"إيلاف"&من موسكو: في سابقة تعتبر الأولى من نوعها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، سيطرت حالة من القلق والتوجس على قيادات الجمهوريات السوفيتية السابقة، وبالأخص روسيا، عقب أحداث جورجيا وتنحى الرئيس الجورجى إدوارد شيفاردنادزه عن الحكم تحت الضغوط القوية للمعارضة الجورجية. والمعروف أن جورجيا إحدى جمهوريات القوقاز والاتحاد السوفيتي السابق والمتاخمة لروسيا الاتحادية على طول خط هائل من الحدود. والمعروف أيضا أن روسيا ابتعدت تماما عن جمهوريات الاتحاد السوفيتي بعد الانهيار، وحاولت المجموعات الإصلاحية الموالية للولايات المتحدة والغرب توجيه السياسة الخارجية الروسية بعيدا عن الشرق عموما، وعن جمهوريات الاتحاد السوفيتي خصوصا، وبالذات الدول الأخرى المشتركة معها في الحدود. وكانت نتيجة هذه السياسات أن حاولت كل جمهورية من تلك الجمهوريات السير في طريقها الخاص نحو الغرب والولايات المتحدة وحلف الناتو. وفيما حاولت القيادات الروسية ما بعد السوفيتية لعب دور "العراب" أو الوسيط بين الجمهوريات السوفيتية السابقة، رأت قيادات هذه الدول أن هناك إمكانيات للتوجه مباشرة إلى واشنطن والناتو من دون وساطة أو "وصاية" روسيا. ورأت الولايات المتحدة أيضا أن روسيا تحاول استخدام هذه الدول كورقة ضغط على الغرب عموما، وعلى واشنطن خاصة، وبالتالى فضلت التعامل المباشر مع قيادات تلك الدول، ووضع برامج اقتصادية وسياسية إصلاحية، وتأسيس صناديق معونة، والضغط أحيانا تحت غطاء حقوق الإنسان والديمقراطية، إلى أن تمكنت بأشكال مختلفة من توطيد مواقعها في دول آسيا الوسطى، وجمهوريات القوقاز.
غير أن روسيا ظلت تحتج على توسع الناتو شرقا، وتعلن عن نواياها بشأن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وأغمضت عينيها تحت سطوة القوى الموالية لواشنطن عن اقتراب الولايات المتحدة من حدودها المباشرة، وإقامة قواعد عسكرية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وإرسال خبراء عسكريين وسياسيين إلى تلك الدول. وكان سقوط شيفاردنادزه "إشارة الخطر" لقيادات تلك الجمهوريات، وبالذات روسيا. فعلى الرغم من أن شيفاردنادزه قاد حملة معادية لروسيا طوال السنوات الأخيرة، وطلب تعزيزات صريحة من الولايات المتحدة، وطالب أيضا بانضمام جورجيا إلى حلف الناتو، إلا أن الولايات المتحدة حققت له ما يتوافق مع مصالحها هي فقط. ومن جانب آخر تمكنت من اجتذاب حلفاء شيفاردنادزه-حلفاء الأمس وأعداء اليوم-الذين قادوا معه الحملة المعادية لروسيا، لينقلبوا ضده مشكلين جبهة معارضة قوية تمكنت من الإطاحة به خلال أسبوعين.
في غضون ذلك واصلت روسيا وعودها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجورجيا. وأثناء العصيان الجورجي ضد شيفاردنادزه اتصل الأخير بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين عدة مرات، ولكن كان من الواضح أن موسكو متمسكة بموقفها. ورفض أيضا السفير الأمريكي في تبليسي تقديم أي عون لشيفاردنادزه , غير أن روسيا شعرت في اللحظات الأخيرة بأن الأزمة الجارية لا تخص جورجيا، بقدر ما تخص روسيا وحدودها وأمنها القومي. وقبيل ساعات قليلة من تنحى شيفاردنادزه هبطت طائرة وزير الخارجية الروسى إيجور إيفانوف في مطار تبليسي. وكان المعلن أن دور روسيا لا يتعدى دور الوسيط الذي يجب أن يمنع إراقة الدماء، ويراقب سير الأحداث في إطار الشرعية والدستور والقانون. غير أن وكالات الأنباء والمصادر القريبة من الأحداث رأت أن إيفانوف اجتمع عدة مرات مع شيفاردنادزه وقدم له وعودا "ما" من الصعب تحديدها بدقة، ولكنها خاصة بمسار الأحداث اللاحقة في جورجيا، وتوجهات قوي المعارضة الجورجية، وإمكانية تدخل قوى خارجية في الصراع على منصب الرئاسة. باختصار قامت روسيا بدور في عملية تجنب إراقة الدماء، وضحت بشيفاردنادزه، ولكن ليس حتى النهاية. إذ أن القيادة الروسية غير متيقنة بعد من أن المعارضة الجورجية سوف تنحاز بالكامل إلى الولايات المتحدة. على الرغم من أن شيفاردنادزه أعلن رسميا بأن الملياردير الأمريكى جورج سورس قدم عدة ملايين من الدولارات لقوى المعارضة التي أطاحت به في أحداث ستأتي في النهاية بقيادة أمريكية 100% لجورجيا.
