عاطف أحمـد
&
الحلقة الثالثة
&
&
&هذا عن معايير الصدق، فماذا إذن عن الفلسفة ذاتها؟ القد أصبحت - بعد أن كانت تحليلا منطقيا للعبارات اللغوية لا علاقة لها بأمور الواقع- ,بحثا عن مبدأ جامع مجهول الهوية تماما
إذ يقول: "أهم ما يعرف به ذلك الضرب من فاعلية العقل، الذى جرى الاصطلاح على أن يسمى ب "الفلسفة" ، هو على وجه التخصيص والتحديد: محاولة إرجاع هذا الخضم الهائل من معطيات الحياة النظرية والإبداعية والعلمية إلى ينبوع أصلى واحد يخفى على الأعين لكنه مبثوث فى الضمائر يحرك الأفراد والجماعات على نحو ما يتحركون ويفكرون ويبدعون "( أى) تشخيض" المبدأ الذى يجمع بين جناحيه أكبر قدر ممكن من ظواهر الحياة فى عصر معين" (ح. س- 406).
&
&
&هذا عن معايير الصدق، فماذا إذن عن الفلسفة ذاتها؟ القد أصبحت - بعد أن كانت تحليلا منطقيا للعبارات اللغوية لا علاقة لها بأمور الواقع- ,بحثا عن مبدأ جامع مجهول الهوية تماما
إذ يقول: "أهم ما يعرف به ذلك الضرب من فاعلية العقل، الذى جرى الاصطلاح على أن يسمى ب "الفلسفة" ، هو على وجه التخصيص والتحديد: محاولة إرجاع هذا الخضم الهائل من معطيات الحياة النظرية والإبداعية والعلمية إلى ينبوع أصلى واحد يخفى على الأعين لكنه مبثوث فى الضمائر يحرك الأفراد والجماعات على نحو ما يتحركون ويفكرون ويبدعون "( أى) تشخيض" المبدأ الذى يجمع بين جناحيه أكبر قدر ممكن من ظواهر الحياة فى عصر معين" (ح. س- 406).
وأصبحت المذاهب الفلسفية العصرية كيانات داخل بنية ذهنية مجردة سماها " الإنسان" . إذ يمضي قائلا :
&المذاهب الفلسفية لصانعى الحضارة العصرية: تدور حول:
&تحليل العلم إلى أبسط وحداته المنطقية، التى من تركيباتها تتكون العلوم المختلفة (الوضعية المنطقية؟).
&كيف يكون الانسان كائنا مريدا فعالا مسئولا (الوجودية).
&الاهتمام بالحياة الانسانية فى صورتها المجتمعية (المادية الجدلية) .
&العلم الصحيح هو ما يمهد الطريق لمستقبل أغنى وأقوى (البراجماتية).
&وهذه المذاهب أركان لمربع واحد هو "الانسان" (حصاد السنين- 170).
&المذاهب الفلسفية لصانعى الحضارة العصرية: تدور حول:
&تحليل العلم إلى أبسط وحداته المنطقية، التى من تركيباتها تتكون العلوم المختلفة (الوضعية المنطقية؟).
&كيف يكون الانسان كائنا مريدا فعالا مسئولا (الوجودية).
&الاهتمام بالحياة الانسانية فى صورتها المجتمعية (المادية الجدلية) .
&العلم الصحيح هو ما يمهد الطريق لمستقبل أغنى وأقوى (البراجماتية).
&وهذه المذاهب أركان لمربع واحد هو "الانسان" (حصاد السنين- 170).
&وكذلك أصبحت الفلسفة نسقا موحدا لرؤية الكون وللمعرفة الانسانية.إذ نراه يقول:
&المهمة الأولى للفكر الفلسفى هى ايجاد الوحدة التى يتوحد بها ما يبدو متفرقا سواء فى كائنات الطبيعة أم فى المعرفة الانسانية.
&العلم جاء باحثا عن "الحق".
&والدين جاء معبرا عن " الخير".
&والفن والأدب معبران عن " الجمال". (ح. س 239-238).
الحق والخير والجمال أسماء ثلاثة على مسمى واحد، والذى يختلف فى الحالات الثلاث هو وسيلة ادراكنا له. فالعقل يدرك الحق، والبصيرة تدرك الخير، والحواس تشعر بالجمال.
