&
*ليبيا ليست ملكا للقذافي وأبنائه وعشيرته ليتحكموا بمصيرها
"إيلاف" من لندن: قال المعارض الليبي المقيم في العاصمة البريطانية عاشور الشامس في حديث لـ"إيلاف" أن الإتفاق الذي أعلن عليه بصورة مفاجئة ودرامية بين كل العقيد معمر القذافي والرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير حول التخلص مما يوصف بـ"أسلحة الدمار الشامل الليبية" هو صفقة استخبارية بدوافع ولأغراض سياسية.
وقال أن بوش وبلير في حاجة ماسة لتسجيل "نصر كبير" في هذا المجال بعد اعتراف حكومتيهما بإخفاقهما في العثور على هذه الأسلحة في العراق. وهما حريصان على تقديم برهان مادي على نجاح سياسة "العصا والجزرة" في التعامل مع الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة.
واضاف "أما بالنسبة للقذافي فقد ظل منذ تسليمه للمتهمين في تفجير لوكربي في أبريل/نيسان 1999 واعترافه المعلن بشرعية الهيمنة الأمريكية في المنطقة العربية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.. وما تلا ذلك من اعتراف بالمسؤولية على التفجير وتقديمه تعويضات مالية هائلة لأسر الضحايا.. ثم إدارة ظهره للجامعة العربية والقضايا العربية، وطرحه لمشروع "إسراطين" الذي ينطوي على اعتراف "مقنع" بدولة إسرائيل.".
وتابع الشامس وهو أحد قياديي الجبهة الوطنية لتحرير ليبيا وهي حركة سياسية انشئت في الخارج بهدف إجراء تغيير سلمي للحكم في ليبيا "ولقد ظل القذافي يسعى لخطب ود الولايات المتحدة بكل الوسائل وأبدى مرونة أدهشت كل المراقبين، وربما الأمريكان أنفسهم. وها هو اليوم يدعو سوريا وإيران وكوريا الشمالية للإمتثال للمطالب الأميركية والإنصياع ـ كما فعل هو ـ لسياسة أمريكا الجديدة في العالم".
واشار المعارض الليبي الذي يشرف أيضا على موقع (أخبار ليبيا) على شبكة الإنترنيت إلى أنه بعد 11 سبتمبر طرح بوش السؤال: معنا أم ضدنا؟! وكان القذافي أول من أجاب: "نحن معكم على طول الخط"!! كما أن العقيد استوعب الدرس العراقي استيعابا كاملا، وأفلحت سياسة أميركا القائمة على "العصا والجزرة" نجاحا باهرا في الحالتين.
أضف الى ذلك أن الذي أدار التفاوض من الجانب الليبي حول تسوية لوكربي والأسلحة المحرمة لم يكن رجل دولة أو مسؤول منتخب أو "مصعد" حسب تعبير القذافي. ولا يمتلك أي صفة سياسية أو رسمية في الدولة. بل هو رجل استخبارات معروف متورط تورطا مباشرا في القمع والتصفيات الجسدية لمعارضين الليبيين في الداخل والخارج، ومن أبرز العناصر الإرهابية في النظام الليبي، وهو العقل المدبر في تفجير طائرة الركاب الفرنسية وطائرة لوكربي. وهو موسى كوسا المطرود من بريطانيا عام 1980 والمطلوب في فرنسا وبريطانيا منذ ذلك الحين لضلوعه في تخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية.
وقال الشامس والصفقة (رغم أنها تخلص ليبيا من أسلحة فتاكة تشكل خطرا كبيرا على الشعب الليبي، وهذا أمر محمود) تمت بين طرفين غير متكافئين إطلاقا، ولا تخدم مصالح ليبيا كدولة وتأتي مقابل ثمن باهظ جدا يستقطع من سيادة الدولة الليبية وهيبتها ومستقبلها، كما أنها تمهد الطريق لمزيد من الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
ونبه المعارض الليبي على أن هم العقيد القذافي الأول هو كسب الوقت والمزيد من عوامل البقاء والإستمرار في السلطة بعد أن أدين نظامه قانونيا وسياسيا ودوليا بتورطه في الإرهاب الرسمي وإصراره على اتباع سياسات استبدادية وقمعية تجاه شعبه وأبناء بلده، "ومما يؤكد أنها صفقة سياسية انتهازية فوقية من قبل الأطراف الثلاثة أنها لم تأت نتيجة لقرار من أي هيئة رسمية أو تشريعية في الدولة. فلم يكن للحكومة ولا لمؤتمر الشعب العام ولا للمؤتمرات الشعبية أو مؤسسات صنع القرار في ليبيا أي دور أو رأي فيها".
