"إيلاف"&من القاهرة: باستثناء قادة جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة، وفلول القوميين والناصريين، الذين يضعون هذه القضية "المزمنة" في صدارة أجندتهم الحركية، باعتبارها "قميص عثمان" الذي يبرر بقاءهم على قمة جبل الصخب السياسي، فقد بدا الشارع المصري مصدوماً&لمشاهد ضرب وزير خارجيته بالأحذية داخل حرم المسجد الأقصى.
وصار من المألوف أن يستمع المرء في كل المجالس لانتقادات حادة، تصل إلى حد السباب واتهام الفلسطينيين ـ شعباً وسلطة وفصائل ـ بكل ما تجود به القريحة الشعبية من نعوت سلبية.
وفي الصحف المصرية رفض كتاب الرأي "دبلوماسية أحمد ماهر التي تهدف إلي تسطيح هذه الحادثة البشعة، ومحاولته في الوقت نفسه إقناع الرأي العام المصري بأن من قام بهذا الاعتداء هم قلة تافهة مأجورة، ومحظورة.. يجب ألاٌ تحسب علي الشعب الفلسطيني".
معتبرين أن "الرئيس الفلسطيني أول السعداء، والمصفقين، والراقصين، والمهللين، لاغتيال&رئيس مصر العظيم أنور السادات، ثم اتضح للدنيا كلها أن ما كان السادات يعرضه علي الفلسطينيين لحل قضيتهم يفوق مائة مرة ما سعى عرفات دون جدوى للحصول عليه من رابين، ومن بعده نتنياهو، ثم باراك.. وآخرهم أرئيل شارون".
وتمضي الإنتقادات الموجهة إلى عرفات بأنه "كان يتابع الأهوال التي عاني منها العاملون المصريون في الدول العربية بأيدي الموظفين الفلسطينيين، فور الإعلان عن زيارة السادات إلى تل أبيب، ولم نسمع كلمة واحدة منه لمنع هذا الإضطهاد والتنكيل بالمصريين العاملين في تلك الدول، لا لشيء إلاٌ لأن الأقلية التافهة، والمحظورة، من الفلسطينيين كانت بالصدفة هي نفسها المسؤولة عن تعيين المصريين، والمسؤولة في الوقت نفسه عن تفنيشهم، وإقالتهم، وإعادتهم إلي بلادهم مدحورين".
شارع محتقن
ولعلني لا أكشف سراً حين أنبه إلى أن هناك أمراً قد لا يستوعبه كثير من العرب عن طباع المصريين، وهو أنهم قد يذهبون في انتقاد حكوماتهم والسخرية منها إلى أبعد الحدود، لكنهم في نهاية المطاف لا يحتملون أدنى إهانة بحق هذه الحكومة أو ممثليها، خاصة إذا جاءت من الغرباء.
ولعل أبلغ مثال على هذا ما حدث مع الشاعر اليساري الشهير أحمد فؤاد نجم حين كان في مؤتمر في بيروت في عز أزمة نجم واليسار المصري مع السادات، عقب مبادرة السلام مع إسرائيل، وحين استمع نجم لأحد السوريين يسب السادات، اندفع نجم الخارج للتو من سجون السادات ليشتم ذلك الشخص، وينعت الرئيس السوري بأقبح النعوت.
الآن وفي الأوساط الشعبية، كما في أوساط الساسة المحترفين، وداخل دوائر البرلمان، وبين معظم الصحافيين، يمكن للمرء أن يتابع مناقشات محورها توجيه كل اتهام للفلسطينيين، واتهامهم "بالمتاجرة بأزمة لا يرغبون في حلها، لأنهم في نهاية المطاف مستفيدون من حال الإحتقان الراهنة، لأنهم يحصدون المعونات والمساعدات من الشرق والغرب، من العرب والأوروبيين، وأنهم يتعمدون إفساد أي محاولة للتوصل إلى حل"، كما يقول هشام، وهو شاب جامعي لا ينتمي لأي فصيل سياسي.
لكن هشام، وكما&قال&ل "إيلاف"، ضاق ذرعاً بهذه القضية، التي يذكر أنه في العام الجامعي الأول خرج في عدة مظاهرات لنصرتها، لكنه الآن لا يطيق حتى الإستماع إلى مناقشات بشأنها، خاصة بعد ما حدث، إذ "كيف يعتدي هؤلاء الأوغاد على رجل يقترب من السبعين من عمره، دخل المسجد للصلاة".
ومن هذه الزاوية الأخلاقية يلتقط الخيط كهل مصري كان جالساً على مقهى في أحد أحياء القاهرة الشعبية، ويقول:"لا أحد يحارب المصريين في رزقهم من بين كل العرب سوى الفلسطينيين".
ويمضي قائلاً إنه كان يعمل في السعودية قبل نحو عقدين، ولم يكن يتحرش به وبغيره من المصريين سوى الفلسطينيين، وكثيراً ما تسببوا بوشاياتهم في "قطع أرزاق مصريين مساكين، كانوا يعملون في الفاعل والمعمار، أو الزراعة".
