سعد الله خليل حرب
&
دون الخوض في المقاصد والمرامي والنوايا السياسية التي أدت لفوز السيدة شيرين عبادي بجائزة نوبل للسلام، فهي أولا : امرأة عادية لا تحمل صفة رسمية، تنتمي إلى مجموعة البلدان التي لها رأيها ونظرتها الخاصة نحو المرأة. وهي ثانيا : مسلمة، في وقت كثرت فيه الفرضيات والنظريات عن العلاقة بين الإسلام والإرهاب. وثالثا : هي ناشطة في مجال حقوق الإنسان في بلد من البلدان التي لا يمكن لأحد أن يدعي أن السلطة الحقيقية فيها يتم تداولها، وتخضع لإرادة الأكثرية من مواطنيها.
ولهذه الحيثيات الثلاثة السابقة التي تتصف بها السيدة عبادي دلالاتها ومعانيها التي أثارت الكثير من اللغط والجدل حولها، فبعضهم صنفها في بند يقع ضمن أحد فصول نظرية المؤامرة. وغيرهم تشكك في أحقيتها، ورأى من هو أجدر منها بهذه الجائزة. وآخرين فرحوا واستبشروا خيرا، وباركوا فوزها.
والمهم هنا، عندما ذهبت السيدة عبادي لإلقاء محاضرة في جامعة الزهراء، تظاهرت الطالبات اللواتي يخالفنها الرأي ( بشكل عفوي أو مدبر) ضدها، وهنَّ يهتفن ويصرخن غاضبات : ( الموت، الموت لشيرين عبادي )، ومنعنها من إلقاء المحاضرة. وبدون شك أن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان - التي تناضل السيدة عبادي لتحقيقهم وإشاعتهم، وفازت لذلك بجائزة نوبل للسلام - تكفل لأولئك الطالبات حق التجمع والتظاهر والتعبير عن الرأي. ولكنني أظن أن السيدة عبادي قد حمدت الله لأن الطالبات الساخطات الغاضبات الراغبات بموتها لم يهاجمنها - وربما مُنعن من ذلك - ويطرحنها أرضا وينفذن فيها حكم الموت، كشكل من أشكال التعبير عن الموقف والرأي الذي تطالب وتحارب السيدة عبادي لتثبيته أقصد حق التعبير والتظاهر والغريب في الأمر أن من طالبن بالموت لشيرين عبادي هنَّ إناث في عمر الزهور، ومن كنَّ كذلك، تؤكد كل الدراسات السيكولوجية على رقة عواطفهن ورهافة أحاسيسهن وعذوبة مشاعرهن، والمستغرب أكثر : أن من يطالبن بموتها، تناضل عبادي من أجلهن، وتدافع عن حقوقهن، وقد سبب لها ذلك الكثير من المتاعب والمشاكل مع السلطة.
وعندما يعبّر كاتب - كالسيد أشرف عبد القادر - عن رغبته ورأيه في أن تكون مصر لكل المصريين على اختلاف عقائدهم وأديانهم، يتلقى رسالة يؤكد فيها صاحبها استعداده ورغبته في فقأ عيني السيد عبد القادر وقطع لسانه الذي عبّر ويده التي كتبت تلك الرسالة المقالة الرأي الرغبة في السلم الاجتماعي والتعاون والإخاء والمحبة بين أبناء وطنه مصر.
