"إيلاف"من لندن: تلقت "إيلاف" على البريد الالكتروني من مكتب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير نص المقابلة التي أجريت معه مترجمة إلى اللغة العربية من جانب القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). وفيها أكد رئيس الوزراء البريطاني على أهمية دور العراقيين من السنة، والأعضاء السابقين في حزب البعث في حكم بلادهم، وأكد أنهم لن "يهمشوا أو يستبعدوا".
وأشار بلير إلى ضرورة أن يخضع الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين للمحاكمة داخل العراق إذا توافرت سبل لإجراء محاكمة عادلة له. وذكر أن اللجوء لمحاكمات دولية أمر لا يتم إلا "إذا انعدمت سبل محاكمة المتهمين في البلدان التي ينتمون إليها".
وفي الحديث الذي أجراه حمدي فرج الله، نفى بلير تعرض الرئيس العراقي المعتقل للمهانة أثناء عملية اعتقاله أو حتى من خلال عرض صوره بشكل أثار حفيظة الكثيرين في العالم العربي على التلفزيون.
وقال بلير إنه من المهم جدا ان نثبت للعراقيين أن صدام قبض عليه ليرى الناس انه بالفعل قيد الاعتقال. كما نفى أن يكون قد لقي معاملة سيئة، ورفض الإيحاءات التي أشارت إلى أنه يلقى معاملة سيئة بشكل متعمد، لأنه عربي أو مسلم، مشيرا إلى أن الصراع في العراق ليس صراعا بين العالم الغربي والعالم الإسلامي أو العالم العربي، مضيفا "إن ضحايا صدام كانوا مسلمين".
وعن أسلحة الدمار الشامل، أعرب بلير عن ثقته في أن تلك الأسلحة موجودة رغم تصريحات هانز بليكس، وأكد أن صهري الرئيس العراقي المعتقل ، اللذين فرا خارج البلاد، قد كشفا النقاب عن وجود برامج الأسلحة.
وفيما يلى نص المقابلة الكامل كما أرسلها مكتب رئيس الوزراء البريطاني إلى "إيلاف"
* علم أن الرئيس الأمريكي قال إن صدام حسين سيمثل أمام محكمة عادلة، حرم منها طويلا الشعب العراقي، غير أننا استمعنا أيضا إلي تصريحات من أعضاء في مجلس الحكم والحكومة العراقية تعرب عن الرغبة في إعدامه، ما هي الضمانات التي تقدمها إلى المستمع العربي بان الرئيس السابق سيحاكم محاكمة عادلة؟
- من المهم أن نطبق المبادئ التي طبقناها دائما في مثل هذه الظروف وخلافا لبعض ما يقال، لا نحاكم الناس في محاكم دولية، إلا إذا انعدمت المحاكم اللازمة لمحاكمتهم في بلدهم. وإذا تمكن العراقيون من تشكيل محكمة خاصة صحيحة ونزيهة، فيجب أن يترك الأمر للعراقيين أنفسهم، وأعتقد أنه لا ينبغي معاملة العراق معاملة مختلفة عن غيره في هذا الصدد.
* المنتقدون يتساءلون: لماذا تصلح المحاكمة الدولية لكل من الكونغو ويوغوسلافيا ولا تصلح لصدام حسين؟
- بالنسبة لميلوسوفيتش فإن الكثير من القضايا التي حوكم بشأنها كان يقع خارج اختصاص المحاكم الصربية. فبالنسبة لمحكمة الجرائم الدولية التي يشير الناس إليها فهي مختصة بجرائم حدثت بعد إنشائها. أما هنا فإنه طالما تبلور لدى العراقيين نظام قضائي مناسب، لا ينبغي أن يعامل العراق بمعاملة تختلف عن غيره في هذا المجال.
* لقد أعربتم انتم شخصيا، وكذلك الأمريكيون عن انتقادات لعرض صور أسرى الحرب من الائتلاف خلال الحرب على شاشات التلفزيونات العربية، رغم أن كثيرين من العرب أعربوا عن ابتهاجهم بعرضها، إلا أن قطاعا كبيرا أبدى استياء من عرضها على هذا النحو. دعني أقرأ لك إحدى الرسائل التي وصلت لموقعنا العربي: المساهم يقول "إن هذه إهانة كبيرة للعرب. الفرحون يجب أن يسألوا أنفسهم لماذا يعامل صدام على نحو يختلف عن ميلوسوفتش. نعم إنه ارتكب أخطاء فادحة ولكن عرض صوره بعد اعتقاله يعد إهانة لكل المسلمين".
