تركي الدخيل
&

الصورة التي تقترب لذهني عندما أسمع كلمة " معارضة " هي على الدوام صورة حسين علي منتظري رجل الدين الإيراني الذي تخطى الثمانين. منتظري الذي يعد من رجال الدين الشيعة القلائل الذين يحملون لقب آية الله العظمى، معارض معروف وقوي لنظام الحكم في بلاده، إذ سبق له أن لوحق وسجن وتعرض للتعذيب خلال حكم الشاه بسبب علاقاته الوثيقة مع الخميني زعيم الثورة الإسلامية في إيران، وبعد الثورة التي قامت في العام 1979 أيضا فرض على منتظري الإقامة الجبرية لمدة خمسة أعوام لانتقاده العلني لمرشد الثورة الحالي الذي خلف الخميني، قبل أن يطلق سراح منتظري في وقت سابق من العام الماضي. المعارض الأكثر شهرة في إيران يواصل كل يوم انتقاداته للسلطة أيا كانت، آخرها ما يتعلق بالقيود المفروضة على المواطنين.
اختار الخميني منتظري لخلافته أيام الصفاء، ووصفه بأنه "ثمرة حياتي"، والآن يقول منتظري إن "هذا البلد وهذه الثورة ملك للشعب و المسؤولين خدامهم، وإذا راجع المسؤولين سلوكهم فان الأمور ستصبح على ما يرام"، كما انتقد النظام القضائي كثيرا ووجه اتهامات للمحاكم الإيرانية.
واضح أن منتظري في صف الشعب دائما وضد السلطة، وهذا جميل من الناحية النظرية، إلا أن منتظري لم يجرب يوما أن ينزل إلى الميدان ويتخلى عن مقعد المتفرج الذي أمضى فيه ثمانين عاما ليرى إن كان بالإمكان تطبيق النظرية على أرض الواقع !
البحر جميل إذا نظرت إليه من الشاطئ، وأولئك الذين هم في موقع المسؤولية اليوم يخوضون غمار البحر وتقلبات ريحه وعلو أمواجه، يرون العالم من زاوية مختلفة، تبتعد كثيرا عن زاوية من هم في خانة النقد والمعارضة.
المعارضون يبيعون في الواقع سلعا معلبة لمنتجات الكلام، هذا الكلام يتبخر ساعة التطبيق. إن كان في العمر بقية للشيخ منتظري ليخرج من عباءة الاعتراض يوما ويحمل على كتفيه ثقل مسؤولية ما في جهاز الحكم، فإن الفرصة سانحة ليثبت أنه كان على حق في كل ما قاله، وأنه ربما المعارض الوحيد الذي لم يتغير عندما تسلم سلطة الحكم.