فاضل الخياط
&
يقول مونتسكيو " في زمن الدكتاتورية يتساوى كل شيء لانه لا وجود لاي شيء".
تضيء هذه المقولة السبب الخفي الذي يجعل من انتهاكات الطغاة امرا ممكنا ومقبولا في دولة العقيدة الواحدة والايديولوجيا المتعالية.&
تضيء هذه المقولة السبب الخفي الذي يجعل من انتهاكات الطغاة امرا ممكنا ومقبولا في دولة العقيدة الواحدة والايديولوجيا المتعالية.&
فقبل ان تمسك دولة اللاهوت الارضي او السماوي بغربالها المقدس، تكون قد مهدتِ الارض لان ترمي على المجتمع رداء الفناء الذي يصبح فيه كل شيء فاقدا لحضوره او لقيمته الانسانية. يصبح "اللاشي" هو التوصيف العملي لجموع البشر التي يتوجب عليها.. كونها " لا شيء" ان تتماهى مع مشهد الفناء الى آخر تجلياته، حيث يصبح الشيء واللاشيء سواء.
فليس الانسان، في دولة اللاهوت والعقيدة الواحدة، سوى ذرة هزيلة بين عدد لانهائي وغير محدود من الغبارالمتساقط من رداء الشفيع، الرائي الذي عرف كل شيء وحفظ كل شيء، حامل الواح الملكوت وسرالله وارادته ووصاياه النهائية المحكمة.
لا حضور للانسان في دولة الشريعة والقانون الالهي، انه مجرد حجر يمكن استبداله بحجر اخر دون ان يُحدث خللا في هيكليتها المتسامية على الوقائع والارقام.
يرتفع صوت امناء الله وحاملي كلماته على صوت الانسان، سواء أكان فردا أم مدنا من البشر ترقد تحت انقاض من الآجر والتراب دون ان يصل اليها احد.. ويغطي غبار قداستهم اجساد الضحايا فلا يعود يراها احد.
يصبح اقتياد الملايين الى غرف الغاز ، في ملحمة الهولوكست امرا ممكنا بل ومعقولا مادامت الملايين ذاتها تسقبل قدرها بانشراح ويسر.. كأنهم موتى وما هم بموتى.. كأنهم يساقون الى فنائهم وهم ينظرون..لا موقع هنا للمقاومة او الاعتراض، حين تفرض الدولة، بوسائلها الخارقة- ما ترتضيه الرعية، كيقين منجز ونهائي- تعريفها لحدود الشيء واللاشيء، عبر تمييزها للبشري عن اللابشري .. تصنيفها للرعية وفق اسماءهم وسحنات وجوههم وهيئة انوفهم.. وما خرج عن حد التعريف فقد خرج عن حد الحياة.
ويصبح برنامج (الابادة من اجل البقاء) امرا طيبا ولذيذا في دولة "القائد الضرورة" الذي كان فقهاء الصحراء يشرّعون له ان عشرين بالمئة فقط من شعب العراق.. عشرين بالمئة .. مجاهدة وصابرة ومؤمنة بدولة المجد العربي خير من شعب كامل يحب الحياة اكثر من الموت، ويستمتع بالسلام اكثر من الحرب.
ويصبح التخلي عن آلاف من البشر يُدفنون احياء تحت انقاض زلزال " بام" المنكوبة امرا مستحبا ومُسَوّغا شرعيا ما دامت الدولة، لعلـّة فقهية تتعلق بشروط الطهارة والنجاسة، لا تجيز اقتناء الكلاب المدربة، وليس من غيرها وسيلة، تستعين بها على اقتفاء رائحة اللحم البشري، ولا تهيء فرق انقاذ، احتياطا للهزات الارضية، وهي تقع على خط الزلازل الذي يصيبها مرة او مرتين كل عام ، لان هذا مما يتعارض مع مشيئة الغيب والتسليم بالقدر الالهي. أ و لأن "الدولة" غير قادرة بوسائلها المتوفرة على الوصول الى مسرح الكارثة بعد ان تبخّـر كل ما لديها في برامج تخصيب قنابل نووية وتكديس الاف من الصواريخ عابرة القارات، او في حروبها العبثية والمُتـَـوهمة.
&خرافة اخرى تضيفها العباءة الاسلامية لسلسلة خرافاتها العظيمة منذ ان تسلمتِ السلطة قبل اكثر من عقدين، حروب وفقر وموت مباح وعزلة دولية مرعبة...
في تسعينيات القرن الفائت، قدّم وزير المواصلات الياباني استقالته على اثر خلل تقني تسبب في اصطدام قطارين وموت ما يقرب من ثلاثين شخصا..
