اعتدال سلامه من برلين: لم تطلق إشاعات حول مصير تواجد القوات الأميركية في ألمانيا مثل ما حدث هذه السنة، خاصة بعد الحرب في العراق وتأزم العلاقة الألمانية الأميركية بسبب رفض برلين حل واشنطن العسكري. وكان هذا الخلاف مادة دسمة للإعلام الألماني ليطلق التأويلات أو القول بأن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش ستسحب أكبر عدد من قواتها لتمركزها في شرق أوروبا عقابا لحكومة المستشار الألماني غيرهارد شرودر.
وحاول يومها العديد من السياسيين الألمان الحيلولة دون تنفيذ واشنطن تهديداتها لما لذلك من انعكاسات سياسية واقتصادية على ألمانيا، فعدا عن أن خروج القوات الأميركية سيفقد برلين وزنها السياسي لدى الإدارة الأميركية، سيتعرض أيضا عشرات الآلاف من ألمان للبطالة.&إذ يتمركز في ألمانيا أكثر من 70 ألف جندي أمريكي في مناطق أصبح اقتصادها مرتبطا بتواجدهم، وإغلاق القواعد العسكرية المتواجدة فيها منذ قرابة60 سنة أي عقب الحرب العالمية الثانية، سيفقد الآلاف من الألمان مواقع عمل، فهم يعملون في مرافق مختلفة من إدارات الجيش وحتى مطاعمه.
لكن يبدو أن هذه الإشاعات ستظل إشاعات، على الأقل للعام المقبل، بعد صدور تصريحات من البيت الأبيض طمأنت بعض الشيء الألمان لكن لا أحد يعرف ماذا يخطط الأميركيون.فحسب تصريح وزير الدفاع الألماني شتروك يتدارس حاليا خبراء من وزارتي الخارجية والدفاع في برلين وممثلين عن الإدارة الأميركية مصير القوات الأميركية المرابطة في ألمانيا على أساس الخطة الموضوعة لتقليص حجمها لكن ليس بالشكل الذي تناقلته الإشاعات ،فلدى واشنطن النية بإبقاء أكبر عدد من الجنود.
في المقابل تقول معلومات أمريكية إن مسألة إعادة انتشار القوات الأميريكة في الخارج أصبحت أمرا محسوما بالنسبة للإدارة في واشنطن بعد مرور عشرة أعوام على انتهاء الحرب البادرة. فمراكز تواجده هذه القوات يجب أن تسهل عليها الاستعانة بهم في أسرع وقت ممكن من أجل مواجهة تهديد الأعداء الجدد.
لكن لن تنشأ كما تردد في السابق أي ثكنات عسكرية في بولندا وبلغاريا ورومانيا، كي تبقى ألمانيا أهم مركز عسكري أميركي في الخارج مع الإبقاء على أكثر من 80 في المائة من الجنود فيها.وللموقف الأميركي أسبابه، فرغم المظاهرات المعارضة للحرب في العراق التي خرجت في الشوارع الألمانية إلا أن موقع ألمانيا الجغرافي يوفر للقوات الأميركية سرعة الحركة والانتقال في كل أوروبا والعالم وهناك مستشفى عسكري أميركي ضخم في مقاطعة بافاريا أظهر خلال الحرب في العراق وحتى اليوم أهمية موقعه من أجل سرعة معالجة الجرحى الأمريكيين. عدا عن ذلك فان واشنطن على قناعة تامة بفعالية الإجراءات الأمنية الألمانية وعليه فلا خطر يهدد تواجدها العسكري هنا.
وكدليل على وعي واشنطن بكل هذه الإيجابيات تود الآن توسيع قنصليتها في فرانكفورت لتصبح أكبر تمثيل دبلوماسي لها في العالم.ومن الذين يؤكدون أن واشنطن لن تستغني عن تواجدها العسكري في ألمانيا اوتفريد ناساوار مدير مركز المعلومات للأمن الأطلسي في برلين. ففي رأيه أن فكرة الانتقال إلى بلدان في شرق أوروبا تدل إذا ما تحققت، على قلة خبرة العسكريين للأميركيين، فعدا عن تكاليف النقل الضخمة جدا وإنشاء مئات المراكز والثكنات، تحتاج واشنطن في الدول الجديدة إلى سنوات طويلة للبناء والاعتياد عليها من أجل متابعة استراتجيتها ومواجهة المتغيرات المتوقعة في مناطق كثيرة من العالم وهذا يخالف مخططاتها.