وتابع القول "وهكذا يسقط العقيد القذافي مرة أخرى في موازين المباديء والولاء لبلده ولشعبه ولقضايا الأمة العربية بشكل عام. وهكذا يصبح "وكيلا" أو "عميلا" يؤيد السياسة الأمريكية في المنطقة والعالم ويروج لها علنا"، ويتوقع أن يكون للتحالف الجديد بين واشنطن والقذافي نتائج وخيمة وسلبية على التوازنات في المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية ولعل جمهورية مصر العربية ستكون أكبر متضرر من هذا التحالف.

مسألة حقوق الانسان
وتحدث عاشور الشامس "وهو إعلامي سبق له أن عمل في مؤسسات إعلامية عربية وبريطانية لسنين عديدة" أن لسجل الليبي في مجال حقوق الإنسان هو من أسوأ السجلات في الوطن العربي. فلم تعرف ليبيا منذ عهد الاحتلال الإيطالي الإعدامات في الميادين والشوارع وساحات الجامعات إلا في عهد العقيد القذافي. فقد أعدم علنا في ليبيا منذ استيلاء العقيد على السلطة عام 1969 ما يزيد عن 80 مواطنا بتهم سياسية مختلفة.
وقال أن حكم العقيد القذافي نفذ تصفيات جسدية بالمئات من السجناء السياسيين داخل السجون. ويبلغ عدد المفقودين في ليبيا اليوم أكثر من 1500 مواطن، لا توجد أي معلومات عنهم، كما غيب نظام القذافي تغييبا قسريا ما يقرب من 30 شخصية ليبية لأسباب ساسية على رأسها وزير الخارجية السابق والناشط الحقوقي المعروف الأستاذ منصور رشيد الكيخيا.
وفي عام 1980 أطلق العقيد القذافي في خطاب عام، وبقرار من "اللجان الثورية" التي تعتبر بمثابة الحزب الحاكم في ليبيا، حملة رسمية "للتصفية الجسدية لأعداء الثورة" استهدفت بالاغتيال عددا من المعارضين البارزين خارج ليبيا وسقط ضحيتها أكثر من عشرين مواطنا ليبيا قتلوا في عواصم أوروبية. وكان على رأس هذه الحملة موسى كوسا رجل الإستخبارت الأميركية في نظام العقيد، وعديل العقيد القذافي عبدالله السنوسي الذي يعاني اليوم من داء عضال في الكبد.
وقال الشامس "والأدهى من ذلك وأمر أن النظام سن قوانين تؤسس للانتهاك وتشرع للظلم وتبرر استلاب الأموال والحقوق والعقوبات الجماعية، وتحرم النشاط السياسي والعمل التجاري الحر، وتحد من الحريات العامة".
وأضاف القول "وفي يونيو/حزيران 1996 شهد أكبر وأسوأ سجن سياسي في ليبيا وهو سجن "بوسليم" جنوبي طرابلس العاصمة هجوما مسلحا شنته قوات الأمن ضد السجناء السياسيين الذي طالبوا بتحسين أوضاعهم المعيشية والصحية في السجن. فدكت قوات الأمن المعابر بالقنابل والمدافع ويقدر عدد ضحايا تلك المذبحة بما لا يقل عن 1300 سجين"، ورغم اعتراف النظام بالحادثة لم يزل يتستر على تفاصيلها ويخفي حقائقها. ولا تعرف غالبية أسر الضحايا شيئا عن مصيرهم حتى اليوم.