وتقدم وزيرالصحة الاسترالي، قبل اسابيع، باستقالته.. خجلا.. لانه تسبب في فترة اربع سنوات، في تسعة عشر حالة وفاة، كان يمكن تلافيها لو انه اولى اهتماما مناسبا لتقارير، تشرح خللا في اجراءات الفحص، قدمتها له اربعة ممرضات في المستشفيات الحكومية.
وتقدم وزيرالصحة الاسترالي، قبل اسابيع، باستقالته.. خجلا.. لانه تسبب في فترة اربع سنوات، في تسعة عشر حالة وفاة، كان يمكن تلافيها لو انه اولى اهتماما مناسبا لتقارير، تشرح خللا في اجراءات الفحص، قدمتها له اربعة ممرضات في المستشفيات الحكومية.
اما في بلدان العقيدة الواحدة، وانبياء القرن العشرين وفقهائه، فان هلاك الملايين في حروب الشعارات المُـنـَـزّلة، او انهياراقتصاد دولة بكامله وتكبيلها بالديون والفقر، او دفن الآلاف من البشر احياءً تحت الارض، فيمر بهدوء واطمئنان، ولا يكون سببا كافيا وشافيا كي تعلن الحكومة، تفاديا للحرج او العار، خروجها من المشهد، بل ان الشعوب ذاتها لتقف راضية مرضية لقدرها العدمي، ومنقادة لموتها الجماعي ولا تملك ما تفرضه على حكوماتها وارغامها على التنحي ومنح الفرصة لآخرين لتصحيح الامور.
اي مهزلة واي هراء تمارسه دولة القحط الالهي، واي موت وقنوط واستسلام يسكن هذه الشعوب حتى تتـقبل كل هذا الفناء.
هل يحتاج الشعب الايراني الى كارثة مثل " بام" حتى يدرك مدى الكارثة التي اوصلته اليها دولة الحكم الالهي وحاملي راية النورالسماوي.
كم من الخراب اكثر يحتاج هذا الشعب المعروف بيقظته والتحام شعوره الجماعي حتى يدرك يقينا أن يوتوبيا الدولة الفاضلة لن تمنحه سوى مزيد من الانغماس في رمال الشقاء والموت.
وكم من المهازل يحتاج ، حيث بقيت آلاف العيون البشرية متحجرة في ظلمة التراب او في عراء البرد والطعام، حتى يعرف انه قد حان الاوان ليستعيد روحه المتوثبة التي اطاحت بحكم الشاه البائد، كي يعلن لاءه الكبيرة ضد سلطة الخرافة.. ويتمكن من تدارك الامور وانقاذ ما تبقى من انسانيته وكرامته.. عبر نسف كل الاوهام التي ارتكن اليها والتي اعشى عينيه بريق العمائم عن رؤية الكوارث التي يرميها عليهم.. سدنة الوحي وامناء اليقين.
كم من الدموع والنواح والثكالى يحتاج هذا الشعب حتى يقدر ان يهشم حجر الكهف الذي أوصد عليه.. كم من الشمس يحتاج كي يعبر بها ظلمة السكون ..
لا نريد ان نستهدي بالواح النبوءة في بلاهات السياسة، ا وان نلقي حجرا في بحيرة العزاء، لكنّ ..المتابع للشأن الايراني يعلم يقينا ان هذا الشعب.. وفق جردة سريعة لمخاضه في السنوات الاخيرة .. لا يحتاج سوى الى قشة الريح كي يدرك انه لا خلاص ولا رجاء، من كل هذا الخراب العميم، سوى ان يهشـّم مفصل العلاقة بينه وبين مرؤوسيه الذين تكدرتْ حياته وتشوهتْ بما ورطوه فيه من فواجع وويلات.. اما خيبته الاخيرة بدولته في "مجزرة بام" فكانت اكثر من قشة، كانت جبلا من الالام والقهر ينهارعلى صبره.. لنقلْ احلامه ورجائه بتصحيح الامور بشكل سلمي.
هل يكون زلزال بام، الشبيه بيوم الحشر اوالقيامة الكبرى، بمثابة الفأس التي تنهال على ظهر الكركدن الالهي في حكومة العقيدة السماوية واحلام الغيب. هل من برهان اشد سطوعا من هذا الدمار والبؤس.
لننتظر كي نرى.
لننتظر كي نرى.
عزاء.. مخضب بالدموع والقيح والوجع.. لايران وشعبها.
&
&
التعليقات