توفيق التونجي
&
&
ان الصبر المنخور في كنية الام الكردية والام بصورة عامة هبة الهية لا قدرة عليه البشر العاديون فهذه السيدة الكريمة حملت الامها خلال الخمسون سنة الاخيرة وعبر التاريخ صابرة في المنافي وراء الحدود وفي المغاور والكهوف عابرة حدود البلدان راكبة البحر قانعة بقدرها. فهي رافقت زوجها ، ابنها حفيدها المناضل كالظل لا تتركم لعوادي الزمن متحملة الغربة والسجون والاهانات والظلم والاجحاف. لكن الياس لم تعرف لفؤادها الطريق.
كانت ثورة ايلول في جبال كردستان قد اندلعت فجاء نبائها الى مجموعة القرى في المنطقة الجغرافية المسماة "افتخار" على تخوم سلسلة جبال حمرين حاملة معها لهيب الثورة الفتية في قلوب الرجال فانضم اليها عدد من رجال تلك القرى. ما انفكوا ان عادوا الى قراهم غانمين مع اطلالة اول ايام اذار من عام 1970. فرحت النسوة بعودتهم ونحر القرابين والنذور فقد عاد سيد البيت وقرة عين الوالدة وفرح الابناء. لم تدم الفرحة فجائت غمامة سوداء بعد اقل من اربع اعوام فعاد "البيشمركة" الى الجبال وهذه المرة انضم اليهم الصغير والكبير وبقت سيدة البيت وحيدة في البيت تبكي قدرها وظلم الحكومات فقد جاء الجندرمة وصادروا بقرتها العزيزية فركبت الاهوال وهاجرت تاركة قريتها ورائها لتكون قرب اولادها اليتامى فهي وان عانت الغربة لكنها سعيدة برؤيتهم. لم تطل فرحتها فكانت قصيرة كعمر زهور البراي كالنرجس وردة الربيع و كالقداح فعادت برفقة الشباب بعد عام منكسرة الخاطر الى القرية لتبدا الدرب من جديد وبحرقة وفؤادها ملئها الغم والكدر وصبرت على قدرها.
جاء حرب هوجاء فسيق شباب القرى الى سوح القتال وعاد بعد اسابيع "امين" في تابوت جثة هامدة متهشمة فناحت النسوه وارسل الاخرون ابنائهم الى الجبال مرة اخرى وصبرت النسوة. هب رياح صفراء "انفال" فجلست السيدة الكريمة تندب حظها وتضرب خدها في عمارة عالية لم تكتمل واحفادها حولها يرتجفون من شدة البرد.
ثم مر عام بعد عام وكبر الصغار وبدا ان كل شئ يتغير يكتبون وبغنون ويلبسون الملابس الشعبية الكردية دون خوف ولا يتهامسون "كوردستان" بل يطلقونها صيحة.
انه مسؤل كبير قال احد اصحابه بفخر وفرح بينما تكورة السيدة الجليلة بعد ان تكور ظهرها ولم تتمالك نفسها من الفرح ولكنها بقت على صمتها ولم تغير طرحتها السوداء وقالت في نفسها هنيئا ايها الدرويش لقد وصلت لمرادك هؤلاء احفادك ، قر عينك فنم في مثواك بامان.
&تحية لاروح شهداء يوم الاضحى وصبرا وسلوان ايتها الام الكردستانية وسلام.

السويد