محمد السيد
&
&
&

اثارت عملية الفجر الاحمر التي تم خلالها اعتقال الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين العديد من التسأولات حول الكثير من الموضوعات المطروحة على بساط البحث منذ سقوط بغداد على ايدي قوات الغزو الامريكية وحتى الان.
وبرز الى الواجهة عدة موضوعات تعتبر مصيرية بالنسبة الى الشعب العراقي بينها:
1-&حقيقة شخصية صدام حسين ومدى ما يحمله من جبن وخوف في داخله والكم الهائل من التعلق بالحياة حتى وان ادى ذلك به ان يخسر كل ما هو جميل في حياته كالولد والعائلة وغير ذلك مما هو اساسي في حياة كل انسان سوي.
2-&المصير الذي سيؤول اليه صدام حسين الذي كان سمة بارزة في حياة الملايين من المظلومين والمعذبين في ارض الرافدين وبعد ان عاث فسادا في الحرث والنسل وبدد الثروات على اوهام القوة التي كانت تعشش في مخيلته المريضة.
3-&المصير الذي سيؤول اليه العراق من حيث الاسس التي سيبنى عليها عراق ما بعد صدام والعلاقات التي يمكن ان تربط شعبه المظلوم بدول الجوار التي ساهمت بشكل او بآخر في مأساته المتواصلة حتى اليوم نتيجة تورط تلك الاطراف الاقليمية في مواصلة التدمير والتخريب في العراق.
4-&المصير الذي ستؤول اليه الحملة الامريكية على العراق بل على منطقة الشرق الاوسط باسرها وما سيقع لحكام العرب سيما المغاوير واخوة القعقاع من امثال القذافي وبشار الاسد اللذين ابتدئا بعملية انبطاح غريبة وملفتة.
غير ان المهم الان هو الاجابة على السؤال المتعلق بمصير صدام وحقيقة المنتصر في هذه الحرب التي جرت على غير القواعد المعروفة للحروب حاليا خصوصا وان ملايين العراقيين يغصون برغبة الانتقام من ذلك الجبان.
ان الطريقة التي عرض بها الديكتاتور والمهانة التي حرص الامريكيون على اظهاره بها في سياق الحملة الانتخابية التي بدات مبكرا بالنسبة لبوش الابن من جهة وممارسة التلويح بالعصا لكل من عصا من حكام منطقة الشرق الاوسط من جهة ثانية تثير العديد من التساؤلات.
كما ان تردد اسماء اقليمية في عملية الاعتقال واصرار الامريكيين على قضية الوشاية كاساس لعملية الاعتقال وما يرتبط بذلك من امور يسمم الاجواء برائحة تسوية كان الابقاء فيها على حياة صدام ثمنا لعدد من المكاسب الامريكية التي يمكن ان تنال بدورها من كرامة العراقيين وثقتهم بنوايا العم سام وهو ما سيعقد بلا شك عملية استجلاء صورة المستقبل.
ظاهر الحال - وكما اسلفنا في موضوع سابق تحدثنا فيه عن الفرق بين استراتيجيتي صدام والامريكيين في المواجهة - هو ان دور صدام لم ينته بعد وان رحم الايام يحمل وليدا عراقيا وشرق اوسطيا مشوها.
اولا: لابد من القول بان من يعرف شخصية صدام الحقيقية لا يتوقع منه اكثر مما ظهر منه حينما القي القبض عليه في جحره في الدور فهو قد رضي بتقبيل يد شاه ايران المخلوع حتى يوقع الاخير على اتفاقية الجزائر المذلة للعراق وهو من أمر كبار ضباطه بالتوقيع على اتفاقية صفوان دون ان ينبسوا ببنت شفة بعد عاصفة الصحراء عام 1991، وهو من رضي بضباط المخابرات المركزية الامريكية للتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل حينما احس بالحلقة تضيق عليه وهو الذي قدم التنازلات من ارضه لكل من الكويت والاردن والسعودية بعد حرب الخليج الثانية لتكثير الاصدقاء في وجه العناد الامريكي وهو... وهو....