&" وهكذا نرى كيف يوصلنا التأمل فى القيم الثلاثة الكبرى إلى فهم الكثرة الكثيرة التى نشاهدها فى الكائنات المختلفة، حتى لتصبح أمامنا وجودا واحدا موحدا تتكامل فيه تلك الكثرة كما تتكامل فى الكائن الحى أعضاؤه" (حصاد السنين- 240).
رغم ذلك ,ظلت بقايا الفلسفة التي أعلن تنكره لها ,متخللة فكره في طبعته الجديدة. فلنقرأ مثلا قوله:
&لما كان عالم الواقع لا يشتمل إلا على "أفراد" أو "مفردات" معينة محددة بمكانها وزمانها،
فإذا كان "الفكر" بطبيعته يتناول افكارا فيها تعميم، وفيها تجريد، فبرهان صدقه يجب أن يستند إلى واقع متعين بفرديته وتخصيصه وتحديده، فإذا وجدنا أنفسنا أمام فكرة مزعومة لا نجد لها، ولا يجد لها صاحبها نفسه، تطبيقا على كائنات الواقع الفردى الجزئى المرئى أو المسموع او المحسوس به بحاسة أخرى من الحواس ، أصبحنا بين أحد أمرين:
&اما أن نعلق تلك الفكرة فى أذهاننا، لا نحكم عليها بالصدق إلا إذا حدث أن وجدنا لها ما تتجسد فيه وتطابقه.
&واما أن نجد فيها ما يبين لنا بأن وجود مثل ذلك الواقع المنتظر مستحيل استحالة منطقية فنرفضها ابتداء.(حصاد السنين- 188).
&المهمة الأولى للفكر الفلسفى هى ايجاد الوحدة التى يتوحد بها ما يبدو متفرقا سواء فى كائنات الطبيعة أم فى المعرفة الانسانية.
&العلم جاء باحثا عن "الحق".
&والدين جاء معبرا عن " الخير".
&والفن والأدب معبران عن " الجمال". (ح. س 239-238).
الحق والخير والجمال أسماء ثلاثة على مسمى واحد، والذى يختلف فى الحالات الثلاث هو وسيلة ادراكنا له. فالعقل يدرك الحق، والبصيرة تدرك الخير، والحواس تشعر بالجمال.
&" وهكذا نرى كيف يوصلنا التأمل فى القيم الثلاثة الكبرى إلى فهم الكثرة الكثيرة التى نشاهدها فى الكائنات المختلفة، حتى لتصبح أمامنا وجودا واحدا موحدا تتكامل فيه تلك الكثرة كما تتكامل فى الكائن الحى أعضاؤه" (حصاد السنين- 240).
رغم ذلك ,ظلت بقايا الفلسفة التي أعلن تنكره لها ,متخللة فكره في طبعته الجديدة. فلنقرأ مثلا قوله:
&لما كان عالم الواقع لا يشتمل إلا على "أفراد" أو "مفردات" معينة محددة بمكانها وزمانها،
فإذا كان "الفكر" بطبيعته يتناول افكارا فيها تعميم، وفيها تجريد، فبرهان صدقه يجب أن يستند إلى واقع متعين بفرديته وتخصيصه وتحديده، فإذا وجدنا أنفسنا أمام فكرة مزعومة لا نجد لها، ولا يجد لها صاحبها نفسه، تطبيقا على كائنات الواقع الفردى الجزئى المرئى أو المسموع او المحسوس به بحاسة أخرى من الحواس ، أصبحنا بين أحد أمرين:
&اما أن نعلق تلك الفكرة فى أذهاننا، لا نحكم عليها بالصدق إلا إذا حدث أن وجدنا لها ما تتجسد فيه وتطابقه.
&واما أن نجد فيها ما يبين لنا بأن وجود مثل ذلك الواقع المنتظر مستحيل استحالة منطقية فنرفضها ابتداء.(حصاد السنين- 188).
على أن ذلك الموقف لا يعني نهاية المطاف, إذ وجدنا الميتافيزيقا تعود في ثوب جديد :
المبحث الذى يسمى فى مجال الدراسة الفلسفية " ميتافيزيقا" هو بحث فيما يجاوز علوم الطبيعة من فروض وذلك لأن ما يقال عن " الطبيعة " المرئية الملموسة، إنما يقال عن "ظواهرها" . وأما إذا جاوزنا بالبحث تلك الظواهر إلى "ماوراءها" فإن البحث عندئذ يكون خاصا "بماوراء الطبيعة" .
