فؤاد شباكا

&
&

لقد أخذ صراع الإنسان لأخيه الإنسان منذ بدايته صراعاً على الأرض والسكان، وكان وما يزال الهدف الأساس للصراع هو الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، بل إن المقياس الأهم يتلخص في نسبة الأراضي التي استولت عليها من خلال الصراع، ومدى قدرتها على اجتذاب المهاجرين ونجاحها في استيعابهم وتوطينهم، وعلى هذا الأساس فإن العاملان الجغرافي (الأرض) والديموغرافي (المهاجرون) يبقيان لهما الكلمة الأخيرة في الصراع الذي تخوضه على الأرض.وبدأ الصراع يظهر على الأرض وأخذ في نهايته شكل الصراع الجغرافي والديموغرافي. وكان الفيلسوف البريطاني "أرنولد تونبي" يقول: كلما وقفت أمام حجر يحكي قصة حضارة قديمة كنت أبكي فكتبت عن العلاقة بين الحجر والإنسان ومن هنا لم يعد خافيا عن وجود خطة واسعة علي ارض النوبة من تغيير التركيبة السكانية المتمثلة في تهجيرالنوبيين تهجيراً قسرياً من قراهم ومدنهم وانتزاع الأرض من أصحابها الأصليين والسيطرة عليها بكافة الوسائل.
محاولة تغيير التركيبة السكانية لأي بلد ستترك عواقب وخيمة بل وجريمة ترتكب بحق ذلك البلد وبحق الانسانية. وكفا أهل فلسطين ما يعانون من تغييرالتركيبة السكانية لفلسطين، وهذا ما يريده النظام المصري من ابناء النوبة عن طريق عملية الابعاد ليتخلص منهم برمي مئات الآلاف من السكان الاصليين خلف الحدود، وبجلب خمسة ملايين من الغرباء العرب وغيرهم لاسكانهم في النوبة، كما ارتكب الدكتاتوري الدموي صدام حسين في تعريب المناطق الكردية ومن طرد السكان الاصليين من كردستان. يدعي النظام المصري إنه ينجز فقط عن طريق نظام ديمقراطي حر يعلن في السر وفي العلن مبادئ الحرية والمساواة والعدالة. ونحن النوبيين جميعا ندرك تماماً خطورة تلك الادعاءات الباطلة، ولكن علينا أن نبذل كل جهد في خلق وعي ديمقراطي في مصرعن طريق ثقافة ديمقراطية ترسخ مفاهيم التسامح والمواطنة والعدالة والمساواة وسيادة القانون. جهود تنصب في هذا الاتجاه أفضل من مشاريع طوباوية خطرة كتلك التي يقترحها النظم الشمولية
للاسف الشديد تجاهل المنظومة الدولية تماما مشكلة الشعب النوبي وتطلعاتعه المصيرية، والمعروف عن الشعب النوبي من أكثر الشعوب المضهدة في منطقة حوض وادي النيل والقرن الافريقي. لقد دخل مصير الشعب النوبي في مصر في صراع مظلم وغادر مع بروز فكر ناصرالشوفيني بعد انقلاب يوليو عام 1952 مارس هذا النظام الفاشي سياسة عنصرية بهدف ذوبان الشعب النوبي ضمن القومية العربية. بل قام النظام باضطهاد النوبيين ومارس بحقهم ممارسات خاطئة كالحزام العنصري من تعريب المدن والقري والغاء قانون الاحصاء السكاني في مناطق النوبة الذي ينوف تعداده اليوم ( 3 مليون نسمة ) لاغراض سياسية ملفقة وهي "خطر علي امن الدولة ". والحقيقة هي خوفا من انبثاق حركة وطنية تطالب بالحقوق المشروعة للشعب النوبي والاعتراف بوجود إثنية خصوصية في البلاد، ولكن هيهات لنظام لا يلتزم بمباديء الديمقراطية ولا يلتزم بقوانين حقوق الانسان، مما ادي ذلك الي هجرة النوبيين الي الخارج طلبا لحياة آمنة. ولكن لاحياة لمن تنادي فهؤلاء النوبيين يعيشون بالقلق النفسي وحياة مليئة بالخوف وعدم الاستقرار