المثير في الأمر أن روسيا وبعد 13 عاما من الإهمال والعجرفة والتوجه نحو الغرب والولايات المتحدة، استيقظت فجأة على وجود الخبراء والمستشارين الأمريكيين على حدودها المباشرة مع جورجيا بحجة محاربة الإرهاب. وفي اجتماع لمجلس رؤساء الوحدات الإدارية لروسيا الاتحادية لدى وزارة الخارجية الروسية دعا إيجور إيفانوف وزير الخارجية إلى توسيع التعاون الشامل مع جمهوريات جنوب القوقاز والذى يستجيب لمصالح روسيا القومية والجيوسياسية. هذا بعد 13 سنة، وبعد أن أدركت موسكو مدى خطأ سياساتها تجاه جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، ودول القوقاز التي تتاخمها في الحدود. وقال إيفانوف أيضا "إن عندنا الكثير من الخطط لتوسيع الاتصالات على جميع المستويات بين روسيا ودول جنوب القوقاز من أجل بناء الهيكل متعدد الطوابق للتعاون معنا".
من جانب آخر ظلت الإدارة الأمريكية فى حالة صمت مطبق طوال سير الأحداث. وعقب تنحي شيفاردنادزه بيوم كامل، أعربت الإدارة الأمريكية عن ترحيبها بالثورة الجورجية "المخملية". وبعد يومين أعلن المتحدث باسم دائرة الإعلام والصحافة بوزارة الخارجية الروسية أن وزير الخارجية إيجور إيفا نوف ناقش خلال مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكى كولن باول الوضع فى جورجيا. وكان إيفا نوف قد أجرى مجموعة مكالمات هاتفية مع وزير الخارجية الأوكراني قنسطنطين جريشنكو ووزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني ورئيس منظمة الأمن والتعاون الأوروبى ياووب سهيفير ومع المندوب الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمن لدى الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا-كل هذه المكالمات حدثت بعد يوم واحد فقط من تنحي شيفاردنادزه. وتوجه إيفانوف يوم الثلاثاء 25 نوفمبر (أى بعد يومين من الأحداث) إلى كييف للاشتراك في لقاء وزراء خارجية البلدان الأعضاء في رابطة الدول المستقلة المخصص لبحث الوضع في جورجيا. والمعروف أن هناك بوادر احتجاجات فى طريقها إلى التفاقم في أوكرانيا ضد الرئيس ليونيد كوتشما الذي تطالب المعارضة منذ سنوات بتنحيه عن الحكم أيضا.
بوتين يتهم شيفاردنادزه بالتقصير ويلمح إلى الوجود الأمريكي
وفي أول تصريحاته حول الأحداث الجورجية أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأن الأحداث الأخيرة في جورجيا جاءت نتيجة سلسلة من الأخطاء التى ارتكبتها القيادة السابقة للبلاد. وقال بوتين في كلمته التي ألقاها أثناء اجتماع الحكومة الروسية عقب تنحي الرئيس الجورجي إدوارد شيفاردنادزه عن منصبه تحت ضغوط المعارضة "لم تكن الأحداث الأخيرة التي وقعت في جورجيا غير متوقعة بالنسبة لروسيا. لقد جاءت تلك الأحداث كنتيجة طبيعية لسلسلة من الأخطاء التي ارتكبتها القيادة السابقة للبلاد في المجالات الخارجية والداخلية والاقتصادية لسياسة الدولة. وأشار بوتين إلى أن السلطات الجورجية السابقة انتهجت سياسة خارجية لم تأخذ بعين الاعتبار الجذور التاريخية والثقافية العميقة للشعب الجورجي ولم تراع أيضا الواقع الجيوسياسي". وذكر بوتين بأن "السياسة الداخلية للقيادة الجورجية السابقة لم تعزز مؤسسات البلاد الديمقراطية أو أسس الدولة بل ساد فيها تقلب عاجز بين مختلف القوى السياسية في البلاد".
