جانا ميكوسكا من&باريس: بعد أن أثار القرار الفرنسي بمنع الحجاب في المدارس ردود فعل سلبية وصلت أحيانا إلى حد الإستياء في العالم، أيد الفرنسيون فرض هذا القانون في بلدهم الذي يعتبر واحدا من&أكثر الدول الأوروبية علمانية ويواجه وجودا إسلاميا متناميا لم يحسن دمجه في مجتمعه.
وأيد 69% من الفرنسيين هذا القانون بينما ارتفعت شعبية الرئيس جاك شيراك ورئيس الحكومة جان بيار رافاران.
فبعد أشهر من الجدل الحاد، بت الرئيس الفرنسي في المسألة عملا بتوصيات لجنة "حكماء" فوافق على قانون يحظر الرموز والإشارات الدينية الواضحة بما فيها الحجاب في المدارس والمؤسسات الحكومية.
واعتبر هذا القانون موجها بالمرتبة الأولى إلى مجموعة مسلمي فرنسا وبدا وكأنه رد على الخوف من التيار الإسلامي أو الأصولي أو الإرهابي الذي ينسب في بعض الأحيان وبشكل متسرع إلى هذه المجموعة.
وقوبل هذا القانون بالرفض من جانب مسلمي فرنسا. وأثار تظاهرات شارك فيها حوالى أربعة آلاف شخص بينهم العديد من النساء المحجبات، في عطلة نهاية الأسبوع الماضي في باريس وستراسبورغ.
وسارت المتظاهرات على أنغام النشيد الوطني الفرنسي للمطالبة ب"حرية الخيار". ومن المقرر تنظيم تظاهرات جديدة في كانون الثاني(يناير).
وتضم فرنسا أكبر مجموعة مسلمة في أوروبا يتراوح عدد أفرادها بين أربعة وخمسة ملايين شخص وتمثل حوالى 8% من الفرنسيين. وقد ازدادت هذه المجموعة بشكل ملفت خلال العقود الأخيرة ومن المتوقع أن تواصل نموها في المستقبل.
وخلافا للدول الأوروبية المجاورة لها، تحظر فرنسا الطائفية باسم العلمانية التي أقرها القانون منذ العام 1905، غير أنها لم تنجح في دمج المجموعة المسلمة التي يتوزع وجودها على بعض الأحياء الأقرب إلى المعازل، مع ما يترتب عن ذلك من مشكلات إقتصادية واجتماعية، فضلا عن مشكلات الهوية والإنتماء.
ويشكل الحجاب بالنسبة للعديد من الفتيات إعلان هوية، وقد اخترن وضعه في حين تخلت عنه والداتهن.
أما الفرنسيون، فينتقدونه معتبرين أنه "سلاحا سياسيا"، كما أعلن معظم المشاركين في مناقشة نظمتها الإذاعة الخاصة "أوروب 1" الخميس.
وأثار قرار جاك شيراك دهشة كبيرة في العالم العربي والإسلامي، خصوصا وأنه يعتبر صديقا للعرب، ولا سيما بعد موقفه الحازم في النزاع الأميركي العراقي.
غير أن الرئيس الفرنسي اضطر إلى اتخاذ إجراء بشكل عاجل في مواجهة تصاعد معاداة السامية وسط أنباء الإنتفاضة ونسب التأييد التي يسجلها اليمين المتطرف الداعي إلى عداء الأجانب والمهاجرين مع اقتراب الإستحقاقات الإنتخابية في 2004.
غير أن أصواتا عديدة ارتفعت معتبرة أن القرار لم يكن متناسبا مع دافعه. ودعا عالم الإجتماع إدغار موران إلى تجاوز "التناقض بين التمايز الطائفي وفرض تماثل" من أجل تطوير نموذج متعدد الثقافات.
ورأى البعض وبينهم رئيس أساقفة ليون فيليب بربران أن هذا القانون "قد يشكل مهد الأصولية".
وإذا كان العديدون مثل بول تيبو رئيس رابطة الصداقة اليهودية المسيحية، يبررون هذا الموقف المرتبك إزاء الإسلام ب"حصر" الديانة في مساحة خاصة، فإن البعض يعتبرون أن الفرنسيين أنفسهم يواجهون مشكلة أخلاقية، فضلا عن مشكلة في تحديد هويتهم.
وتساءلت صحيفة "لو فيغارو" المحافظة مختصرة المسألة "أي طموح يمكن أن يساور فرنسا؟ ما معنى أن نكون فرنسيين؟"، مشيرة إلى أن "العلمانية هي مبدأ تنظيمي وليست مصيرا".
التعليقات