حجاج حسن ادول
&
&
&
&
تعددت النعوت التي أُطلِقَتْ على قرننا العشرين. والنوبة أطلقت نعتاً على هذا القرن الذي أوشك على الرحيل.. قرن الغرق. فمنذ بدايته عام 1902، عام بناء خزان أسوان، وتتوالى الإغراقات على النوبة. تعلية في 1912عام ثم تعلية في 1932. ثم السد العالي عام 1964، وكل إغراق بتهجير عَرْضي ينتقل النوبيون من قريتهم كلها ويبنون قرية أخرى على سفوح الجبال. وكلما زادت كمية المياه خلف الخزان، كلما أغرقت مساحات أكثر من الزراعات والنخيل والبيوت. أي أن الإغراقات كانت عديدة ومرّات التهجير العَرَضية الجانبية بالتالي.. عديدة. ثم كارثة تهجير السد العالي التي لم تبق ولم تذر. لذلك كان القرن العشرين لدينا هو قرن الغرق.
بداية تهجير النوبيين كان في& 18 أكتوبر 1963. وانتهى في يونيو 1964. وهذه الأيام تضربنا الذكرى الأربعون، ذكرى تهجيرنا الجنائزي إلى مقبرة كوم أمبو. نتذكر ونرقص رقصة "الوَرْجيد" النوبية. وهى تشبه كثيراً رقصة النائحات الفرعونية المنحوتة رسماً على جدران معابدنا المصرية.
النوبة كانت نخلة مباركة عظيمة. أتى عليها من أتى وحاول نزع النخلة كلها من بيئتها الخاصة. انخلع معه الساق بما يحمله من جريد وسباطات بشر. بقى الجذر هناك يئن مولولاً. ذهبت اليد الحديدية غير الإنسانية لتنصب الساق بِبَشَرهـا في كوم أمبو. نخلة بدون جذور. لم تنتصب في الأرض الكاذبة، فثبتوها صناعياً بالأسمنت. من بعيد يخال للرائي أنها قائمة تعيش، إن اقترب سمع أنينها وهى تصارع الموت حنيناً إلى جذرها بالموطن الأصلي جنوب السد الغاشم.
كل هذا والحكومات المتوالية تنظر وتسمع، تنظر وتسمع وتستمتع بالموت الذي يصعد من أسفل الساق إلى البشر المصلوبين في السباطات. حكومات تدعى احترام النوبة ويُظهرون تقديراً لتراثها بالكلام اللزج المنافق. لكنهم وهم القتلة يطالبون النخلة التي كسروها بأياديهم أن تعود وحدها! يضعون أمامها السدود الإدارية كي تعجز، ثم يقولون لها اقفزي أيتها العاجزة!
أربعون عاماً مرت على تهجير هو مذبحة. مذبحة كالمذبحة التي أطاحت بحضارة الهنود الحمر. هناك ذُبِحوا بالسيوف الأسبانية ثم ببنادق الكاوبوي. والنوبة ذُبِحت بأسلوب أرق. ذُبِحت بالإغراق والتهجير. ذَبح بالبطيء. بدون إسالة دماء. تعدد الأساليب والذَبح واحد.
فهل ننتظر نحن النوبيون خمسمائة عام ليفيق العالم ويعلم أن حضارة أخرى قد أبِيدت فيبكى عليها؟ لا. لن يكون هذا.
نادينا مراراً وتكراراً في الصحف والمجلات، في الندوات وخلال المقابلات الشخصية مع المثقفين ومع المسئولين. أرسلنا مئات الشكاوى، الخ. لا الحكومة أصغت، وهذا أمر مفهوم، فقد أُسْمِعتَ إن ناديت حياً. لكن غير المفهوم، أن أغلب مثقفي مصر وعلمائها لم يبالوا! والأغرب أنهم لا يريدون أن يسمعونا ولا أن يتحاوروا معنا، أغلبهم يتهموننا لمجرد مطالبتنا بحفظ خصوصيتنا الثقافية. البعض يربط بين مطالبنا وصيحة الأقليات التي تستخدمها بعض الدول للاختراق الغير. لا يريدون أن يتعمقوا في الفهم ليعرفوا ويتأكدوا أننا نطالب بحقوق إنسانية وأننا الرابط الحقيقي لمصر بالسودان وسائر افريقيا جنوب الصحراء، وأننا حقيقة أصل مصر وأننا المحافظة الوحيدة التي ضحت لمصر. لا يريدون أن يتذكروا كيف أن الغرب والأمم المتحدة هم الذين ساهموا وقت عبد الناصر أكبر مساهمة في حفظ الآثار النوبية ومعابدها، وشكرهم عبد الناصر وأهدى معبداً كاملاً لأمريكا. فلماذا صمتوا وقتها ويشككون فينا الآن؟ أم أن كل ما كان وقت الحكم الناصري صحيح وماعداه مشبوه؟!