&وفيلسوف الميتا فيزيقا، الذى يبدأ تفكيره من "مبدأ" يضعه هو لنفسه، ثم يستدل منه النتائج التى تتولد عنه، لا حق له فى أن يزعم بأن نتائجه تلك هى التى تصور حقيقة الكون كما هى قائمة. (وعلى ذلك) فالميتافيزيقا المشروعة حقا والمفيدة حقا يجب أن تنصب على أقوال العلوم فى العصر المعين الذى يكتب عنه الفيلسوف، ليستخرج من مجموعة تلك الأقوال العلمية ما قد أضمرته من فروض، حتى يصل به التحليل إلى آخر مداه ، بأن يصل إلى أعمق قاع تؤسس عليه العلوم ما تقيمه من قوانين علمية. وعندئذ يكون ذلك القاع الخفي عن الأبصار ,هو ما يمثل المحور الأساسي الذي تدور حوله مناشط العصر ووجهة نظره. هو- بالتالي الذي يصبغ العصر المعين كله بالطابع الذي يميزه عن سائر العصور,ويمثل هذا التجديد لمجال البحث في ما هو "وراء "بأن يجعله " ماوراء البناء العلمى" فى العصر المعين الذى يهمنا الإلمام بحقيقته وحقيقة ما يرمى إليه، نكون قد بذلنا الجهد فيما هو ممكن أولا وفيما هو نافع ثانيا (حصاد السنين-3-302)
المبحث الذى يسمى فى مجال الدراسة الفلسفية " ميتافيزيقا" هو بحث فيما يجاوز علوم الطبيعة من فروض وذلك لأن ما يقال عن " الطبيعة " المرئية الملموسة، إنما يقال عن "ظواهرها" . وأما إذا جاوزنا بالبحث تلك الظواهر إلى "ماوراءها" فإن البحث عندئذ يكون خاصا "بماوراء الطبيعة" .
&وفيلسوف الميتا فيزيقا، الذى يبدأ تفكيره من "مبدأ" يضعه هو لنفسه، ثم يستدل منه النتائج التى تتولد عنه، لا حق له فى أن يزعم بأن نتائجه تلك هى التى تصور حقيقة الكون كما هى قائمة. (وعلى ذلك) فالميتافيزيقا المشروعة حقا والمفيدة حقا يجب أن تنصب على أقوال العلوم فى العصر المعين الذى يكتب عنه الفيلسوف، ليستخرج من مجموعة تلك الأقوال العلمية ما قد أضمرته من فروض، حتى يصل به التحليل إلى آخر مداه ، بأن يصل إلى أعمق قاع تؤسس عليه العلوم ما تقيمه من قوانين علمية. وعندئذ يكون ذلك القاع الخفي عن الأبصار ,هو ما يمثل المحور الأساسي الذي تدور حوله مناشط العصر ووجهة نظره. هو- بالتالي الذي يصبغ العصر المعين كله بالطابع الذي يميزه عن سائر العصور,ويمثل هذا التجديد لمجال البحث في ما هو "وراء "بأن يجعله " ماوراء البناء العلمى" فى العصر المعين الذى يهمنا الإلمام بحقيقته وحقيقة ما يرمى إليه، نكون قد بذلنا الجهد فيما هو ممكن أولا وفيما هو نافع ثانيا (حصاد السنين-3-302)
&خصائص الرؤية الفلسفية فى مرحلة التحول:
&اللافت للنظر فى المرحلة الجديدة من فكر "زكى محمود"، أنه جمع بين بعض العناصر المستمدة من الوضعية المنطقية وبعض العناصر المستمدة من رؤية تأملية بحتة تنتمى إلى المنظومات العقلية التى سادت خاصة فى القرن السابع عشر فى أوربا.