- بادئ ذي بدء فإنه من المهم أن نثبت للناس أن من اعتقل هو صدام نفسه، و لم تسأ، ولن تساء معاملته بصرف النظر عما فعل. الأمر الثاني والمهم هو أننا نتمنى أن نكون قد انتهينا من الجدل الذي يتمحور حول أن ما يحدث في العراق هو نوع من الصراع بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، أو العالم المسيحي والعالم الإسلامي، أو العالم الغربي والعالم العربي. فالواقع هو أن ضحايا صدام كانوا مسلمين، وأن المستفيدين من تحرير العراق من صدام هم أيضا مسلمون، وأن العراق سيديره مسلمون. في نهاية المطاف.... سيديره الشعب العراقي. يمكنكم أن توجهوا لنا الانتقاد بالنسبة للموقف في العراق أو موقفنا بالنسبة لصدام حسين. ولكن لماذا يربط ذلك بالدين. لا علاقة لذلك بالدين. عندما أخرجنا قوات ميلوسوفيتش من كوسوفو ومن ثم أزيح عن السلطة، فإن أهل كوسوفو المنحدرين من أصل ألباني مسلمون. وقد ذهبت القوات البريطانية إلى هناك لحمايتهم. ومهما كان اختلافنا لا ينبغي تغليف المسألة بغلاف ديني، لأنه في الواقع ليست كذلك.
* ربما أمسكتم بالرجل نفسه، برأس النظام السابق، غير أن الهدف الأساسي لشن الحرب هو أسلحة الدمار الشامل. هانز بلكس نفسه قال بالأمس فقط إنه لا توجد أدلة حتى الآن على وجودها. هل أنت قلق لعدم العثور على أى من أسلحة الدمار الشامل حتى الآن؟
- أود أن تكمل مجموعة مسح العراق مهمتها، وتعثر على أي أسلحة لدى صدام. لأنه مما لا شك فيه أنه كانت لديه تلك الأسلحة. وعندما قال هانز بليكس إنه لا توجد أدلة مادية، فصحيح أنه لم تكن هناك أدلة مادية على وجود تلك الأسلحة على مدى سنوات في أوائل التسعينيات. لكننا لم نكتشف وجود برنامج لتلك الأسلحة إلا بعد هروب صهريه إلى الأردن بعد ذلك. ولذا فمن الطبيعي أن نبحث عنها. وإنني أقول لك ببساطة أنه لا شك أنه كانت بحوزته تلك الأسلحة، وقد استخدمها ضد شعبه، وتشير الدلائل التي عثر عليها حتى الآن على وجود عمليات سرية. ويصعب على المرء تصديق وجود مثل هذه العمليات دون هدف لاستخدامها، وأن الهدف هو إخفاء تلك الأسلحة.
* اسمح لي إذن أن اسأل: هل مازلت على قناعة بإمكانية العثور عليها ؟
- كلي ثقة بأن مجموعة المسح التي تعمل في العراق ستعثر على أدلة تثبت ذلك، وأنه كانت لديه تلك الأسلحة، ولا شك في ذلك إطلاقا.
