حسن المصطفى



&السقوط الذليل للطاغية صدام حسين على يد الأمريكان، لم يكن سقوطا للطاغية وحسب، بل كان سقوطا لما تبقى من أقنعة، وشعارات، وأدلجات يُروج لها، ويُقدمها أصحابها باسم الطليعية، واليسار، والقومية، والعروبة، والإسلام، ومحاربة الإمبريالية، والنهوض بالحال العربي، ومحاربة الديكتاتوريات، فيما هي تكشف عن حقيقتها الكامنة، بوصفها أحد جذور الاستبداد في الوطنين العربي والإسلامي، وبيئة خصبة ودائمة لتفريخ الدكتاتوريات المتعاقبة.
&سقوط الطاغية صدام، أبان سوءة المثقفين، وكشف عن شخصيتهم المشوهة بل "المسخ" المعبأة بالطائفية، والجشع، والإقصاء، والكراهية، بحيث يتساءل المستمع لخطاباتهم عن السبب الذي يدعوهم لكل هذا الاستبسال في الدفاع عن الطاغية، وما حقيقة هذا الدفاع، وما المصلحة منه!.
&سابقا يمكن أن يُفهم سبب هذا الدفاع الذي قد يكون صادرا عن استرزاق أو تبعية سياسية أو فكرية أو حزبية، أو خوفا من بطش النظام البعثي، أو تحالفا معه لمصالح مشتركة بين الطرفين، أو من باب الدفاع عن العراق المحاصر والشعب العراقي لا صدام حسين كما كان يروج البعض. أما اليوم وبعد أن سقط الطاغية، وذهب ذليلا، وبعد أن تحرر الشعب العراقي من طغيانه، وبعد أن أصبح حزب "البعث" ورقة محروقة لا مصلحة ترتجى من ورائه، فما هو السبب المقنع للدفاع عن الطاغية!.
&البعض يضع قوات الاحتلال الأمريكي شماعة يعلق عليها ممارساته المشينة ودفاعه غير المبرر، والبعض الآخر يزعم أنه لا يدافع عن صدام حسين الشخص، بل عن صدام الرمز، رمز العروبة وحصنها الحصين، وجدارها الأخير أمام إسرائيل وأمريكا، فيما هي بكلها مبررات لا ترقى للإقناع، بل تنبئ عن ما يمارس أصحابها من مزايدة ودجل وكذب باسم العروبة والإسلام.
&إذا كان هؤلاء المثقفون يبحثون عن مصلحة الوطن العربي، والإنسان العربي، ويريدون طرد المحتل من العراق وفلسطين، فعليهم أن يكفوا عن ترويج الطائفية والحقد المذهبي، ويكفوا عن ترويج ثقافة الموت والبطش، ويعملوا بجدية ضمن برنامج مضاد ومقاوم بطريقة سلمية وعقلانية داعمة للشعبين العراقي والفلسطيني، وعليهم أن لا يخلطوا الأوراق العراقية والفلسطينية، لأن الحالتين والظرفين والبلدين مختلفين.
&إن إعادة صناعة الطاغية، هي إعادة صنع الكراهية بطريقة بشعة، ستجعل الشعب العراقي يحقد على المثقفين العرب والجماهير العربية، لأن الدفاع عن الجلاد معناه هجاء الضحية. وتبرير مجازر صدام حسين، معناه شرعنة أفعاله، وإصدار صك براءة لكل ما قام به من جرائم ومقابر جماعية لا غبار على دمويتها وعدم شرعيتها.
&ما يخجل له الإنسان، وما يمثل قمة التناقض والمسخ العربي هو إنبراء مجموعة من المحامين العرب للدفاع عن الطاغية وإثبات براءته!، بدلا من الانبراء لإعداد ملف قضائي لإدانته، وبدلا من طلب إنزال حكم الإعدام به، لما ارتكب من جرائم بشعة.
&هو ذا الاستبداد يعيد خلق نفسه في أبشع أشكاله، والمرض الذي شخصه الكواكبي منذ عشرات السنين يستفحل من جديد وكأنه ورم سرطاني لا شفاء منه. الغريب أن المريض هذه المرة يزيد في مرضه ويجلب لذاته الداء، بدلا من طلب العلاج والعافية!. هنيئا لكم سرطانكم المستشري أيها المثقفون/المسخ، وموتا هنيئا نرقبه لكم، موت تختارونه أنتم بأنفسكم، دون الحاجة لطاغية يقبركم، ففيكم من الطغيان والاستبداد والحقد ما يكفي لقبر أمةٍ بكاملها.