اما الذين لا يملكون ذرة من كرامة ممن رضوا ان يكونوا قوادين او جلادين او الات قتل بيد الجلاد فهم الوحيدون الذين هالهم ما رأوا ولا بد لهم من ذلك فهم ان قبلوا صداما بهذه الحقيقة فكيف سيفسرون تمكن ذلك الجبان من اسلاس قيادهم كل تلك السنين؟.
قلة فقط هم العارفون بحقيقة هذا المتغطرس الجبان المتعطش للدماء وقلة هم الذين يدركون انه لا يحتاج الظلم الا الضعيف.
ثانيا: لا بد من القول بان عملية القاء القبض على صدام لا تبدو نهاية المطاف بالنسبة لقضية العراق او مستقبله او مستقبل القوات الاجنبية فيه ولنا على ذلك ادلة يمكن لكل عاقل ان يرصدها اليوم او المستقبل المنظور بينها:
1-&عدم توقف العمليات العسكرية ضد القوات الامريكية بل وامكانية اتساع نطاقها في المستقبل لتشمل كافة القوات الاجنبية المتواجدة في العراق.
2-&اتساع نطاق الإرهاب ليشمل رموز قوات الاحتلال او مجلس الحكم ومنظومته البسيطة وكل من رضي بالتعامل مع هذه المنظومة سيما العناصر الحقوقية.
3-&اتساع دائرة التناحر بين القوميات والطوائف العراقية المختلفة بل وحتى بين رموز القوميات والطوائف ذاتها وفي داخل بيتها مما يشير الى وجود أيد خفية تحاول تكريس هذه الحالة في عراق ما بعد صدام.
4-&عجز جميع الجهات المسؤولة المتواجدة حاليا في العراق عن اقرار الامن كعامل اساسي في عملية اعادة البناء ووضع الاسس الرصينة للبنية التحتية لاقتصاد عراقي يناسب مستوى الحياة الكريمة المطلوب توفيره للعراقيين.
5-&تساقط الرموز السياسية العراقية تباعا نتيجة عدم وجود الكفاءة المطلوبة لعراق ما بعد صدام وتكريس امراض حرص النظام البعثي السابق على تكريسها في اوساط المجتمع العراقي كالمحسوبية والمنسوبية والرشا وتجاوز القانون وغيرها.
6-&الحرص على المحافظة على حياة صدام حسين وحماية من القصاص العادل الذي يرغب الشعب العراقي بانزاله به على كل الجرائم التي ارتكبها بحق هذا الشعب وشعوب المنطقة والعالم.
ولكن لا يحيق المكر السيئ الا باهله والمقبل من الايام سيثبت لكل الاطراف التي ما تزال مصرة على الوقوف مع صدام بدل الوقوف مع الشعب العراقي والتكفير عن المواقف السابقة التي ملئت قلوب العراقيين قيحا من الجيران، كل ذلك سيثبت لهم بان هناك خللا مركزيا في فهمهم للامور وان التاريخ يجب ان يتجاوزهم لسواهم.
القضية المركزية بالنسبة للشعب العراقي هي فرز الجبهات والتفريق بين الصديق والعدو، فعملية اعتقال صدام بهذه الطريقة والسيناريو الذي تبعها سيكشف للعراقيين من من دول الجوار صديقه ومن عدوه " فالشعوب قد تستلم ولكنها لا تموت".
ان ما سيؤول اليه مصير صدام امر في غاية الاهمية للعراقيين فهو سيكشف حقيقة النوايا الامريكية وصدقية الادارة الامريكية في ادعائاتها حول العراق ومستقبله الحر الديمقراطي التعددي فضلا عن الكشف عن صدقية ادعاءات التيارات السياسية العراقية التي تسابقت للتعاون مع الامريكيين.
وبما ان اعتقال صدام واظهاره بالمهانة التي ظهر فيها على شاشات التلفاز يمثل على رأي المختصين المرحلة الاولى من العلاج النفسي الذي يحتاجه العراقيون نتيجة عمليات التخريب النفسي التي مارسها النظام السابق فان افاقة الشعب العراقي من غيبوبة الثقة بالنفس سيجعله مصرا على ان يرى مصير صدام ونهايته بالطريقة العراقية مما ينبئ بمستقبل غامض في المواجهة بين العراقيين والامريكيين اذا ما اصر الامريكيون على التلاعب بقضية الاقتصاص من صدام وتفويت الفرصة على العراقيين لاشفاء غليلهم ولفهم مرحلة عسيرة من تاريخهم المعاصر.
