكيين منذ أواخر الثمانينيات على رفع الرأس قليلا دون إزعاج ساكن الإليزيه: الأسد الهصور :جاك شيراك.الذي ظل متشككا دائما في نوايا حليف الماضي.
وخلال اعتكافه الاضطراري، انشغل "جيسكار" بالأفكار أكثر من الدسائس السياسية،إذ كان يصطدم بماضيه كرئيس لدولة عظمى ، لا يمكن أن يقنع متعويض معنوي بما دونه. ولما اختاره الاتحاد الأوروبي ، ليرأس اللجنة المكلفة بالتفكير في مآل القارة العجوز بعد توسيعها ومدها بشرايين جديدة ،عاوده الشعور بالقوة ، فاشتغل كثيرا وتكلم وجادل أكثر، وهو المؤمن بالوحدة الأوروبية، وتنقل بين العواصم ، حتى وفق أو أصبح قاب قوسين من إنهاء المهمة الموكلة إليه.
قبل أن يسلم مسودة مشروعه ويتلقى التهنئة من قادة دول الاتحاد في الأيام المقبلة ،بادر أحد اصدقائه " الأكاديمي جون دورمسون" وهو سياسي وكاتب ومجادل يميني مرموق ، باقتراح اسمه ليضاف إلى قائمة الخالدين في الأكاديمية الفرنسية العتيدة التي أسسها "ريشيليو"عام 1635.
قوبل الخبر باستغراب وتشكك& ، فالمرشح ، ليس رجل فكر بالمعنى الأكاديمي الراقي ، ولا هو مؤلف مصنفات ذات وزن ، ثم إن المقعد الفارغ في الأكاديمية يعود للرئيس السنغالي الأسبق " ليوبلد سنغور"احتله تقديرا لشاعريته وطول باعه في الثقافة الفرنسية.
&سيدافع مناصروه بكون رئيس بلادهم الأسبق ، له إسهامات فكرية في صورة مؤلفات معدودة لكنها جريئة ، بل إنه أصدر رواية " المعبر" في التسعينيات ، لم يعرها النقد أي اهتمام، إضافة إلى أن مجمع الخالدين ليس مقصورا على الأدباء والمشتغلين بالفكر الخالص ، بل يؤوي تحت سقفه الطبيب الجراح والفلكي والمختص في الرياضيات وعلم الأحياء....
لم تنفع الصيحات المستنكرة التي أطلقها من "جنيف" القانوني الفرنسي الضليع "موريس دريون" الذي شغل منصب أمين السر الدائم في الأكاديمية،& ضد ترشيح " جيسكار" .
نجح السياسي في اختبار الجولة الأولى ، محرزا على 19 صوتا من مجموع 34& مقترعا.
عاب " دريون" على "جسكار" دوره في اعتزال الرئيس " شارل دوغول،"وأشياء أخرى، لكن أغلبية زملائه في الأكاديمية،& لم يستمعوا إلى نصحه ، فقبلوا لأول مرة في تاريخ المحفل العتيد، رئيس جمهورية سابق، واحدا منهم.
لمن يعود الفضل في هذا الاختراق: لشبكة علاقات " ديستان" لقوة تأثير المحافظين في الأكاديمة؟ لانصراف منتجي الأفكار في فرنسا عن شأن لا يولونه في الغالب أهمية؟
المهم أن السياسي يكون قادرا على كل شئ، فما بالك إذا اشتغل بالفكر.