وعلى الرغم من سعى العديد من المؤسسات السياسية الروسية التقليل من خطورة الأوضاع في جورجيا، ظهر الرئيس الروسي في اجتماع الحكومة في حالة من الإرهاق والقلق. وفي سياق كلمته علق الرئيس الروسي على السياسة الاقتصادية للسلطات الجورجية السابقة والتي أدت كما يراها "إلى الصراع من أجل الاستحواذ على الصدقات القادمة من الخارج"، وهو ما وصفه المراقبون بمحاولات شيفاردنادزه زيادة التواجد الأمريكي في جورجيا. وفي دعوة صريحة أقرب إلى التحذير قال بوتين بأن موسكو تتوقع أن تبذل السلطات الجورجية المقبلة كل ما بوسعها من أجل إعادة علاقات الصداقة مع روسيا. وأشار صراحة إلى أن تغيير السلطة في جورجيا على خلفية "ضغوط القوة الشديدة يثير القلق لدى روسيا".
ومن جانب آخر قال الرئيس الروسي بأنه لا يرى أن إدوارد شيفاردنادزه كان في يوم من الأيام دكتاتورا. وأضاف بهذا الصدد أن "من يقوم بتنظيم مثل هذه الأعمال أو يشجعها يتحمل المسؤولية أمام الشعب الجورجي الذي تربطه علاقات أخوية مع روسيا طوال قرون عديدة. وفي إحصاء دقيق ذكر الرئيس الروسي أن ديون جورجيا الخارجية تبلغ ملياري دولار وتعادل 60% من الناتج الوطني الإجمالي للبلاد التي تعاني الآن أزمة مالية. كما أشار أن السنوات الأخيرة شهدت هجرة مليون مواطن من جورجيا استقر القسم الأكبر منهم في روسيا. وأكد على أن المبالغ التي تحصل عليها جورجيا من جراء ذلك سواء كانت بشكل رسمي أو غير رسمي تصل إلى 2 مليار دولار، وهي بذلك تزيد على مجموع المساعدات الأجنبية التي تحصل عليها تبليسي.
وفي سياق آخر رأى وزير الخارجية الروسى إيجور إيفانوف أن موسكو قامت بتنفيذ مهمتها الرئيسية على أكمل وجه، وهي عدم السماح بوقوع صدامات دامية فى جورجيا. وقال إيفانوف في مؤتمر صحافى عقد في في موسكو أن "مهمة روسيا تركزت على منع وقوع أعمال عنف في تبليسي من أجل أن لا تتحول الأزمة التي نجمت عن الانتخابات البرلمانية إلى تجاوزات من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار والنظام السياسي ووحدة وسلامة أراضي جورجيا، ومن الواضح أن أعمال العنف كان يمكن أن تسفر عن ما هو أسوأ من ذلك. وقال إيفانوف أيضا "لا أعرف إن كان قرار الاستقالة الذى اتخذه إدوارد شيفاردنادزه صائبا أم لا فهذا الأمر يستطيع البت به أولئك السياسيون الذين توصلوا إلى هذا القرار. وليس لروسيا علاقة بقرار استقالة إدوارد شيفاردنادزه. وشدد إيفانوف على أهمية تفادى وقوع صدامات دامية في البلاد. كما نبه إلى أن روسيا ستواصل متابعة تطور الأحداث فى جورجيا.