ويذهب إلى القول إنهم "يضمرون حقداً لا حدود له على كل الناس، يكرهون السعوديين، ويبغضون المصريين، ويحتقرون السوريين، ولكنهم لم يكونوا يظهرون ذلك للسعوديين، لأنهم في نهاية المطاف يعملون لديهم". لهذا ـ والكلام للرجل ذاته ـ يستأسدون على العمال العرب الآخرين.
غير أن زميلاً له يستدرك قائلاً إن الفلسطينيين، "فقدوا مصداقيتهم الآن لدى السعوديين، بل ولدى كل الخليجيين الذين عرفوهم، ولم يعودوا يثقون بهم، أو حتى يتعاطفون معهم كما كان الأمر من قبل".
دبلوماسية مرفوضة
ومن أحاديث الشارع، إلى مقالات كُتّاب الرأي في الصحف المصرية، حيث شن عدد من الكتاب هجوماً على الحركات والسلطة الفلسطينية، بل وعلى الفلسطينيين أنفسهم، وانتقد الكاتب الصحافي سعيد سنبل البيان الرسمي المصري الذي صدر في أعقاب الإعتداء على وزير الخارجية، معتبراً أنه "ندٌد بالحادث بكلمات أشبه بالعتاب من جهة والتأكيد من جهة أخرى علي أن هذا الحادث لن يثني مصر عن المضي في ممارسة دورها في تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
أما إبراهيم سعده، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير "أخبار اليوم"، والمعروف بقربه من مراكز صنع القرار في مصر، فقد شن هجوماً شرساً على الفلسطينيين، قائلاً في مقاله الأسبوعي المعنون "الموقف السياسي":"كانت صدمتي هائلة وأنا أتابع لقطات مشهد حادث الإعتداء علي الوزير المصري، الذي طار مبعوثا من الرئيس حسني مبارك إلى إسرائيل، بإلحاح من القيادة الفلسطينية، لمقابلة شارون، ووزير خارجيته لحل بعض المشاكل التي عجز الفلسطينيون عن حلها مع الإسرائيليين، فكان الجزاء هو شتم أحمد ماهر، وضربه، ومحاولة قتله لولا أفراد الحرس المصري، وأفراد الحرس الإسرائيلي".
ومضى سعده قائلاً "أي عار هذا للفلسطينيين، وأية مهانة تلك للمصريين؟". وانتقد دبلوماسية ماهر في التقليل من شأن الحادث، قائلاً : "ليس مهما أن وزير الخارجية حاول التقليل من خطورة ما تعرٌض له. وليس مقبولا في الوقت نفسه ما قاله للصحافيين بعد عودته إلي القاهرة وجاء على غير الحقيقة".
وتابع رئيس تحرير "أخبار اليوم":"أصارحه علنا بأنه إذا كانت دبلوماسيته الشهيرة تلزمه بتشويه الحقيقة لأسباب يقدرها منصبه الحساس، فإن من حقي بعيدا تماما عن تلك الدبلوماسية التي كثيرا ما أضيق بها أن أرفض ما قاله جملة وتفصيلا".
استجواب برلماني
وطالب سعده، &د. فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب (البرلمان)المصري بدعوة ماهر لإلقاء بيان عاجل في جلسة علنية، ومنقولة تليفزيونيا علي الهواء مباشرة حول الحادث الإجرامي الذي تعرٌض له داخل المسجد الأقصى".
معتبراً أن "الذي حدث لا يمس شخص المواطن المصري أحمد ماهر فقط، وإنما أهان بالقطع شعب مصر، وقيادتها، وسياستها، وتضحياتها التي لا تقدر بثمن من أجل استرداد الحقوق الفلسطينية علي مدى نصف القرن الماضي"، على حد تعبير الكاتب المصري الشهير.
ومضى رئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم" قائلاً إنه قد يأتي من يقول إن "قلة ضئيلة من الفلسطينيين هي التي قامت بمحاولة اغتيال وزير خارجيتنا، وأن الغالبية العظمي تحب مصر، وتعشق شعبها، وتقدر قيادتها، وتعترف بأفضالها عليها، وتترحم ليل نهار علي أرواح شهدائها في كل الحروب التي خاضتها من أجل القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني، لكن كلمات من هذه النوعية يمكن أن نسمعها من بعض لا كل نواب الشعب، وهو البعض الذي ما يزال يروٌج لأكذوبة تزعم أنه لا هدف، ولا هم، ولا قضية، ولا أمل، للشعب المصري غير متابعة تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
الأمر المؤكد الآن أنه حتى وبعد الإجتياح الإسرائيلي الأخير الذي راح ضحيته العشرات من الفلسطينيين بين قتيل وجريح، فإن مظاهرة واحدة لم تخرج، لا من الجامعات، ولا من الأزهر، ولا من أي جهة، حتى من عتاة المقيمين في منازل الأمس من فلول "القومجية والإسلامجية"، ذلك لأنهم باختصار لا يجدون أي صدى لمزايداتهم التي لا تتوقف على الشارع المصري.
التعليقات