محمد حسين الخالصي
&
&
&
بعد مشاعر السعادة الأولى التي غمرتني وأنا أري فأر البعث الهارب يُصطاد في جحر يليق به، لابد أن تعود الذاكرة إلى الأشقاء والأقرباء والأصدقاء الذين غيبهم نظامه، وعلى مدي ثلاثة وعشرين عاما، واعتقلهم أمام الأعين، ثم راحوا في غياهب السجون ولم نفلح حتى اليوم من إيجاد رفاتهم
حين اعتقله الأمريكيون وفي أجندتهم ما سنراه ونسمعه في الأيام القادمة، أخذوه كما يأخذ الأب ابنه العاق، فحصه طبيب....، وأدخلوه حماما نظيفا....، ووضعوه في مكان دافئ.......، بعد أن صادروا مبلغ سبعمائة وخمسة وثلاثين ألف دولار أمريكي كانت معه.
مرت أمامي صور الأشقاء والأقرباء والأصدقاء كشريط حزين من الإهانات والضرب والتعذيب لا لسبب سوى الصلاة و التدين والزيارة وعدم قبول بالانتماء لحزب البعث، فقد كانوا مسلمين وإسلاميين مخلصين، وكانت هذه تهمة كافية في عهد صدام كما في العهد الأمريكي اليوم. ويجب عدم نسيان أن أيادي صدام حسين ورجاله الذين مارسوا كل الفضائع ابتداء من التعذيب وانتهاء بالإعدام بطرق مختلفة، مازالوا طليقين و أُستدعى بعضهم للعمل مع النظام الجديد، وهي الهزيمة بأم عينها لمن يعتقد أن النصر هو بإزالة هذا الصنم من السلطة فقط.
استفاد الأمريكيون كثيرا من أخطائهم في طريقة الإعلان عن مقتل أولاده، بتلك الطريقة الصاخبة التي آتت عكس نتائجها، وقد علم فيما بعد أنها مسرحية أخرجت وبشكل غبي على عجل، فقد أعدم قصي في مطار بغداد وهو يتوسل إلى معتقليه، ولا يعلم متى قتل عدي، ولكنهما ذهبا على أي حال، حيث العدالة المطلقة وحيث سيكونون في مواجهة ضحاياهما.
واليوم وبعد إلقاء القبض على رأس النظام البائد، ستأخذ الأمور طريقين مختلفين:
الأول: ما يهم العراقيين، وهي التحقيقات معه وكم المعلومات الهائل في رأسه وذاكرته عن البنية الأمنية والسجون الخفية والمقابر الجماعية غير المكتشفة، والاغتيالات التي حدثت على مدى الخمس وعشرين عاما الماضية، ثم الجهات الدولية التي تعاملت معه والشركات التي صرف عليها أموال البلاد والرشاوى التي قدمها شخصيا وقائمة طويلة لا يعرف إن كان أحد من الناس سيطلع عليها غير رجال الأمن الأمريكيين، وسيطلق الخيال حول الصفقات التي يمكن أن يعقدها رجل مثله، وحاجة الأمريكيين لعقد صفقة مع شخص بحالته اليوم!!
الثاني: وهو ما يهم الأمريكان، إذ سيكون التركيز على أعمال المقاومة الجارية اليوم في الوطن، بطيفها مهما كان. والتي يرغب الأمريكيون حسب التحليلات المتوفرة اليوم في إسدال الستار عن دور صدام حسين والبعث فيها، لتتحول إلى الجانب الإسلامي بشكل كامل، شيعيا كان أم سنيا، وهو بيت القصيد في الإعلان عن اعتقاله اليوم وليس غدا، رغم أن استبقاءه كان، وكما يتصور الكثيرون، يمكن أن يكون أكثر فائدة لبوش عشية الانتخابات الأمريكية، ولكن يمكن اعتبارها بداية مبكرة للحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي جورج بوش.
سيستفيد الأمريكيون من ماكينتهم الإعلامية الضخمة والقديرة في إطفاء دور البعث من الإعلام في العالم تمهيدا للاستفادة من جهاز صدام حسين الأمني الرهيب، والذي هو في الحقيقة جهازهم، ولم يكن بالإمكان الاستفادة منه إلا بعد انتقال الأضواء الإعلامية إلى التركيز على آخرين. والآخرون هنا هم الإسلاميون، وسيعمل الأمريكيون جاهدين بمساعدة بعض الإعلاميين (( العراقيين)) الذين رأينا طريقتهم في الكتابة لصالح أمريكا تحت أي ظرف، وكذلك جيش الصحافيين الذين عملوا لصالح من يملك السلطة والقدرة المالية والعسكرية ليتحول الهجوم من صدام حسين إلى الإسلاميين!!!
لن يكون الانتظار طويلا، بدليل استعجالهم في الإعلان عن اعتقال صدام حسين، إن لم تبدأ الحملة الإعلامية اليوم فستبدأ غدا، فالإدارة الأمريكية الحالية لا تملك الكثير من الوقت، وهي بحاجة إلى ذلك سريعا.
بقدر ما كان استسلام الطاغية المخلوع وبهذا الشكل المهين خبرا سعيدا، لأنه حطم صورة الرجل البعثي العلماني الصلب التي حاول هو ومؤيدوه إظهاره عليه لسنوات طويلة، وهو رجل أمريكا المفضل لعقود، ومارس أقذر أنواع التصفية ضد الإسلاميين وغيرهم، وكشفته طريقة استسلامه على حقيقته بشكل مدو، فأن الخطوة الأمريكية التالية ستكون حرف مسار المعركة الإعلامية ومن ثم العسكرية، لتستهدف أعدا أعداء صدام حسين، وأشدهم وطأة عليه، وذلك باستعمال جهازه الأمني مرة أخرى، ولن يكون هذا الأخير خبرا سعيدا حتى للإسلاميين!! السائرين في نهج أمريكا، داخل مجلسها وخارجه، فسوف يخيرون إما بتغيير جلودهم، أو اختيار طريق آخر لم يهيئوا له أنفسهم اليوم.
مهما يكن من أمر، فقد انطوت صفحة حزينة أخرى من صفحات تأريخ وطننا، في يوم أسعد الكثيرين منا، فعدالة الله تجري وان بأيدي قوم لا خلاق لهم، وذلك هو وعد الله على لسان رسوله (ص): ((إن الله لينصر دينه بقوم لا خلاق لهم)).

فلكل طاغية نهاية
ولكل مخلوق أجل
والله بالغ أمره