&فهو هنا يتحدث عن أن مهمة الفلسفة هى اكتشاف المبدأ الجامع الذى يجمع بين جناحيه أكبر قدر ممكن من الظواهر الحياتية فى عصر معين. ومثل هذه العبارة تفصح عن تصور تأملي بحت بأن ثمة مبادئ منبثة فى الكون تحدد خواص الظواهر فى عصر معين. وهو أمر يبدو مختلفا عن فكرة الأنظمة المعرفية التى تسود فى عصر معين نتيجة لعوامل معرفية وثقافية وسياق تاريخى اجتماعى معين. إذ لا حديث هنا لا عن نظام أو حتى عن مبدأ معرفى ولا عن سياق تاريخى اجتماعى محدد يطرح طرقا معينة فى التفكير فى موضوعات معينة دون سواها. بل الحديث ينصب على المبدأ الجامع لظواهر الحياة فى عصر معين. وهذه الطريقة فى الفهم لتصور أن هناك حقيقية كلية مبنية على مبادئ جوهرية مجردة تكشف نفسها للعقل الفلسفى, تشير إلى فكرة أخرى هى الوجود الماقبلى للمبادئ العقلية أى على احتواء العقل على مبا دئ سابقة على الخبرة تحكم الواقع و تحدد خصائصه. وهى تمثل عودة إلى ماقبل العقل التجريبى الذى حل محل مفهوم المبادئ العقلية نتيجة لنمو المعارف العلمية واستيعابها لكثير من المجالات التى كانت واقعة من قبل تحت هيمنة الفكر التأملى الخالص. إذ أن مثل هذا التطور المعرفى أحال الفكر التاملى إلى الاستيداع فى عديد من المجالات بما فيها الواقع الانسانى وظواهره.
&وكان من الطبيعى بعد ذلك أن يعود "زكى محمود" إلى مباحث الفلسفة التقليدية فيرى أن العقل يدرك الحق، والبصيرة (هل يعنى الحدس؟) تدرك الخير، والحواس تدرك الجمال. لكن الأمر غير المفهوم هو أن يسم فلسفات العصر، منظورا إليها بمنظور معين- ويعلن أنها تكون مربعا هو الانسان. ومصدر الدهشة هنا هو:
1-&أننا أمام خلط واضح بين ظواهر فكرية ذات منشأ تاريخى معرفى ثقافى معين، وبين التكوين الانسانى الذى جعله عبارة عن مربع يحتل كل تيار احد أركانه. وبطبيعة الحال فهذه العبارة تنطوى على مجاز ، لكنه مجاز يخلط بين مفاهيم فكرية معينة وبين الطبيعة الانسانية- إذا جاز التعبير.
2-& كذلك فإننا، بالاضافة إلى ذلك، نجد تبسيطا شديدا يصل إلى حد الاختزال السطحى للخصائص الأساسية لتلك التيارات الفلسفية.
3-& كما أن ذلك التصور يضفى نوعا من الحتمية (أو القدرية) والثبات على ماهو تاريخى وجزئى ومتطور باستمرار.
4-& كذلك، فإننا لا نكاد نجد شيئا مما وعدنا به. وهو اكتشاف المبدأ الجامع لظواهر الحياة فى عصر معين. وإنما وجدنا "مربعا" سماه الانسان وجعله يتكون من الفلسفات المعاصرة للكاتب. والمربع الفلسفى- حتى لو قبلناه جدلا- يظل تعبيرا عن تنوعات فكرية يتميز بها العصر الحديث، دون أن يقفز إلى مستوى تكوينى نوعى مختلف فيشكل الانسان.
5-&إذا كان زكى محمود يرى أن الفلسفة هى نسق موحد لرؤية الكون والمعرفة الانسانية، فكيف يجعل الوجودية والوضعية والبراجماتية مذاهب فلسفية، وهى ذاتها لا تدعى أنها نسق موحد لرؤية الكون والمعرفة.
6-&ماالذى يجعل البحث فيما وراء البناء العلمى هو الميتافيزيقا المشروعة الوحيدة إذا كانت المعتقدات الغيبية ذاتها قد أصبح لها مكانا مشروعا فى فلسفته الجديدة؟.
يقول زكي محمود :
الفكر السوى القوى السليم ، هو أداة للعمل. إذ هو- حتى وهو فى أعلى درجات تجريده- يرسم ما يشبه الخرائط الجغرافية ، فيهتدى العاملون بها فى طرق الحياة العملية.
&ولم يكن صاحبنا(أى زكي محمود ) يتردد فى تصحيح فكره، فليس هو من ذلك الصنف الذى يتوهم بان كرامته تقتضى أن يتمسك بفكرة ثبت له بطلانها. ولم يعد- فيما أصبح يراه ولم يكن يراه قوة عملية تطبيقية فى ظروف جديدة استحدثتها الأيام. ومن هنا قد نجد له فكرة أخلص لها فى عهد من عهوده، ثم تنكر لها فى عهد آخر. وليس فى ذلك ضير، بل الضير فى عكسه. والذى يحسن بالانسان السوى أن يثبت عليه ثباتا نسبيا، هو الغاية البعيدة (وهى ما نصفه اليوم عادة بكلمة " الاستراتيجية" وأما الوسائل التى نراها مؤدية بنا إلى تحقيق تلك الغاية، فيجوز لنا، بل يجب علينا، أن نغيرها كلما وجدنا وسيلة أفضل منها على تحقيق الغاية المقصودة (حصاد السنين ،22-23).