والطروحات التي تتداولها الفضائيات وسائر وسائل الاعلام العربية والاجنبية حول المحاكمة التي يجب ان يمثل أمامها الديكتاتور والمتطوعون الكثر الذين شمروا عن سواعدهم لانصاف الطغاة من عدالة الشعوب كلها امور تشير الى امكانية ان تتحول قضية صدام - الجزئية قياسا الى ما ينتظر الشعب العراقي من مستقبل اخر- الى قضية مركزية قد تكون القشة التي تقصم ظهر البعير.
محكمة الجزاء الدولية التي لم تعترف بها واشنطن ام محكمة لاهاي التي ما تزال ترواح مكانها في قضية ميلوسوفيتش ام محكمة عراقية خالصة ام محكمة عراقية يحضرها خبراء دوليون، ام محكمة اخرى، كل واحدة من هذه الخيارات سيكون له اكبر الاثر في مستقبل العراق وعلاقاته مع جيرانه وقبوله بنوع المستقبل الذي ينتظره.
حكم بالجلد ام بالسجن لعدة سنوات ام حكم بالمؤبد ام بالاعدام الذي لا تستسيغه دول اوربا المتحضرة- ام أي حكم اخر سيكون له هو الاخر اكبر الاثر على تكامل الوعي العراقي بالنسبة للعبة السياسة الدولية والموقف المطلوب من الشعب العراقي ازاء متغيرات الواقع.
أما القضية الثانية فهي ان التيارات الرافضة للتواجد الامريكي في العراق وهي كثيرة- سترى بزوال صدام من صورة الحدث زوالا لأهم الأسباب التي تحول بينها وبين الوقوف مع الواقفين بوجه القوات الامريكية الرافضة لفهم التركيبة الخاصة للشعب العراقي مما سيزيد المواجهة بين الطرفين ضراوة وشدة.
واهم اولئك هم اعضاء الحركات المتطرفة كالقاعدة ومن يدور في فلكها والتي ترى بزوال صدام تلميعا لصورتها امام العالم الاسلامي مما سيدفعها الى المزيد من العمليات الانتحارية ضد القوات الامريكية.

وعلى هذا الاساس فان شهر العسل الذي يرى المخططون في واشنطن انه بدأ بسقوط صدام في ايديهم سيكون قصيرا وستتبعه مرارة لن تبقي شيئا من حلاوة الانتصار في افواههم.
كذلك فان استسلام صدام للامريكيين بناء على التسوية التي يرى البعض انها ابرمت بينه وبين الامريكيين سيعني فيما سيعني التفريق بين دائرتين كان صدام يدمجهما معا وهما الدائرة القبلية الضيقة المتمثلة في ابناء عمومته وعشيرته وبين الدائرة الحزبية الاوسع قطرا.
هذا التفريق سيدفع بالدائرة الاولى سيما مع وجود بعض الرموز التي كانت تمثل حلقة الوصل كعزة الدوري للالتصاق اكثر بالتنظيمات المتطرفة الراغبة في مواجهة الامريكيين لا لوطنية تعتمل في انفسهم وانما لاستعادة المجد التليد، كما سيدفع بالدائرة الحزبية وهي لا تزال تملك المال والسلاح والتنظيم - للتفكير في مستقبلها السياسي الذي ارتبط لثلاثة عقود بنظام دموي.
هذا طبعا سيدفع البعثيين مرغمين نحو التنسيق مع مختلف الاطراف السياسية العاملة والمؤثرة في العراق للحصول على سهم معين في الخريطة السياسية المقبلة او مواصلة العناد والضغط باتجاه افراغ الساحة ممن يمكنه انجاح المشروع الامريكي.
وتلك الاطراف وبحسها السياسي الدموي المعتاد تعلم ان رعاة البقر الامريكيين لا تجبرهم المفاوضات غير الملطخة بالدماء على شيئ لذا فانهم سيدعمون وسيجندون من يستطيعون لمواصلة ما يسمى بالمقاومة العراقية وهذا الخيار ان اجبر الامريكيين على التفكير باشراك البعثيين في الحياة السياسية العراقية المستقبلية فانه سيعني دفع المزيد من الفئات المظلومة للوقوف بوجه الامريكيين مستقبلا.
