داود البصري&
&
&
بعيدا عن لغة المماحكات السياسية، وتماشيا مع التاريخ الحقيقي لحالة الصراع في المنطقة العربية، يكون لزاما بعد إصطياد الرئيس السابق صدام حسين ووقوعه في نهايته المحتومة والتي كانت مؤجلة منذ عقد ونيف من السنين على أقل تقدير ومنذ هزيمته الشاملة والكبرى في رمال الكويت في ربيع 1991، أقول يكون لزاما العودة لمناقشة تداعيات ماحصل عبر لغة المنطق والحوار والتفاهم العقلاني، وبعيدا عن لغة التخوين والإستعارات والمصطلحات الجاهزة والتي نبرع بها نحن العرب براعة لامثيل لها؟ ولعل أولى حقائق الصراع السابق وتطوراته تقول وبصراحة من أن مجيء صدام حسين للسلطة الأولى في العراق في السادس عشر من تموز عام 1979 وإزاحة الرئيس السابق أحمد حسن البكر ومن ثم ترتيب مسرحية المؤامرة السورية المزعومة والتي أبيد على أساسها نصف القيادة القطرية وثلث القيادة القومية لحزب البعث العراقي والتي فتحت معها أبواب جهنم العراقية، كانت بالأساس لمواجهة حالتين وهما 1. التعامل مع الحالة الثورية في إيران وقتذاك بطريقة عسكرية عبر شن حرب محدودة وسريعة كحرب الأيام الستة بين الإسرائيليين والعرب تكون من نتيجتها إفشال الثورة الإيرانية وإستيعابها وخلق حقائق إستراتيجية جديدة في المنطقة عبر سلخ الأهواز العربي من السيادة الإيرانية ثم المباشرة بتقطيع أوصال إيران لخمسة أقسام حسبما جاء في أحاديث صدام ذاته.؟، وهي كما ترون مهمة إستراتيجية كبرى تتجاوز الإمكانيات العسكرية العراقية مهما بلغت درجة التضخيم في قدراتها؟، 2. أما النقطة الأخرى والمركزية فكانت الإلتفاف على ميثاق العمل الوحدوي مع سوريا الموقع أواخر عام 1978 بين البكر والراحل حافظ الأسد وإجهاض أية محاولة ولو شكلية لتوحيد العراق وسوريا سياسيا وحزبيا لأن من شأن ذلك الإضرار بمستقبل الصعود السياسي لصدام ومجموعته الفاشية والمرتبطة بالتيارات الدولية المشبوهة وبإعتبارها مخلب قط لكل القوى الساعية لتكسيح الأمة العربية وإلهاؤها في صراعات جانبية تعرقل الهدف الأكبر المنشود ! ولتحقيق تلكم الغاية أي إفشال أي تقارب مع سوريا كان لزاما اللجوء لأساليب غير تقليدية في التعامل مع الملف السوري ممثلة بدعم المنشقين السوريين من بعثيين وغيرهم وكما حصل مع جماعة ( أبو عبدو ) الرئيس السوري السابق أمين الحافظ وكذلك دعم التيارات الدينية مثل جماعة الإخوان المسلمين الذين وبدعم عراقي واضح شنوا حملات إرهاب كبرى وعلى أسس طائفية ممنهجة في المدن السورية الكبرى وصلن لحدود المذابح الكبرى كما حصل في حلب ودمشق وحماة دون أن ننسى أن مخابرات صدام وتحت قيادة أخيه برزان التكريتي قد مارست أقسى درجات العنف والصرف لتدمير سوريا من الداخل وتفجير المؤسسات الخدمية والشعبية وإيقاع أكبر أذى ممكن بالشعب السوري سواءا عبر إثارة الحساسيات الطائفية أو عبر الإرهاب المباشر وكما حصل في حي الأزبكية وفي شارع بغداد الدمشقي وفي الدعم الواسع والمفتوح لكافة منظمات الإرهاب الأمر الذي أدخل سوريا في أزمة سياسية وأمنية كبرى ضاعفت من همومها وفي ظل إشتداد تحدي حكومة مناحيم بيغن الليكودية وإصرارها على طرد المقاومة الفلسطينية في لبنان؟ وكانت أوائل الثمانينيات فترة إستنزاف أمني وسياسي وعسكري رهيبة للجانب السوري هذا دون أن نغفل دور نظام صدام البائد في تدبير المحاولات العديدة لإغتيال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وملفات الصراع السوري العراقي تحفل بأعاجيب غريبة وعجيبة لممارسات مافيوزية كبرى أقدم عليها نظام صدام لتدشن القطيعة التاريخية والشاملة بين سوريا والعراق، واليوم وضمن إطار معالجة ملفات الماضي القريب وبعد وقوع النظام الإرهابي الصدامي البائد في قبضة العدالة ومعاملة سلطات الحلفاء والحكومة العراقية المؤقتة لصدام معاملة قانونية وكريمة لايستحقها ولاتستحقه رغم كل جرائمه التاريخية وإنتظارا ليوم المحاكمة التاريخية المزعومة لواحد من أكبر فئران الإرهاب والتخريب في العصر الحديث، قامت الإطراف الإقليمية والعربية المتضررة من سياسات وجرائم صدام بإعداد ملفات إتهامها ضده وكما أعلنت إيران والكويت عن نيتها وكما أعلن آلاف العراقيين عن رغبتهم في رفع دعاويهم ضد مجرم العصر البعثي، ويبقى الملف السوري صامتا بلاحراك، وحيث يقف النظام السوري مشدوها على مايبدو لطبيعة المتغيرات السريعة وللمصير الأسود لواحد من أعتى قلاع الإرهاب التي تصورها بأنها حصينة متناسيا كل تجارب التاريخ وأحكامه وحيث أن المشكلة الرئيسية تتمثل في أنه ( لاأحد يتعظ من الماضي ) وإن الصلف وحدود القوة الوهمية تصور للحاكم من أنه قد تحول لآله معصوم ولاتمس ذاته لمجرد إمتلاكه لوسائل القمع وللقسوة اللا محدودة في التعامل مع مواطنيه أو مخالفيه، وكان صدام العبرة والأمثوله ولكنه قطعا لن يكون الأخير!!.. اليوم يقف المراقبون ينتظرون رد الفعل الرسمي السوري بعد إمتصاص الصدمة؟ فهل سيفعلها السوريون وهم تاريخيا أول وأوسع من تضرر من سياسات نظام صدام ومؤامراته؟ أم أنهم سيسيرون خلف الشعارات الكارثية التي ستؤسس لعقود طويلة قادمة من الكراهية والتوجس؟ صدام أضحى من الماضي وهو أسود أسود بحجم الجرائم الشنيعة التي إرتكبها، والمستقبل للشعوب في النهاية؟ ولكن هل سنرى ملفات الإتهام السورية في المحكمة المنتظرة التاريخية وهي تزيح الغبار عن ملفات إنتهاكات قومية فظيعة؟ أم سيظل السوريون يغنون يامال الشام ويتجاهلون حقائق العصر وإشراقاته وشفافيته وحق الشعوب في محاكمة حكامها من القتلة والمجرمين؟
رد الفعل السوري من هذا الملف سيحدد حقائقا إستراتيجية فعالة دون شك؟ وأغلب الظن أن السوريين سيدلون بدلوهم ولكن ليس قبل آخر الشوط... رغم أن الوقت لايرحم وهوامش المناورة باتت في حكم المعدومة؟
إنها تساؤلات بريئة في زمن ماعاد فيه للطغيان من سبيل.
&
التعليقات