وأشار المعارض الليبي إلى أن الممارسات "الثورية" المعتمدة رسميا في الجماهيرية استلاب أموال المواطنين الخاصة والإستيلاء على بيوتهم وتجارتهم وأراضيهم وحرمانهم من العمل والكسب الحلال. وهكذا أصبح ـ وباعتراف النظام ـ أكثر من 19% من العائلات الليبية يرزح تحت خط الفقر في دولة يقدر دخلها السنوي من النفط ما لا يقل عن 15 مليار دولار.
لم تعد القضية في ليبيا صراعا سياسيا على السلطة ولكنها تكاد أن تتحول الى كارثة إنسانية، ضحيتها الأولى الإنسان الليبي. ثلاثون عاما من التجارب الطفولية والممارسات العشوائية والتخبط الإقتصادي والتنموي على يد تجربة العقيد القذافي دمرت معظم مقومات المجتمع المدني في ليبيا. ولذا فإن "منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية" يتبنى كل وسائل العمل المدني والضغط السلمي والتنمية الإجتماعية والثقافية والإنسانية من أجل ترميم المجتمع المدني في ليبيا واستعادة هيبته ودوره ومؤسساته.
لا شروط ديموقراطية
وحول ما إذا كانت هنالك شروط بريطانية أميركية على طرابلس للشروع بانتهاج الديموقراطية قال عاشور الشامس "
حسب علمي لم تكن هناك أي شروط بريطانية أو أميركية تطالب العقيد القذافي بتخفيف القبضة الأمنية في البلاد أو بإطلاق الحريات العامة أو فتح المجال لأي تحولات جذرية حقيقية في اتجاه الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والإنفتاح الإقتصادي"، فالنظام الليبي لا يزال مصرا على الإستفراد بالسلطة واحتكار السيطرة على مقدرات البلاد وثروتها وصناعة القرار فيها، وهو يهيمن على كل شيء، ولا يسمح بأي نشاط سياسي أو ثقافي أو حقوقي أو فكري خارج دائرة فكر "قائد الثورة" و "الكتاب الأخضر"!!
وقال "الذي نراه أن تقف القوى المناصرة للديمقراطية وحقوق الإنسان إلى جانب النخب الليبية التي تنادي بهذه المبادئ وتفسح لها المجال للتعبير عن آرائها وطرح أفكارها وإيصالها إلى العالم. وعليها أن تضغط على النظام الليبي بكل الوسائل في اتجاه تحقيق إنفراج أمني وانفتاح اقتصادي وإصلاحات سياسية حقيقية تضمن حقوق الناس وحرياتهم".
دور المعارضة الليبية
وردا على سؤال حول وضع المعارضة الليبية، قال المعارض الليبي "في الساحة اليوم نخب ليبية معارضة متعددة الطرح والوسائل. هناك من ينادي بالإطاحة بالنظام بالقوة، وهناك من يجد المبرر لتدخل قوى دولية (أميركا) من أجل تغيير النظام، وهناك من ينادي بالتغيير بوسائل الحوار والعمل السلمي وإحياء مؤسسات المجتمع المدني التي قضي عليها النظام وكادت تندثر في المجتمع الليبي".
وأضاف ولكنني أنا مع من يقول أن المعارضة الحقيقية هي تلك التي تعيش وتتحرك داخل البلاد وفي داخل النظام الحاكم ومن داخل المجتمع الليبي نفسه. وأنا على يقين من وجود تيار قوي في الداخل يرفض الممارسات القمعية والأفكار الهدامة والقوانين الجائرة التي يتبناها النظام الحاكم، ويتصدى بأشكال ووسائل متعددة ومختلفة للعناصر المخربة والسياسات العشوائية. أما الأصوات الموجودة في الخارج فما هي إلا رافد لذلك التيار الوطني وجهدها مكمل له.
وأشار إلى أن المعارضة في الداخل تتمثل في مواقف وطنية وفي رفض الرضوخ للسلطة والتحايل على سياساتها وإجراءاتها، بل ويتمثل في السلبية الفعالة ـ إن صح التعبير ـ تجاه ما يتبناه النظام وينادي به، "فلا شك عندي أن الغالبية العظمى ترفض مواقف العقيد القذافي ونظامه ـ مثلا ـ تجاه القضايا العربية، وترفض بالكامل ما يسميه القذافي بكل تهور "التوجه نحو أفريقيا"، ويرفض تبديد ثروة ليبيا وصرف أموالها في المشاريع السياسية والدعاية الفارغة، أو في دعم الجماعات والعمليات الإرهابية من تفجير وقتل وتخريب".
