برلين: الحذر والحيطة والتشكك طوال أكثر من ربع قرن لم ينفع طالب الطب الإندونيسي سابقا، فوقع في قبضة الشرطة الألمانية لأتفه الأسباب لأنه نسي شراء تذكرة للحافلة كي يعود إلى بيته.
ولم يصدق المفتش العام في دائرة الشرطة بمدينة فيسبادن قصته التي رواها بكل هدوء وبرودة أعصاب وبصوت منخفض. فهو يقيم منذ 26 سنة بشكل ليس فقط غير قانوني بل وصل الأمر إلى حد أن أحدا لا يعرفه لأنه يغير سكنه بشكل دائم خوفا من اكتشاف الشرطة لأمره.&والغريب أنه يتحدث اللغة الألمانية بشكل جيد وأفضل من بعض الأجانب الذين يقيمون بشكل قانوني ويتمتعون بحرية الحركة.
دخل الإندونيسي تي. عام 1964 إلى ألمانيا بتأشيرة عادية بهدف دراسة الطب في جامعة فيسبادن، لكنه لم ير وطنه منذ ذلك التاريخ. وكما قال لمفتش الشرطة، سارت حياته في البداية كطالب مثابر على دراسته بشكل عادي ولم يحتاج إلى عون مالي لا من الحكومة الألمانية أو الإندونيسية وكانت إقامته تمدد كل سنة بدون مصاعب.
لكن آخر إقامة حصل عليها كانت عام 1977بعد رفض موظف دائرة شؤون الأجانب تمديدها لأسباب مازال يجهلها حتى اليوم. وبدلا من ذلك أبلغته الشرطة بوجوب مغادرته الأراضي الألمانية وإلا ستلجأ إلى تسفيره بالقوة. فقرر السفر إلى كندا لأنه لم يكن يريد العودة أبدا إلى إندونيسيا. وتقدم إلى السفارة الكندية بطلب للحصول على تأشيرة دخول مازال حتى اليوم ينتظر جوابا عليه. وخوفا من التسفير قرر الغوص في عالم تحت الأرض ومنذ ذلك الوقت لم يخرج رأسه منه.
كان يقيم مرة في سكن لا يقبل به أحد أو في ورشة بناء أو في زاوية شارع مظلم فزاد عدم ثقته في الخروج إلى العالم العادي وتحول إلى إنسان بدون عنوان. وعندما كان يقطن في شقة كان يخرج منها مع أول ضوء للنهار ويعود إليها ليلا، لذلك لا يتذكره أحد من الجيران.
وجد في البداية، وهو طالب الطب الذي كان يحلم بفتح عيادة، عملا في مصنع حدادة صغير، وعندما لم يعطه صاحب المصنع حقه من المال تركه لببحث عن آخر، فاشتغل في مواسم قطف الفاكهة والتنظيف وأعمال شاقة وصعبة بأجر ضئيل جدا. لكنه لم يرفع شكوى لعدم امتلاكه إقامة قانونية وجواز سفر لم يمدده منذ غوصه في عالم تحت الأرض.
ويقول تي. الذي يبلغ اليوم من العمر 61 سنة: "من حسن حظي أنني لم أمرض بشكل جدي طوال هذه السنوات وإلا كان انكشف أمري بسرعة". وعقب تدخل مجلس مدينة فيسبادن لرعاية شؤون اللاجئين تأجل تسفير الإندونيسي لفترة غير محددة وأعطي ما يسمي بـ "إقامة الاسترحام". والمشكلة التي تمنع إعادته هي عدم امتلاكه لجواز سفر صالح أو هوية بعد أن أسقطت عنه، كما قال، المواطنية الإندونيسية.
وأول عمل سيقوم به عندما يعطى إذنا باستخدام الهاتف الاتصال بالسفارة الكندية فقد يكون لديها جوابا على طلبه.
التعليقات