فلن تهتم بنا الحكومة أبداً طالما نحن ضعفاء. لن تعطينا حقاً من حقوقنا كمواطنين طالما نحن نستجديها. فلتكن الذكرى الأربعينية هي نقطة تحول لنا. فقد آن الأوان أن ننتزع حقوقنا انتزاعاً. معنا الإعلام المصري الحر. معنا أبناء مصر الشرفاء الواعون المحبون للنوبة كقطاع مصري مسالم لا يبغى إلا حقوقاً إنسانية. معنا كل إنسان يقدر الإنسان ومطالبه الثقافية الحضارية.
بداية تهجير النوبيين كان في& 18 أكتوبر 1963. وانتهى في يونيو 1964. وهذه الأيام تضربنا الذكرى الأربعون، ذكرى تهجيرنا الجنائزي إلى مقبرة كوم أمبو. نتذكر ونرقص رقصة "الوَرْجيد" النوبية. وهى تشبه كثيراً رقصة النائحات الفرعونية المنحوتة رسماً على جدران معابدنا المصرية.
النوبة كانت نخلة مباركة عظيمة. أتى عليها من أتى وحاول نزع النخلة كلها من بيئتها الخاصة. انخلع معه الساق بما يحمله من جريد وسباطات بشر. بقى الجذر هناك يئن مولولاً. ذهبت اليد الحديدية غير الإنسانية لتنصب الساق بِبَشَرهـا في كوم أمبو. نخلة بدون جذور. لم تنتصب في الأرض الكاذبة، فثبتوها صناعياً بالأسمنت. من بعيد يخال للرائي أنها قائمة تعيش، إن اقترب سمع أنينها وهى تصارع الموت حنيناً إلى جذرها بالموطن الأصلي جنوب السد الغاشم.
كل هذا والحكومات المتوالية تنظر وتسمع، تنظر وتسمع وتستمتع بالموت الذي يصعد من أسفل الساق إلى البشر المصلوبين في السباطات. حكومات تدعى احترام النوبة ويُظهرون تقديراً لتراثها بالكلام اللزج المنافق. لكنهم وهم القتلة يطالبون النخلة التي كسروها بأياديهم أن تعود وحدها! يضعون أمامها السدود الإدارية كي تعجز، ثم يقولون لها اقفزي أيتها العاجزة!
أربعون عاماً مرت على تهجير هو مذبحة. مذبحة كالمذبحة التي أطاحت بحضارة الهنود الحمر. هناك ذُبِحوا بالسيوف الأسبانية ثم ببنادق الكاوبوي. والنوبة ذُبِحت بأسلوب أرق. ذُبِحت بالإغراق والتهجير. ذَبح بالبطيء. بدون إسالة دماء. تعدد الأساليب والذَبح واحد.
فهل ننتظر نحن النوبيون خمسمائة عام ليفيق العالم ويعلم أن حضارة أخرى قد أبِيدت فيبكى عليها؟ لا. لن يكون هذا.
نادينا مراراً وتكراراً في الصحف والمجلات، في الندوات وخلال المقابلات الشخصية مع المثقفين ومع المسئولين. أرسلنا مئات الشكاوى، الخ. لا الحكومة أصغت، وهذا أمر مفهوم، فقد أُسْمِعتَ إن ناديت حياً. لكن غير المفهوم، أن أغلب مثقفي مصر وعلمائها لم يبالوا! والأغرب أنهم لا يريدون أن يسمعونا ولا أن يتحاوروا معنا، أغلبهم يتهموننا لمجرد مطالبتنا بحفظ خصوصيتنا الثقافية. البعض يربط بين مطالبنا وصيحة الأقليات التي تستخدمها بعض الدول للاختراق الغير. لا يريدون أن يتعمقوا في الفهم ليعرفوا ويتأكدوا أننا نطالب بحقوق إنسانية وأننا الرابط الحقيقي لمصر بالسودان وسائر افريقيا جنوب الصحراء، وأننا حقيقة أصل مصر وأننا المحافظة الوحيدة التي ضحت لمصر. لا يريدون أن يتذكروا كيف أن الغرب والأمم المتحدة هم الذين ساهموا وقت عبد الناصر أكبر مساهمة في حفظ الآثار النوبية ومعابدها، وشكرهم عبد الناصر وأهدى معبداً كاملاً لأمريكا. فلماذا صمتوا وقتها ويشككون فينا الآن؟ أم أن كل ما كان وقت الحكم الناصري صحيح وماعداه مشبوه؟!
فلن تهتم بنا الحكومة أبداً طالما نحن ضعفاء. لن تعطينا حقاً من حقوقنا كمواطنين طالما نحن نستجديها. فلتكن الذكرى الأربعينية هي نقطة تحول لنا. فقد آن الأوان أن ننتزع حقوقنا انتزاعاً. معنا الإعلام المصري الحر. معنا أبناء مصر الشرفاء الواعون المحبون للنوبة كقطاع مصري مسالم لا يبغى إلا حقوقاً إنسانية. معنا كل إنسان يقدر الإنسان ومطالبه الثقافية الحضارية.
التعليقات