واستطر عاشور الشامس يقول "هذا الرفض واقع ملموس في ليبيا، وهو الذي يمثل المعارضة الحقيقية والفعالة لما يمثله النظام الحاكم. ونحن في الخارج نؤيد هذا التيار وندفع به ونحاول التعبير عن تطلعاته وآماله ومطالبه حيث أنه محروم من الحرية والقدرة على التعبير بحرية عما يريد. ويضم تيار الرفض أو المعارضة هذا شخصيات في جميع مؤسسات الدولة وبين أوساط المثقفين وطلاب الجامعات والأكاديميين وعامة الناس بمختلف مشاربهم".
تطلعات الشعب الليبي
وحول نظرة المعارضة الليبية وكامل الشعب الليبي للمستقبل ، قال الشامس : أنني على يقين أن التغيير الحقيقي هو الذي يجري على أيدي الليبيين المخلصين لوطنهم. وإذا كان ولا بد من التغيير بالدبابة فلا نرضى إلا بأن تكون دبابة ليبية. وأنا ضد التدخل الخارجي في أي شكل أو تحت أي راية أو عنوان. ولا نرضى بأي حماية خارجية.
وقال "إنني أعتقد أن قضيتنا قضية ليبية صرف. وهي شأن داخلي يخصنا نحن الليبيين فقط. وبإمكاننا أن نتخاصم أو نتصالح فيما بيننا بكل رجولة وأصالة ومسؤولية، وأن نتحمل تبعات ذلك مهما كانت. وقد دفعت حركة المعارضة الليبية على مدى العقود الثلاثة الماضية العشرات من الشهداء والمئات من المغيبين والآلاف من السجناء، وما لا يوصف من التشرد والمعاناة. ولكن الوطن أمانة في أعناقنا جميعا ومن واجبنا إنقاذه والمحافظة عليه وعدم التفريط في سيادته ووحدته مهما كانت التضحيات".
ولذلك، يقول الشامس :ومن هنا فإننا نستنكر مواقف العقيد القذافي ونرفض سياساته وتحالفاته ـ القديمة والجديدة ـ التي يقيمها من أجل إطالة عمر نظامه وليس حفاظا على مصلحة الوطن الكبرى. ونعتقد أنها مضرة بالوطن لأنها سياسات وتحالفات يتبناها العقيد وهو مضطر ومجبور، ويدخلها من موقف الضعف ـ بل الإستجداء ـ وليس من موقف القوة. ولذلك فإنا عواقبها ستكون وخيمة ليس على نظامه وحسب بل على ليبيا كدولة وشعب.
شراكة الشعب في الحكم
وطالب حكم العقيد القذافي وأركانه انه أن يقروا بوجود شركاء غيرهم من الليبيين ممن لهم رأي مخالف في الشأن الليبي وعليهم أن يستمعوا إليهم ويتعايشوا معهم. فليبيا ليست ملكا للقذافي وأبنائه وعشيرته ـ أو لأي حزب أو عشيرة أخرى ـ ولكنها وطن كل الليبيين، ولكل منهم نفس الحق في المشاركة السياسية وفي المساهمة في البناء وفي الإستمتاع بخيرات البلاد وثرواتها وفي العيش بأمان ورفاهية داخل حدود الوطن بكل حرية تحت حماية القانون ودولة المؤسسات وفي ظل دستور وطني مجمع عليه.
وفي ختام الحديث قال الشامس "ثورة العقيد أنهكت البلاد ومواردها البشرية والطبيعية، وشردت المواطنين وأفقرتهم، وجرت على الوطن كوارث ومآسي ومعاناة يلمسها كل من يزور ليبيا أو يعيش فيها. وقد تنازل العقيد عن الكثير والكثير لصالح الضغوط والمصالح الأميركية والدولية، وقد آن له أن يتراجع الآن عن الكثير من أفكاره وسياساته لصالح الوطن ومن أجل مصلحة الليبيين".