البعثيون سيسعون ايضا الى عرقلة مسيرة اعادة البناء والاعمار وسينسفون ما استطاعوا الى ذلك سبيلا كل البنى التحتية للعراق لاثبات نظرية ان العراق دون البعثيين سيكون ارضا خالية كما سيقومون باغتيال اية شخصية عراقية تقف مع التيار الجديد.
ان الرغبة الامريكية في المحافظة على صدام كفزاعة تخيف بها العراقيين من جهة وكخبير تمكن من اسكات العراقيين عدة عقود واحتمال الأستفادة من تجربته في ترسيخ دعائم وجودهم في العراق لعدة عقود اخرى والقبول بالبعثيين كشريك في المرحلة الجديدة يوقعهم بخطأ مميت.
فحينما قصرت الادارة الامريكية عدد المطلوبين لعدالتها على نيف وخمسين شخصا فقط دفع ذلك عددا من العراقيين الى ممارسة حقهم في الاقتصاص بايديهم وهو ما اسفر عنه تشكيل عشرات الخلايا التي اخذت على عاتقها تصفية المجرمين من البعثيين مما ينذر بحرب اهلية لا تبقي ولا تذر.
ان ذلك بالضبط هو ما افلت زمام الامن من بين يدي الامريكيين ويدي القيمين على حكم العراق بالوساطة وعقد عملية الاستقرار الامني، كما ان الابقاء على صدام حيا وحمايته والحفاظ على امواله المنهوبة من هذا الشعب سيكرس الحالة الموجودة حاليا والله اعلم.
عليه فاننا ندعو الى الاعتبار من التجارب التي توالت منذ سقوط بغداد حتى اليوم والمبادرة الى الاقتصاص من صدام بابسط الطرق واوضحها واسهلها واقلها اثارة لوجع الرأس ومهما كانت الطريقة المقنعة التي تقبل بها الاطراف القوية في المعادلة العراقية الحالية فهي يجب ان تنتهي باعتراف صدام بكل الجرائم التي ارتكبها ومواجهة القصاص العادل الذي يجب ان يوقع عليه.
هذا الامر حيوي واساسي لاعادة الهدوء الى العراق والى المنطقة والى العالم باسره حتى وان كانت الاجندة الامريكية بعيدة عن ذلك.
ان بقاء صدام على قيد الحياة لا يمثل فقط كونه فزاعة للشعب العراقي ولمنظومة الحكام العرب الذين رفع لواء دخولهم بيت الطاعة الامريكي البطل الليبي المغوار العقيد القذافي، وهو ليس مذخرا للمعلومات المفيدة لواشنطن، انه شيئ اخر ايضا فهو كومة من البكتريا المميتة قد ينكسر الاناء الذي يحويها في أي مختبر امريكي كان ويتحول الى قنبلة بيولوجية فتاكة لن تتمكن كل الخطط الامريكية المعدة سلفا من احتواء اثارها المخربة.
كذلك فان علينا كشعب وكنخبة وكسياسيين ان نواصل الضغط باتجاه ارغام الاطراف القوية في المعادلة الحالية على الرضوخ لهذا المطلب باعتباره مطلبا شعبيا اساسيا لاعادة بناء العراق الذي لا يمكن اعادة بناءه دون اعادة تاهيل النفسية العراقية للمشاركة في البناء الجديد.
علينا ان نواصل الضغط باتجاه محاكمة صدام محاكمة طويلة بعترف اثنائها بكل الجرائم التي ارتكبها وان تؤدي هذه المحكمة الى الاقتصاص منه.
واذا كان للسياسيون اللاهثون وراء الكراسي والمناصب مآرب قد تدفعهم للقبول بوجهات نظر غربية متساهلة او راغبة في رؤية صدام في سجن سويدي او هولندي فاننا كافراد عاديين ننتمي الى شعب جرى تعذيبه واضطهادة لعقود خلت ليست لنا تلك المآرب ونحن مستعدون لانهاء اعمارنا التي بددها صدام بين الفيافي والبحار لاجل ان نتم مهمة واحدة فقط وهي رؤية هذا الجبان وهو ينال جزائه العادل بعد ان يعترف بكل ما جنت يداه.