ووسط تصريحات فصائل المعارضة الجورجية الموجودة حاليا في السلطة بأن روسيا في حالة تحفز للدخول إلى جورجيا تحت أي مسمي، أكد وزير الدفاع الروسي سيرجي إيفانوف في العديد من تصريحاته على عدم حدوث أي أعمال استفزازية أو محاولات لإقحام القوات الروسية في الأحداث الداخلية التي جرت مؤخرا في جورجيا. وأضاف بأن موسكو قد صرحت بأن القاعدتين العسكريتين الروسيتين 12 و 62 في "باتومي" و"أخالكالاكي" لن تتدخلا مهما كانت الأحداث السياسية الداخلية في جورجيا. وفسر المراقبون في موسكو تلك المعلومات بأنها وسيلة "مستهلكة" لتسليط الأضواء على الكرملين، والتعتيم مؤقتا على دور البيت الأبيض في أحداث جورجيا. وهي مقدمة لطلب مساعدات أمريكية تتراوح ما بين المساعدات المادية بهدف إجراء الانتخابات الرئاسية والتي حددتها قوى المعارضة بـ 5 ملايين دولار، وبين المساعدات العسكرية لمواجهة أي تدخل من أي قوى أخرى معادية لجورجيا، والمقصود هنا روسيا.
وعلى صعيد إداردة روسيا للتناقضات الداخلية في جورجيا، صرح إيفانوف بأنه التقى بالزعيم الآجاري أصلان أباشيدزه بطلب من الرئيس الجورجي السابق إدوارد شيفاردنادزه نفسه. وقال "لقد توجهت إلى باتومي بطلب من الرئيس الجورجي السابق إدوارد شيفاردنادزه الذى أراد أن أطلع زعيم آجاريا على اتصالاتي في تبليسي به وبممثلي القوي السياسية الأخرى في البلاد. ويذكر أن أصلان أباشيدزه رئيس آجاريا ذات الحكم الذاتي في إطار جمهورية جورجيا من أقرب حلفاء الرئيس الجورجي السابق، وكان مبعوثه إلى موسكو أثناء تفاقم المعارضة ضده في الأيام الأخيرة. ولكن موسكو رفضت تقديم أي دعم لشيفاردنادزه خلال زيارة أباشيدزه ولقائه بإيفانوف قبيل استقاله شيفاردنادزه بيومين فقط. هذا وأعلن أباشيدزه بمجرد إعلان الرئيس الجورجي استقالته بإغلاق حدود جمهورية آجاريا وعدم الاستجابة لما يطرحه قادة المعارضة الجورجية.
وفي نفس السياق أشار وزير الخارجية الروسي إلى الدور الإيجابي الذي لعبه رئيس جمهورية آجاريا والذي يصب في مصلحة تحقيق الاستقرار في جورجيا، والعمل في إطار الدستور. وأضاف إيفانوف بأنه أمضي عدة ساعات من المحادثات مع أباشيدزه حيث أطلعه خلالها على تطورات الأحداث الأخيرة في جورجيا والتي كان شاهدا عليها، وعلى نتائج المباحثات التى أجراها في تبليسي. وعلى الرغم من سرية اللقاء بين إيفانوف وأباشيدزه، فقد أعلن الرئيس الآجاري بأن وزير الخارجية الروسي أنقذ شيفاردنازه من التعرض للإبادة التي كانت متوقعة من جانب المعارضة، إذ كان بينه وبين نهاية حياته عدة دقائق فقط. وفيما لم يتم الإفصاح عن مضمون اللقاء الساخن، إلا أن المراقبين أكدوا بأن إيفانوف سعى إلى إقناع أباشيدزه بالالتزام بنصوص الدستور الجورجي، وعدم القيام بأى مواجهات مع قوى المعارضة حتى لا تسير الأحداث بنفس السيناريو اليوغسلافي.
أما الذي أثار تساؤلات المراقبين فى أول يوم لجورجيا بدون شيفاردنادزه، هو قيام رئيسة جورجيا بالنيابة نينو بوردجانادزه بعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي الجورجي. وركزت كاميرات وسائل الإعلام على مشهد طاولة الاجتماعات الحافلة بزجاجات "كوكا كولا"، وكان من المتعارف عليه وضع زجاجات مياه "بارجومي" وهو نوع من المياه تتميز به جورجيا وتعتبره مشروبا وطنيا. بل ورأي الكثيرون أن بوردجانادزه تبعث برسالة "لطيفة" إلى الولايات المتحدة تخبرها فيها بأن جورجيا مفتوحة تماما أمامها. ولعل هذا الأمر تحديدا هو الذى يثير مخاوف روسيا، إذ أن المد الجيوسياسي للولايات المتحدة أو الناتو لم يعد فقط في اتجاه الشرق وهو الأمر الذي لا تزال روسيا تحتج عليه، وإنما قد أصبح في اتجاه مؤخرة روسيا وعلى حدودها!
