سباعي السيد من موسكو: تخيل أن المسرح العربي الذي يمتد تاريخه إلى أكثر من مائة عام لا يشغل في كتاب موسوعي عن تاريخ المسرح إلا صفحة واحدة ونصف الصفحة من أصل 700 صفحة هي عدد صفحات الكتاب؟!
هذا ما لفت انتباهي عند تصفحي للطبعة التاسعة من كتاب المسرح History of the Theatre تأليف أوسكار بروكيت الذي صدر مؤخراً. والمشكلة الحقيقية هي أنه لا ذكر لمسرح عربي أساساً، وإنما يأتي الكلام عن المسرح المصري ومسرح المغرب العربي من خلال فصل يخصصه المؤلف للكلام عن "المسرح في أفريقيا" حيث يحدثنا المؤلف عن دور مصر الريادي في الحركة المسرحية في هذه المنطقة ويذكر أعمال بعض المؤلفين المسرحيين مثل أحمد شوقي وتوفيق الحكيم ورشاد رشدي ، كما يذكر أيضاً نجيب الريحاني وجورج أبيض وسلامة حجازي.
ويتوقف الحديث عن المسرح المصري في الكتاب بعد عام 1967 حيث بدأ المسرح في مصر في الانحطاط بسبب الظروف الاقتصادية السيئة وتنامي الأصولية الإسلامية وظهور التليفزيون- على حد تعبير المؤلف- وتحول دور مصر إلى الريادة التليفزيونية من خلال إنتاج البرامج والمسلسلات التليفزيونية. ويشير الكتاب أيضاً إلى مهرجان المسرح التجريبي الذي تقيمه مصر كل عام.
وينتقل الكتاب للحديث عن المسرح في الجزائر، حيث يشير إلى أعمال كاتب ياسين الذي هاجم الاحتلال الفرنسي في مسرحياته. ويقول المؤلف إن المسرح في الجزائر يواجه معارضة متزايدة من قبل الأصولية الإسلامية. ويضيف المؤلف انه في المغرب وتونس لم يظهر كتاب أو مخرجين ذوو شأن خارج بلادهم. لكنه يستدرك قائلاً إن عز الدين المدني في تونس والطيب الصديقي في المغرب قد سعى كلاهما إلى خلق مسرح ذي سمات عربية خاصة.
انتهى كلام بروكيت. والحقيقة أن هذا الكتاب الذي يتناول تاريخ المسرح منذ القرن الخامس الميلادي وحتى سنة 2001 ويعتبر من المراجع الأساسية في تاريخ المسرح، حتى وإن كان توجهه الأساسي هو المسرح في أوروبا والولايات المتحدة، يثير أكثر من قضية تخص مسرحنا العربي وثقافتنا العربية.
فتجاهل الكلام عن مسرح عربي في حد ذاته يجعلنا نتساءل عن نجاح المسرحيين العرب في إضفاء خصوصية على هذا المسرح، وهل هو مسرح عربي ، أم& أنه مسرح ناطق باللغة العربية. لقد تجاهل الكتاب بقية تاريخ المسرح المصري، كما أسقط من حساباته المسرح في سوريا ولبنان والعراق والمسرح في الخليج العربي.. ونسى يوسف إدريس ومحمود دياب وسعد الله ونوس وكرم مطاوع وجواد الأسدي وعبد الرحمن المناعي وغيرهم ممن أسهموا في كتابة تاريخ المسرح العربي وأضافوا بالتأكيد إضافات هامة إلى تاريخ المسرح في العالم.
القضية الثانية تتعلق بتاريخ المسرح العربي نفسه، فهل كتب تاريخ المسرح العربي بالفعل؟ ربما عدا كتاب د. علي الراعي الجاد بعنوان "المسرح في الوطن العربي"- لم تتكرر المحاولة ولم نجد رصداً وتحليلاً ورؤية شاملة لمسيرة هذا المسرح وتياراته المختلفة على امتداد الوطن العربي.
القضية الثانية تتعلق بتاريخ المسرح العربي نفسه، فهل كتب تاريخ المسرح العربي بالفعل؟ ربما عدا كتاب د. علي الراعي الجاد بعنوان "المسرح في الوطن العربي"- لم تتكرر المحاولة ولم نجد رصداً وتحليلاً ورؤية شاملة لمسيرة هذا المسرح وتياراته المختلفة على امتداد الوطن العربي.
بالتأكيد تعاني المكتبة العربية من نقص واضح في المراجع التي تتناول تاريخ المسرح. وربما أيضاً بسبب الشعور العام بأن التاريخ المسرحي أقل أهمية من التنظير والنقد- والمشكلة الأخرى التي يواجهها المؤرخ هي نقص وصعوبة الحصول على المعلومات والنصوص والوثائق المتعلقة بالمسرح العربي.
الإشكالية الثالثة والأخيرة هي مشكلة الترجمة. لقد عرف العالم كتابنا الروائيين من خلال الترجمات إلى اللغات الأجنبية والآن نحن& نعاني للأسف& مما أسماه الناقد الدكتور محمد عناني "فوضى الترجمة" فلا توجد خطط منهجية ومعلنة- إلا فيما ندر- لترجمة أمهات الكتب والإصدارات الحديثة من وإلى العربية. والكتاب يترجم أكثر من مرة في أكثر من بلد وتسبب ذلك في أن العالم توقف عند رشاد رشدي ومسرح الستينات وعز الدين المدني. "الترجمة إلى"& تبدو الآن وفي عالمنا اليوم لا تقل أهمية عن "الترجمة من". لا يخفى على أحد الدور الهام الذي تلعبه الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية بتقديم ثقافتنا إلى الآخر/ العالم. فى عالم يصبح& يوماً بعد يوم ..أشبه بشارع صغير.
التعليقات