* ربما قبض الأمريكيون على صدام، وربما كانوا يتمتعون بسيطرة قوية على الأرض. لكنهم أخفقوا في الفوز بتأييد وتعاطف الشعب العراقي. بالنظر إلى النجاح النسبي الذي حققه البريطانيون في الجنوب وتجاربهم الماضية في الشرق الأوسط، ما هي النصيحة التي تسديها للأمريكيين لكسب التأييد الكامل للشعب العراقي ؟
- الوضع في جنوب العراق مختلف وكان أسهل منه في بغداد. وذلك لأن غالبية الجنوب من الشيعة، وهؤلاء عانوا كثيرا في ظل حكم صدام. أما في بغداد فالمسألة مختلفة، ومن المهم جدا أن نوجه رسالة قوية، إلى السنة في العراق بأن لهم مكانا في الوضع الجديد في العراق، وأنهم لن يستبعدوا، وأنه يجب تمثيل جميع العراقيين في العراق، على اختلاف مشاربهم. صحيح أنه كان من بين أعضاء حزب البعث من انتمى قسرا لا عن رغبة وعلينا أن نمد إليهم يدنا. والمهم هنا أن لدينا هدفا مشتركا نحن والعراقيون. وكل ما نريده أن يقف العراق على قدميه كدولة ديمقراطية مزدهرة. لن نمكث في العراق لحظة واحدة أكثر مما ينبغي، حالما نساعد العراقيين على تحقيق هذا الهدف. وإنني متأكد أن العراقيين أنفسهم يريدون ذلك أيضا. ولقد أصبح في إمكانهم بعد زوال حكم صدام استعمال شبكة الإنترنت. وقد بدأ المدرسون في الحصول على رواتب مناسبة، وكذلك الموظفون. كما زادت معدلات إمدادات المياه والكهرباء، ويجري تنفيذ سبعة عشر ألف مشروع إنشائي، يصرف عليها من حساب خاص بالأمم المتحدة. ويصرف منه لصالح الشعب العراقي، وما ينبغي التأكيد عليه هنا أن ثمة هدفا مشتركا يجمعنا مع العراقيين والأمريكيين، هدفا مشتركا في نهاية المطاف، يتمثل في وجود عراق مزدهر يكون دلالة للعالم أجمع. وهذا ما يدحض الكذب بأننا ذهبنا للعراق طمعا في النفط وسرقته، أو لأننا ذهبنا بدافع حرب استعمارية، لقد ذهبنا إلى هناك إيمانا منا بأن صدام يشكل خطرا، على المنطقة وعلى العالم، وعلى شعبه، ونعتقد أن العالم أصبح مكانا أفضل بدونه.
* السيد رئيس الوزراء قلت مرارا إنك ترغب في رؤية العراق وهو مزدهر بتمتع بفوائد الديموقراطية. في ضؤ تجربتكم أنتم والأمريكيون في العراق، هل تعتقد أنها تشكل أساسا جيدا للتطبيق في مناطق أخرى من الشرق الأوسط؟
- آمل أن ينتقل الشرق الأوسط إلى مزيد من الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وحكم القانون. وهذا أفضل سبيل للعيش. وخلافا لبعض الدعايات في ما يتعلق بالقيم الغربية، إلا أن الواقع يؤكد أنها تدعو لأن يتمتع الجميع بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان، وحرية انتقاد حكوماتهم، والحرية في اختيار الحكومات وتغييرها، وأن يكون لديها نظام قضائي، لا يحابي أحدا، ويضمن الحقوق، ويكفل وجود نظام شرطة، وهذه الأشياء التي يريدها الناس في كل مكان. وآمل أن يتجه الشرق الأوسط برمته نحو ذلك، وتلك هي خير وسيلة لتوفير السلام والاستقرار، و ذلك لن يتحقق بالوسائل العسكرية، بل بالأفكار والقناعات الذاتية.
* أخيرا ... نعلم أن السنة الماضية لم تكن سهلة بالنسبة لك شخصيا. لو عاد الزمن إلى الوراء هل كنت ستتصرف على نحو مختلف في هذه القضية ؟
- لا، لأنني عندما أنظر اليوم إلى ما حدث في العراق، فبالرغم من الصعوبات ومن وجود إرهابيين ومتعاطفين مع صدام، إلا أنني تلقيت رسائل من العراق في مناسبة عيد الفطر. وبالأمس التقيت بعراقيين وبعضهم كان في العراق، وبعضهم من اللاجئين العراقيين هنا، حيث يوجد مئات الآلاف من العراقيين، رأيتهم مبتهجين بالحرية التي تحققت للعراق، وهذا خير ما يثبت صحة الخط الذي انتهجته، أعتقد أن ثمة شيئا آخر يحدث حاليا على الصعيد العالمي، لقد مضى العهد الذي كان العالم يقف فيه متفرجا على معاناة الشعوب، فالمجتمع الدولي اليوم يعمل بشكل متكامل، للتغلب على تلك المعاناة التي ليس لها مكان في القرن الواحد والعشرين. يجب مراعاة هذا المبدأ في كل مكان، وعلى المجتمع الدولي أن يطبقه.
التعليقات