أسامة عجاج المهتار
&


السِلْم الإسرائيلي حاضر بيننا من غزّة إلى بغداد فلنتبصّر به إذ لا سِلْم في الأفق سواه.
هناك نظرتان إلى مستقبل العلاقة مع إسرائيل: نظرة عربية رومانسيّة ترى سلامًا قائمًا على الرغبة الأكيدة بالعيش المشترك بين العرب وإسرائيل نواتها دولتان فلسطينيّة وإسرائيليّة تحترم كل منهما حق الثانية بالحياة وتقوم بينهما علاقات في شتى المجالات، وتكوّنان نموذجًا يُستوحى لقيام سلام شامل في الشرق الأوسط يُطلق الطاقات من أسرها ويعود بالخير على الجميع. أما النظرة الإسرائيليّة فتقوم على تهويد ما بقي من فلسطين منعًا لقيام دولة فلسطينيّة فيها واستباحة أو تدمير ما يمكن من الهلال الخصيب، والهيمنة الأمنية والاقتصادية عليه، وخلق مناخ عربي قابل، أو أقلّه غير رافض لهذا الواقع. إسرائيل نجحت في فرض نظرتها على أميركا، أما نحن فلا نزال ننتظر أن تفرض أميركا نظرتنا على إسرائيل، دون أن يكون ثمة سبب موضوعي وموجب لذلك.
يلخّص الكاتب الإسرائيلي "إفراييم إنبار"، في مقالة له بعنوان "الوقت إلى جانب إسرائيل" نشرتها هآرتز بتاريخ 28 كانون أول (ديسمبر) الحالي، نظرة إسرائيل إلى السلم مع الفلسطينيين كما يلي: "لن يكون هناك سلم مع الفلسطينيين قبل قيام كيان فلسطيني ( (Entityيكون على استعداد لقمع أولئك الذين يعارضون وجود إسرائيل."
في الوقت نفسه وبعد "ضمانات القروض" والهبات الأميركيّة لشراء أسلحة تُدَمَّرُ بواسطتها البنى التحتيّة في هلالنا الخصيب تستمر الأنباء بالرشح عن دخول شركات إسرائيلية في مناقصات، إن لم يكن مباشرة فمن باطن شركات أميركية، أو عبر رساميل إسرائيلية مخفيّة، لإعادة بناء العراق، بعد أن أجج عملاؤها في الإدارة الأميركية لضربه. فإذا بإسرائيل كالمنشار تربح هدمًا وتربح بناءًا. تقتل وتجرح وتدمر وتبني على حساب المكلّف الأميركي، والمكلّف أميركي يحلم بأن يستردّ ما دفعه من ثروة العراق النفطية.
السلم الإسرائيلي يقوم على معادلة بسيطة: معونات عسكرية أميركية لإسرائيل، ومعونات إنسانية أوروبية وعالمية للفلسطينيين والعراقيين. إنه يقوم على تحويل ضحايا الآلة العسكرية الإسرائيلية والأميركية، من غزّة إلى بغداد، إلى شحاذين يستدرّون عطف الجمعيات الإنسانية الدولية والدول المانحة فتجود عليهم بمال يدفعونه للسيد الإسرائيلي ثمنًا لبضائعه ومحاصيله الزراعية بعد تدمير مصانعنا وجرف أراضينا الزراعية من بيّارات ونخيل. هذا هو السلم الإسرائيلي للذين لا يزالون يحلمون بالسلام مع إسرائيل. أنه هنا فلنتبصّر.
هذه النظرة الإسرائيليّة للسلم ما هي سوى جهنّم لنا في حقنا ووطننا، ليس لجيلنا نحن فقط، بل لأجيال وآجال قادمة. هذه النظرة لا ينفع معها سوى إبقاء إسرائيل في حالة اهتزاز أمنيّة واقتصاديّة، وفي إبقاء قوات الاحتلال الأميركي في العراق في حالة نزف دائم. لا يكفي أن يسقط المشروع الصهيوني فلسطينيًّا، يجب أن يسقط أميركيًا أيضًا عبر استيعاب المكلَّف الأميركي لكلفة دعم إسرائيل واحتلال العراق نيابة عنها من المال والدماء. هذا لن يكون بالأمر الهيّن بل سيتطلب تضحيات جِسامًا، وصراعًا طويلاً وإعلامًا هادفًا على مختلف الجبهات.
جميل أن يكون لنا نظرة مثالية إلى السلام ولكن الأجمل أن نستوعب جهنّم السلم الإسرائيلي الذي يستعبدنا. إن طريق هذا السلم مرصوف بالنوايا الحسنة، أما الطريق إلى السلام الذي نستحق فمجبول بدماء الشهداء.
ولا ننسى أن السلم ليس سوى وقف للقتال بسبب تفوّق أو توازن. أما السلام فهو من أسماء الله الحسنة.
&