جورجيا الجديدة حصلت على ضمانات بدعم الولايات المتحدة
لم تصبر القائمة بأعمال رئيس جورجيا نينو بوردجانادزه على التعلير عن ارتياحها لنتائج اللقاء بوزير الخارجية الأمريكي كولن باول في إطار الاجتماع الحادي عشر لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي الذي انعقد في مدينة ماستريخت بهولندا. وصرحت بوردجانادزه من هناك وعلى الهواء مباشرة بأن الولايات المتحدة أبدت تأييدها الحازم لموقف وعمل السلطات الجورجية الحالية. وقالت "من المفرح جدا أن يعرب لنا كولن باول عن دعم الولايات المتحدة الآن ونيتها في مواصلة هذا الدعم في المستقبل. ولقد عبر كولن باول عن موقف بلاده الذي يدين بحزم التوجهات الانفصالية في جورجيا ورفضها القاطع لتغيير الخارطة السياسية للدول الواقعة في منطقة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي".
وكانت بوردجانادزه قد أعلنت قبل لقائها بكولن باول أن توجهات بلادها تظل كما هي منذ 10 سنوات، حيث تسعى إلى إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والانتساب إلى عضوية الناتو والاتحاد الأوروبي. وأكدت كذلك رغبة جورجيا في إقامة تعاون ثلاثى بين جورجيا والولايات المتحدة وروسيا على أساس علاقات متكافئة. وقالت أيضا بأن الأمر متروك لروسيا التي لم تفصح بعد عن موقفها من هذه الفكرة.
كما قام أيضا مفوض الاتحاد الأوروبي الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمن خافير سولانا في ذلك الوقت بهولندا ببحث الوضع السياسي الحالي في جورجيا بوردجانادزه. وذكر المكتب الإعلامى لمجلس الاتحاد الأوروبى أن خافير سولانا أكد خلال اللقاء على استعداد الاتحاد الأوروبى لمساعدة جورجيا على تجاوز الصعوبات الحالية، واستحسن الخطة التي قدمتها بوردجانادزه بشأن إصلاح مؤسسات الدولة والاقتصاد ومكافحة الفساد في البلاد. ودعا سولانا إلى انضمام جميع الأحزاب السياسية في جورجيا إلى عمليات نشر الاستقرار في الجمهورية، وأشار إلى ضرورة سيادة القانون والنظام. كما أعرب عن عزم الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي على مساعدة جورجيا في إجراء الانتخابات في 4 يناير 2004. وأكد بهذا الشأن على ثبات مبدأ وحدة الأراضى الجورجية.
ومن جانبها أيضا أكدت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي أنها أقرت تقديم مساعدات مالية تزيد قيمتها على 5 ملايين يورو لجورجيا من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية. وقال رئيس المنظمة الحالي وزير خارجية هولندا ياووب سهيفير في كلمته التي ألقاها في الاجتماع الحادي عشر لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة: "هناك التزامات للمنظمة أمام جورجيا لتقديم المساعدات وسنقوم بتنفيذها". ومن جانبها أشارت نينو بوردجانادزه إلى قدرة السلطات الجورجية على استخدام الموارد المالية المقدمة من قبل منظمة الأمن والتعاون الأوروبي بشكل صحيح من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شفافة ونزيهة. أما مدير مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي كريستيان ستروخوف فقد صرح بأن المنظمة ستقوم بإرسال 30 مراقبا إلى جورجيا سيتواجدون فيها لفترة طويلة.