الفكر السوى القوى السليم ، هو أداة للعمل. إذ هو- حتى وهو فى أعلى درجات تجريده- يرسم ما يشبه الخرائط الجغرافية ، فيهتدى العاملون بها فى طرق الحياة العملية.
&ولم يكن صاحبنا(أى زكي محمود ) يتردد فى تصحيح فكره، فليس هو من ذلك الصنف الذى يتوهم بان كرامته تقتضى أن يتمسك بفكرة ثبت له بطلانها. ولم يعد- فيما أصبح يراه ولم يكن يراه قوة عملية تطبيقية فى ظروف جديدة استحدثتها الأيام. ومن هنا قد نجد له فكرة أخلص لها فى عهد من عهوده، ثم تنكر لها فى عهد آخر. وليس فى ذلك ضير، بل الضير فى عكسه. والذى يحسن بالانسان السوى أن يثبت عليه ثباتا نسبيا، هو الغاية البعيدة (وهى ما نصفه اليوم عادة بكلمة " الاستراتيجية" وأما الوسائل التى نراها مؤدية بنا إلى تحقيق تلك الغاية، فيجوز لنا، بل يجب علينا، أن نغيرها كلما وجدنا وسيلة أفضل منها على تحقيق الغاية المقصودة (حصاد السنين ،22-23).
*
&ولعله من الملائم هنا أن نذكر بعض الملاحظات حول خصائص ذلك التحول الفكرى الذى تحدث عنه زكى محمود:
&فأولا، رغم أنه قد ثبت له- فيما يقول- بطلان الفلسفة الوضعية المنطقية إلا أنه لم يبين لنا كيف توصل إلى ذلك البطلان، وماذا بقى من أفكاره التى تنكر لها، خاصة وقد لاحظنا من قبل تسرب بعض الأفكار الأساسية لتلك الفلسفة إلى مرحلته الفكرية الجديدة.
&وثانيا، فهو لم يحدد لنا خصائص الفكرة الجديدة التى أصبح يؤمن بها ولا مبررات ذلك الايمان التى كنا نتوقع أن تكون مبررات فلسفية بالدرجة الأولى حتى تقنعنا بجدارتها بالمكانة التى احتلتها.
&وثالثا، ما هى الاستراتيجية التى ثبت عليها ثباتا نسبيا، كما يفهم من قوله، هل هى الميتافيزيقا المشروعة، هى التى تبحث فيما وراء البناء العلمى، أى التى تتعامل مع أعمق قاع تؤسس عليه العلوم ما تقيمه من قوانين علمية؟ وفى هذه الحالة من الذى يقوم باكتشاف تلك الميتافيزيقا، هل هم العلماء أنفسهم أم الفلاسفة الذين يعملون من خارج البناء العلمى الذى يبحثون فى أعمق قاع تأسس عليه.
&ورابعا، فإننى أتصور أن ثمة فكرتين مرجعيتين تحددان خصائص فكر زكى محمود فى مرحلته الجديدة هما:
1-&المنظور العضوى الوظيفى الذى يرى الكون والانسان والمجتمع كيانا عضويا واحدا، تشكل فيه الوظائف العضوية المختلفة بنية موحدة ونسقا متكاملا.
2-& التفرقة، فى المعرفة، بين السطح والقاع: بحيث أن ما يبدو على السطح الملموس ليس حقيقيا بذاته وإنما يستمد حقيقيته من القاع العميق غير الملموس وغير المرئى.
وكلا الفكرتين تتسمان بغياب الحس التاريخى والحس النقدى للواقع الفعلى الملموس فى مختلف مجالاته.
&*
&على أنه، ورغم كل الملاحظات النقدية السالفة الذكر؛ فقد تميز زكى نجيب محمود كمفكر وكفيلسوف بتوجهه العلمى العقلانى؛ وبالدقة فى استيعاب المفاهيم المختلفة، وبالوضوح فى عرض الأفكار؛ وبالاخلاص للتفكير الفلسفى.
&وقد كان بذلك واحدا من جيل الأساتذة العظام أيا كان تقييمنا لمنحاه الفكرى.
&
التعليقات