&إن ما يعاني منها أبناء شعبنا في النوبة، والإضطهاد الذي يتعرض له يوماً بعد اَخر جراء السياسات الشوفينية والمشاريع العنصرية التي تنتهجها السلطة المصرية تجاهه، غير اَبهة بالإتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والأقليات القومية. والقضية النوبية لم تزل قائمة وستبقى قائمة بالرغم من كل محاولات الطمس والإنكار. والعالم يفرض منطقه الداعي لحل كل القضايا بالحوار المتبادل والإعتراف بالآخر. إن سياسة الإضطهاد ومثل هذا التعامل الشوفيني مع شعب يعيش منذ القدم على أرضه التاريخية لن يسبب سوى أضراراً للعلاقة بين أبناء الوطن الواحد
&فيا ايتها الضمائر الحية ويا من تنادون بالانسانية. اين العدل واين الامان؟ ومتي نجد نهاية لمسيرة المآسي في حياة النوبيين؟ وماذا جنى النوبيين من العيش في ظل مصر الكنانة ( كما تسميها الشعوب الناطقة باللغة العربية )؟ غير القهر والعبودية والابادة الثقافية حتى يظلوا الى ابد الابدين عبيدا ومحكومين من قبل مؤسسات وانظمة لم ولن تعرف الديمقراطية اليها سبيلا. والى متى يبقى النوبيين ووطنهم المدبوح مسرحا لتقاسم الغنائم ويهجرونهم منه قسرا بحجة السدود الظالمة والتعليات المشبوهة والمتعمدة من قبل السلطة المركزية لغرض تهجير سكانها الاصليين لتحل مكانهم أناس غرباء؟ ويخرجون كل مرة من المولد بلاحمص بذريعة الحفاظ على "الامن القومي في المنطقة"، لاظهار حقيقة نواياهم لهذا المنطق الهستيري تجاه الاقلية النوبية، ومن رفض حقوق النوبيين وتهميش الدورا النوبي بدعوى الوحدة الوطنية
عاش الشعب النوبي منذ القدم وهو يناضل ضد سلاطين ومماليك مصر في سبيل حريته سواء كان كفاحا مسلحا او ضد سياسات العبودية والإغراقات، ورخص الدماء في سبيل ذلك، الا انه لم ينل مراده في العيش بسلام وان يتمتع بحقوقه وان يتكلم بلغته كباقي الشعوب. وان كانت اللغة النوبية ستظل حية ( الي ان يرث الله الارض ومن عليها ) برغم الحصار الذي تعرضت من جراء فرض أدوات التعريب القسري علي أطفال النوبة في مدارس الحكومة المصرية... يا أهل مصر كل شيء يرشح مصركم إلى التقدم العصري لأول مرة في منطقة الشرق الاوسطية. لكن بشرط واحد وحيد بدون الاضطهاد لاقلياتكم القبطية والنوبية. وأن لا تتصرفوا كما تصرف العرب الأصلاء الأقحاح بدماغهم القبائلي، تاركين دماغهم المعرفي معطلاً إلى أجل مسمي. فإياكم ترك عقلكم لنظرية المؤامرتيه العربية! بديلا عن شجاعة استخدام العقل المستنير لتقديم نقدا ذاتيا يساهم في الخروج من هذا المأزق الوطني... فمصر تمر بمرحلة حاسمة من تاريخها وهذه المرحلة تتطلب تكاتف الجهود وتبادل الآراء والاستماع إلى صوت المخلصين من أبناء الوطن للخروج بقرارات ومواقف تصب في النهاية في مصلحة مصر بأغلبيتها وأقلياتها المتعددة، وتعمل على الرقي بها من خلال إقامة أجهزة ديموقراطية دستورية وتقوية منظمات المجتمع المدني&


&&ناشط& نوبي مصري
[email protected]