وفي نفس السياق صرح مندوب بريطانيا الخاص في منطقة جنوب القوقاز السير برايان فول بأن بلاده مستعدة لمساعدة جورجيا في تنظيم وإجراء الانتخابات. وأشار بهذا الشأن إلى استعداد بريطانيا والمجتمع الدولي لمساعدة المسؤولين الجورجيين عند الضرورة في تنظيم وإجراء الانتخابات التي ستكون أفضل بكثير من الانتخابات السابقة التي تم فيها استخلاص الكثير من العبر والدروس. وأشار ممثل بريطانيا إلى العدد الكبير من المراقبين الذين تم إرسالهم تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون الأوروبي لمتابعة سير الانتخابات السابقة والذين قد يزداد عددهم في المرة القادمة. كما أشار إلى أهمية ما يردده زعيما المعارضة الجورجية نينو بوردجانادزه وميخائيل ساكاشفيلى بشأن عدم السماح بوقوع أعمال عنف دامية. فى الوقت نفسه تفادى فول الإجابة بشكل صريح عن تقييم فرص ساكاشفيلى للفوز بانتخابات الرئاسة، واكتفى بالقول "إن المهم هو نزاهة هذه الانتخابات وليس عدد المرشحين فيها". وأعرب عن أمله بأن يبدأ الرئيس الجديد والبرلمان القادم بحل تلك المشاكل التي تقف أمام البلاد وبالتعاون مع زملائهم الغربيين والروس. وأشار برايان فول كذلك إلى المصالح المشتركة للندن وموسكو في علاقتهما مع تبليسي ورغبتهما في أن يعم السلام والاستقرار جورجيا في حدود معترف بها دوليا. وأضاف بأن بريطانيا وروسيا قلقتان من خطر تقسيم جورجيا أو تحولها إلى ملجأ للإرهابيين وتجار المخدرات والمجرمين في حالة فراغ السلطة فيها.
وظل الموقف كما هو عليه إلى قام الملياردير اليهودي الروسي بوريس بيريزوفسكي بزيارة إلى جورجيا، فتصاعدت من جديد التصريحات الحادة بين موسكو وتبليسي. لكن القيادة الجديدة في جورجيا تعاملت مع الأمر بشكل هادئ تماما، بل وقللت من أهميته بإعلانها عن نيتها بمعاقبة المتسببين. وانتهي الأمر. وفي باكو التقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع بوردجانادزه لأول مرة في منصبها الجديد. وتصنع الاثنان الهدوء، وكأن لا شئ يجري إطلاقا بين موسكو وتبليسي. وأسفر لقاؤهما عن وعد متبادل بلقاء قريب. وبالفعل جاءت بوردجانادزه إلى موسكو يوم الأربعاء 24 ديسمبر. والتقت وزير الخارجية إيجور إيفانوف، ومن بعده رئيس المجلس الفيدرالي سيرجي ميرونوف، كل ذلك وراء الأبواب الموصدة. ولكن لا تصريحات. ثم التقت مع بوتين في الكرملين ووراء الأبواب الموصدة أيضا.
كل تلك اللقاءات "المكفهرة" التي لا تفصح عن أي شئ تشير، كما يرى الكثيرون من المراقبين، إلى أن الخلافات أعمق بكثير، والنوايا القادمة للقيادة الجورجية سواء المؤقتة، أو التي ستأتي بعد انتخابات 4 يناير 2003، في غاية الغموض، وهو ما يثير قلق روسيا. الأمر الأهم هو أن بوردجانادزه جاءت إلى موسكو من أجل هدف واحد فقط: إقناع القيادة الروسية بالاعتراف بشرعية كل ما جرى ويجري في جورجيا، وهو ما ينطوي ضمنا على الحصول على وعد من موسكو بإقناع حلفائها المعارضين لسياسة الشباب الجدد في تبليسي بالتعاون والمشاركة في الانتخابات القادمة. كل ذلك في مقابل أشياء لم يعلن عنها بعد. وبوردجانادزه حريصة تماما على عدم الإدلاء بأية تصريحات في هذا الموضوع الذي يمكنه أن يفسد علاقات الشبان الجدد بالولايات المتحدة.
القيادة الجورجية الجديدة تريد إقامة علاقات استراتيجية مع واشنطن، وفي الوقت نفسه ترغب في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع روسيا. الشق الأول يمكن أن يحدث ببساطة شديدة، ولكن حدوثه يهدد تحقيق الشق الثاني الذي لا تمتلك أدواته لا بوردجانادزه ولا القيادة الجورجية التي سيتم انتخابها بعد أقل من أسبوعين. وروسيا حائرة في التعامل مع تبليسي الجديدة، خاصة وأنها فعلا تسبب صداعا مزمنا لروسيا المتاخمة للحدود الجورجية.