&
&
&
محمد الخامري من حضرموت: لابد أن الكثير منا قد سمع الفنان العربي الكبير أبو بكر سالم بالفقيه وهو يتغنى ب ( تريم الغنا ) لكن القليل جدا من يعرف ماهي تريم الغنا وكيف هي وأين تقع؟..
سميت مدينة تريم بهذا الاسم حسب ما جاء في كتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي لأنها إحدى مدينتي حضرموت.. لأن حضرموت اسم للناحية بجملتها ومدينتيها شبام وتريم هما قبيلتان سميت المدينتان باسميهما.. وذكر مرتضى الزبيدي في كتابه (تاج العروس)
انها سميت باسم بانيها - تريم بن حضرموت- ويؤكد المؤرخون العرب أن مدينة تريم كان اختطاطها في القرن الرابع قبل الميلاد وجاء في (معالم تاريخ الجزيرة العربية) لسعيد عوض باوزير أن تريم كان تأسيسها في عهد الحكم السبئي لحضرموت وأنها سميت باسم أحد أولاد سبأ الأصغر أو باسم القبيلة التي من تريم هذا. وهناك رأي آخر يقول: أن تريم اختطت في زمن (أسعد الكامل) من التبابعة الحميريين وهو إنما كان في القرن الرابع الميلادي ويقرب من هذا الاتجاه ما جاء في كتاب (شرح الصدور) للسيد علي بن عبد الرحمن المشهور من أن حصن الَّرناد بني قبل البعثة النبوية بأربعمائة عام.
كما اشتهرت تريم بانتشار أشجار النخيل في مزارعها وحدائق بيوتها ومنتزهاتها وبأصناف شتى ونظرا لانتشار المزارع والحدائق والمنتزهات سميت بتريم الغنّاء.

الموقع الجغرافي والمكانة الدينية
تعد مدينة تريم عاصمة حضرموت الدينية حيث كانت ولا تزال مركزاً يشع منه نور العلم والمعرفة ومركز إشعاع ديني منذ ظهور الإسلام حيث بدأت الرحلات لنشر الدين الإسلامي منها في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس هجري عندما هاجر مجموعة من اهلها إلى الهند وإندونيسيا وسنغافورا والفلبين لذلك الغرض.
وتقع تريم الأثرية شمال شرق مدينة سيئون في وادي حضرموت اليمنية بداية وادي المسيلة المعروف بآبار النفط. واشتهرت في مطلع العصر الإسلامي كعاصمة لوادي حضرموت حين رجع وفدها من المدينة المنورة في السنة العاشرة للهجرة وفيهم ( لبيد بن زياد الأنصاري) عامل رسول الله والخلفاء الراشدين عليها وكانت بين حين وآخر تتبادل مع شبام زعامة الوادي إلى عام ( 203هـ) عندما جاء الزياديون إلى حضرموت وأصبحت بذلك خاضعة لهم..
&واشتهرت تريم بمكانتها الدينية وبكثرة مساجدها حيث وصل عددها إلى ثلاثمائة وستون مسجداً وهذا العدد كبير نسبياً إذا ما قورن بحجمها وعدد سكانها ثم أخذ هذا العدد بالتناقص بسبب ظهور المساجد الكبيرة التي تستوعب أعداداً غفيرة من المصلين فتهدم بعضها وتوسع البعض الأخر مما أدى إلى تقلص العدد ليصل في الوقت الحاضر إلى مئة مسجد تقريباً لا تزال عامرة بالمصلين لقد كانت مساجد تريم الكثيرة في معظمها مصليات أو مساجد صغيرة ثم تداخلت ببعضها أو توسعت وتحولت إلى مساجد كبيرة أو جوامع تقام فيها صلاة الجمعة والجماعة وفي أثناء عملية التوسيع أو الترميم أدخلت على بعضها تحسينات وأعيد تصميمها على شكل هندسي بديع ومثال على ذلك المسجد الجامع المقام في قلب مدينة تريم والذي يرجع تاريخ بنائه إلى ما قبل ألف عام أي ما بين (375 402هـ) إذ يروى أنه بني في عهد الحسين بن سلامة الذي ولي الحكم في اليمن عام (375هـ) وقد بني هذا المسجد ضمن مساجد أخرى بناها في أماكن أخرى حيث عرف عنه أنه كان يبني مسجداً بين كل مرحلتين والحسين بن سلامة هو أحد موالي دولة بني زياد وكانت عمارة هذا المسجد قد تجددت عدة مرات منذ أنشأه إذ كان أول تجديد له عام (581هـ) أي بعد حوالي قرنين من بنائه أما التجديد الثاني فكان في عام (585هـ) أي بعد أربع سنوات من التجديد الأول وجدد للمرة الثالثة في عام (960هـ) ثم تم توسيعه عدة مرات لاحقة حتى صار على ما هو عليه اليوم بعد توسيعه الأخير في عام (1392هـ) وتـصـل مساحـته اليوم إلى ( 19110 قدماً مربعاً ) وتحمل سقفه ستون دعامة اسطوانية قطر الواحدة (16 بوصة) وللمسجد ثمانية أبواب وتزينه المنارة التي بنيت في منتصف الجدار الشرقي للمسجد ، ويبلغ ارتفاعها (115 قدماً) ، ويقع الجامع في الطابق الثاني ، أما الطابق الأول (الدور) الأرضي فقد أفتتح في ديسمبر من عام (1972م) كمكتبة تضم معظم المخطوطات ، وأطلق عليها اسم مكتبة الأحقاف.


