داود الحسيني
&
&
&
&
ليس من الجديد البحث في أصل الحقائق فلا زال الجدل مُثارا حول اصل الإنسان وهل ان البيضة من الدجاجة او الدجاجة من البيضة!! فالتفكير لا يتوقف عند حدود معينة او خطوط حمراء وزرقاء.. وفي مقاربتي حول مفهوم ثقافة الإنسان قبل ثقافة البنيان وهي مشاهدات وقراءة لبعض الأحداث ليست متكأة على فلسفات غربية أو منطلقات مؤدلجة.. وهي تعبر عن انفصام في شخصية الفرد العربي أو المنحدر من العالم الثالث عالم الخرافات والإرهاب والفقر كما يصفه بعض المتجنيين الأجانب.. ففي بعض دول الخليج مثلا شاعت ثقافة العمران فأنت& تتنفس الصعداء وانت ترى العمارات الشاهقة ومراكز التسوق العصرية والمشافي الحديثة ويصدمك أن الرجل الخليجي ما زال متخلفاً ثقافياً عن هذا العمران.. تنتهبه العادات البدوية والقبلية وتأكله وساوس الجاهلية وتوجهاتها.. ويرفض أن تكون المرأة إنسانة لها نفس الحقوق ويعتبر مشاركتها في الإنتخابات مخالفة للعرف المجتمعي ولتعاليم الدين الإسلامي وقيادتها للسيارة بدعة وضلالة تسوقه وتسوقها الى النار.. وهنا في الغرب الكافر أو الصليبي كما يحلو لحاملي الفكر الإنتقامي المتقوقع على فلسفات ظلامية لا تعتبر الأنسان ( أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) وهي فلسفات جرحت عذرية الدين الحنيف دين الرحمة والمساواة وأعطت لأعدائه الفرصة في محاربته داخليا وخارجيا.. في هذا الغرب تجد ثقافة البشر تتناغم مع ثقافة الإعمار فعلى سبيل المقارنة& تجد الغرف في مشافي الإطفال والكبار تمتلئ بالمواد الطبية والمناشف الورقية و(حفاظات) الأطفال وجميع ما يحتاجه المريض ومرافقه بدأ من معجون الحلاقة الى فرش الأسنان لا يمنعك مانع من استعمالها.. وتجد الإنسان الغربي يستعملها بتقنين عجيب.. لايفرط بها ولا يأخذ منها شيئا الى بيته و تشاهده حين يستعمل جهاز القهوة مثلا يضع اجرة استعماله دون رقيب وحسيب ويبهظني أن أرى أبناء جلدتي من العالم الثالث يستعملون تلك المواد بعقلية تخريبية ويحمل معه حينما يخرج& الكثير منها وبعضه قد لا يحتاجه او لا يعرف طريقة استعماله... هل هناك فرقاً بين عقلية ذلك الغربي الغيور على حاجات الدولة وكأنه في بيته و عقلية المواطن العربي او الشرقي وهو يعتقد إن الممتلكات العامة هي للدولة التي يجب أن يساهم في تدميرها و إضعافها بالنهاية وهي تصورات نفسية مريضة..فالمرافق العامة ممتلكات الشعب والجميع وليس ملكا لرئيس او نظام حاكم.. سألتُ طبيبة اسكندنافية وقد جاء وقت تناول وجبات الأكل فاستأذنتْ بالذهاب الى كافتريا المشفى لتناول الغذاء.. قلت لها: الأكل هنا كثير ومتنوع لماذا لا تأكلين وانت في عملك (خافرة) فأجابتني إن هذا& حق المرضى لا يجوز لأي طبيب أو مستخدم& التجاوز والأكل منه
فأخذني الخيال الى مشافينا والعاملين فيها وهم يشاركون المريض في أكله وشربه.. نحن بحاجة الى تثقيف الإنسان العربي قبل أن نبني له قصرا يروث فيه ويجعله سجنا لنفسه وحريمه ومثارا لتكبره واستعلائه على فقراء قومه..& المرافق العامة في بلداننا تتعرض للنهب المنظم& من العاملين فيها والمراجعين.. لا أريد أن أتهم الجميع فهناك عقول عربية ومجتمعات مثقفة ولكنني أشيرُ الى سلبيّات واقعية علينا تشخيصها لمعلاجتها.. والعراق وهو مقبل على ثورة عمرانية& لبناء ما دمره النظام النازي البائد
من بنى تحتية وفوقية.. لابد للمخططين أن ينتبهوا الى العمل على اطلاق ثورة ثقافية موازية لعملية البناء.. ليكون ما يقومون به من جهدٍ& مثمراً ومجدياً... فأكوام الخرسانة لوحدها لا تصنع الإنسان العراقي الجديد.