&
ان خطر الارهاب يتهدد الجميع لا يفرق بين مذنب وبريء، ولا بين عدو وصديق، ولا بين كبير وصغير، فهو ظلامي الفكر عشوائي الاتجاه ينطلق من مجهول الى اي مكان، من ارهاب الطرد الملغوم الموجه الى رئيس تحرير صحيفة "السياسة" الكويتية احمد الجارالله الى الاعتداء على الرتل الاميركي اخيرا.
لقد ابتليت الشعوب العربية بأنظمة حكم تؤمن بالاقصاء السياسي وضعف الحريات السياسية وانعدام المشاركة السياسية الحقيقية، مما ادى الى الاقصاء والتهميش وفتح المجال امام المؤسسات الحكومية للتلاعب في الفضاء السياسي، كما تشاء من اجل خدمة حفنة من اصحاب النفوذ وقوى الفساد، ومع تفشي الفقر والجهل وفشل المشاريع التنموية وازدياد الفجوة الطبقية من غنى الاغنياء وفقر الفقراء وتفشي امراض اجتماعية خطيرة، قضت على مفهوم الاسرة والعائلة والتلاحم الاجتماعي، وشجعت الواسطة والمحسوبية وتجاوز القوانين، مما هيأ الظروف لظهور جيل من الشباب حاقد على المجتمع وعلى الدولة والسلطة ومختلف مؤسساتها، جيل مهيأ للعنف والتطرف واقصاء الآخر.
فالشباب الجامعي المهمش في معظم دول العالم الثالث فقد كل امل في الحياة، إذ أنه يجد صعوبة في الحصول على فرصة عمل، ولذلك لا يستطيع الحلم بمسكن ولا بحياة كريمة ولا بحياة زوجية ليصبح بعدها فريسة للعقلية الارهابية، التي تؤكد على رفض ما هو موجود في المجتمع والثورة عليه، وتتسم بالكراهية والحقد والانكار الاخلاقي لكل القيم. وما زاد في تعقيد الظاهرة وتشابك اطرافها استعمال الارهاب من قبل بعض من يتسترون وراء الدين، ويؤكدون على رؤية كل شيء من منظار ديني، لكن من دون تقديم مشروع متكامل لمعالجة القضايا وبناء المجتمع لأن هذه الفئة لا تؤمن بالدولة الراهنة، ولا بمؤسساتها ولا بسلطتها، وهذا ما دفع بها للقيام بعمليات ارهابية ضد الدولة ومؤسساتها المختلفة، وكل رموزها، وبعد ذلك ضد افراد المجتمع. فالمضمون الفكري لهؤلاء الارهابيين يفتقد الى البعد الانساني في العقيدة الاسلامية مما فصلهم عن الزمن وحولهم اداة هدم للكيان الاجتماعي. فهم امتداد فكري ينشغل بالعموميات وجملة من الحدود، ويرفض كل تصور للحياة ما دام يقارب النمط الغربي الى درجة انكار بعض القيم المتصلة بالحرية والديموقراطية. انه تيار فكري متطرف وجد منذ الحضارة الاسلامية، يعتبر الزمن لعنة لانه يسهم في ابعاد المسلم تدريجيا عن تلك الحالة المثلى التي تحققت له زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، على الرغم من ان هذه الحالة المثلى تبعتها مباشرة حالة انشق فيها المسلمون باغتيال 3 من الخلفاء الراشدين. وهكذا اصبح الخطاب الثقافي للمنظمات الارهابية المتطرفة يعكس عدة اتجاهات متناحرة ومتناقضة تتمثل فيها مختلف التيارات الايديولوجية والعقائدية لا تؤمن ببعضها البعض، وكل واحد منهم يعمل على اقصاء من يختلف معهم سياسيا او فكريا بشتى الطرق والوسائل، لان المراجع الدينية الفكرية التي تعتمدها تقوم على تكفير الآخرين، والاهداف التي رسمتها لنفسها انقلابية بطبعها في ظل غياب المؤسسة الاسلامية التي تشجع الحوار والتسامح والانفتاح على ثقافة الآخرين مما ترك فراغا كبيرا ليصبح بعدها كل من هب ودب يفتي حسب هواياته ومعتقداته ومصالحه الخاصة، ضاربا عرض الحائط بكل من لا يرى العالم كما يراه هو.
التعليقات