منارة المحضار

ومن مساجد تريم الشهير مسجد عمر المحضار الذي بناه عمر المحضار بن عبد الرحمن السقاف وهو مقصد زوار تريم لما يمتاز به من فن هندسي جميل في عمارته وخاصة منارته الشامخة التي تعتبر آية في الإبداع المعماري والتصميم والتنفيذ الهندسي والتي تعد أطول مئذنة أو منارة مبنية من الطين في العالم حيث نفذت من الطين والتبن وبأيادي تريمية ويبلغ ارتفاعها حوالي (175 قدماً) وهي مربعة الشكل وبداخلها درج للصعود إلى أعلاها وكان بناؤها في حوالي (1333هـ) والغريب فيها أو الشئ المدهش أنها بالرغم من ارتفاعها الشاهق إلا أنها مبنية من اللبن " الطين " وجذوع النخيل وهذه المئذنة من تصميم الشاعر والأديب أبوبكر بن شهاب المتوفي في عام (1334هـ) وتنفيذ المعلم عوض سلمان عفيف التريمي الذي سبق له أن بنى قبة الحبشي بسيئون..
مكتبة الاحقاف
&نعود إلى مكتبة الأحقاف التي سبق أن ذكرنا بأنها تحتل الدور الأرضي من مبنى جامع تريم والتي افتتحت عام 1972م وتحوي ما يزيد عن خمسة آلاف مخطوطة فهي مكتبة دعت الحاجة إلى إقامتها نظراً لكثرة المخطوطات في مدينة تريم والمدن المجاورة وذلك لكون تريم تتمتع بمركز علمي مرموق في وادي حضرموت منذ القرن الرابع الهجري واشتهرت بوجود المكتبات والأربطة والمعاهد والزوايا العلمية وكثرة العلماء الإجلاء وكانت بها مجموعة من العائلات الشهيرة التي شغفت بجمع وشراء المخطوطات والكتب في مختلف ألوان المعرفة والعلوم ومن شتى المصادر من بقاع الأرض كما توجد عائلات و شخصيات من العلماء في مدن أخرى بالوادي ملكت هي الأخرى مكتبات خاصة ولكنها جعلتها وقفاً على طلبة العلم والعلماء وبعد أن وضعت بعثة مصرية مختصة بالمخطوطات " عام 1970م " دراسة لتجميع مخطوطاً في مكتبة الأحقاف بتريم التي أنشئت في شهر ديسمبر من عام (1970م) ولكن هذه الدراسة لم تنشر وتضم المكتبة اليوم حوالي (5300) كتاباً مخطوطاً في شتى المعارف والعلوم ( التفـسير ، الفـقه ، الحديث، الصرف ، اللغـة ، الأدب ، التاريخ ، السيرة النبوية ، الطب ، الرياضيات ، الفلك ، وغيرها من المعارف والعلوم) ونتيجة لأن إنشاء مكتبة الأحقاف كان بطريقة جمع المكتبات الخاصة نجد أن هذه المكتبة تتكون من عدة مكتبات هي: مكتبة الكاف بتريم ومكتبة آل بن يحي ومكتبة الربـاط ومكتبة بن سهل ومكتـبـة الحسيني واخيرا مكتبة آل الجنيد وغير ذلك وحملت كل مكتبة اسم صاحبها كتخليد لذكراه وكل مكتبة لها فهرست خاص بها إلا أنه مؤخراً تم فهرسة المكتبة بطريقة حديثة وتحوي المكتبة تحفاً نادرة من المخطوطات القيمة إما لندرتها أو لقدم نسخها وجودته أو مخطوطات أصلية تعتبر النسخ الأم.

هجراتهم شمالا وجنوبا

مع بدايات القرن الثاني عشر الهجري هاجر العديد من أبناء البلدة الى أفريقيا وجنوب شرق آسيا حيث عملوا على نشر الدين الاسلامي الحنيف في هذه البلدان واستقروا فيها وعملوا بالتجارة وكونوا لهم هناك ثروات طائلة ثم عاد بعضهم الى تريم وشيدوا فيها العديد من البيوت التي هي الى القصور أقرب ذات طراز كولونيالي ضخم متأثرة بالعمارة السائدة في جنوب شرق آسيا آنذاك من حيث الأقواس والنقوش العمرانية وكانت مادة البناء التقليدية في حضرموت منذ القدم والى الآن هي مادة الطين حيث صنع منها البناؤون المدر وقد اشتهر عمال وبنائي تريم بالأخص من بين أهالي حضرموت في مهنة البناء حيث طوعوا مادة الطين لتعطي أشكالا وزخارف معمارية لا يصدق المرء أنها من مادة الطين ولذلك أصبحت تريم اليوم تزهو بقصورها الساحرة الباهرة التي من أجملها وأعظمها قصر عشة لآل الكاف وقصر المنصورة لآل بن يحيى..

حصن رناد الشهير

يقع اشهر حصون مدينة تريم وهو حصن الرناد بين حارة الأزره إلى الشرق والسوق وحي الخليف إلى الغرب في ساحة المدينة الرئيسية عند مدخل السوق وقرب المسجد الجامع وقد بني على أنقاض حصن قديم يرجع تاريخه إلى ما قبل ظهور المسيح. اتخذت الدول المتعاقبة على تريم الحصن مقراً للحكم من عهد ما قبل الإسلام وما بعده وقام السلطان عبد الله بن راشد القحطاني عام 600هـ 1203م بتجديد بناء الحصن وظل بعد ذلك التاريخ يشهد تحسيناً وتبديلاً متواصلين ففي عام 1350هـ 1931م أمر حاكم تريم محمد بن محسن الكثيري بأن يهدم ويعاد بناء بعض أقسامه بالشكل الذي نراه اليوم وخلال إعادة البناء تلك تم العثور على تمثال رخامي أبيض عليه خط مسندي ولكن لم تجر حفريات لاحقة للتحقق من التاريخ الدقيق الفعلي لبناء الحصن.