لم تعرف الشعوب العربية على مدى تاريخها سوى تطاحن وصراع الآراء، لا تعايشها وتمازجها. والثنائيات أو تعدد الآراء والمعتقدات والأفكار، ممنوعة أو باهظة الثمن، ومع أن الوحدانية لله وحده عز وجل، إلا أنها سيطرت على كل مناحي الحياة والفكر والسلوك : ( دين واحد، طائفة واحدة، فكر واحد، رأي واحد، أمة واحدة برغم الخلاف والاختلاف بين عرب الشمال وعرب الجنوب، وقراءة واحدة، وفهم وتفسير واحد )، ولغة الحوار لا وجود لها في القاموس السياسي العربي أبدا، فالعصا لمن عصى، والسيف يوحد الأمة، ولهذا لم تعتد هذه الشعوب وجود معارضة علنية، سياسية كانت أو غير سياسية، فالمعارضة مستباحة أبدا ومهدور دمها دائما، ومن مات ولم يبايع خليفته لا يدخل الجنة، ومن بايع لا يحق له أن يعود عن بيعته، حكمه حكم المرتد عن دينه، يُفصل رأسه عن جسده. ولهذا لا يستطيع العقل العربي خوفاً وثقافة - أن يستوعب التقاليد الديمقراطية واللعبة البرلمانية، وهي تُفهم لدى الأكثرية الساحقة من الناس إن تمت اللعبة - على أنها ( حكم ) الأكثرية للأقلية، و ( خضوع ) الأقلية للأكثرية، والمجموعة التي ستسيطر على البرلمان ستعمل على تغيير الدستور والقوانين إذا لم يوجد من يحميهم - بما يتلاءم مع مفاهيمها ويخدم أهدافها وتطلعاتها لتبقى في الحكم إلى ما شاء الله، وما استطاعت إلى ذلك سبيلا ، وأكثر من يتشدق و ينافق ويدعي الديمقراطية : الأحزاب العقائدية، الكسيحة الشائخة الهرمة، التي سلكت طريق العنف وأذلت الناس، وما زالت تفعل، والأكثر عداء تاريخيا وفكريا وممارسة - للديمقراطية، والتي تفخر أنها بعين واحدة وأذن واحدة وأسلوب واحد، وفكر واحد، أثبتت الحياة وتثبت حاجات ورغبات الناس المتزايدة، أنه خانق مذل مميت، غير قابل للتطبيق، ومع ذلك مصرة على التمسك به لا ترغب وترفض أن تقتنع بضرورة تغييره أو تجديده أو تطويره لأنه يخدم مصالح قادتها الذين يمسكون بزمامها، كالخلفاء يتربعون على عرش زعامتها من المهد إلى اللحد.
إن عدد الأميين الذين يجهلون كليا القراءة والكتابة في البلاد العربية يقدر بسبعين مليون نسمة، أي ما يعادل مجموع عدد سكان ( سوريا - الأردن - العراق - السعودية - الإمارات العربية )، وهذا يوضح مدى الهوة التي تتردى فيها هذه الشعوب، وعمق ومساحة الجهل والغيبية والشعوذة والتخلف، مما يعني عدم قدرتها على الرؤية السليمة، والاختيار السليم، والفهم السليم، إضافة إلى أنها شعوب تتحكم فيها العاطفة أكثر مما يتحكم فيها العقل، ولهذا رفض مجلس الحكم العراقي أن يتم اختيار ممثلي الشعب عن طرية الانتخابات لأن نتائج التصويت ستكون لصالح المشايخ وزعماء العشائر والطوائف والأقرباء، ومن يدفع أكثر من الأثرياء، ولا أحد يجهل صوت المنادي في الانتخابات : ( الهوية بمية ).
إن الديمقراطية ثقافة وتربية، وهي تتطلب تغييرا شاملا في البنية التحتية للفكر والعقلية السائدة التي أقل ما يقال عنها أنها جاهلة فردية متخلفة خائفة بعيدة وغريبة عن روح العصر وحقوق الإنسان والرقائق الإلكترونية، مما يتطلب استبدالا للمناهج التعليمية والتربوية، ودورا أكبر ومتعاظما لوسائل الإعلام والتأليف والترجمة والنشر، والنخب التنويرية. ولا بد بداية من تفعيل دور القانون والمساواة بين الجميع تحت مظلته، والمراقبة والمساءلة والمحاسبة، وإحداث مادة تعاقب على الكذب، وتكريس مبدأ : من أين لك هذا، وإنهاء إجازة وزارة العدل، وإعادتها من الدار الآخرة إلى الدنيا، والقضاء على العصبية والقبلية والعائلية والطائفية، والاعتراف بالآخر وحقه وتفعيل دوره، وبناء المؤسسات، وتكريس العمل الجماعي، والمساواة التامة بين المرأة والرجل في كل ميادين الحياة.
التعليقات