حاوره الدكتور أسامة مهدي
&

&يتحدث الشاعر والدبلوماسي العراقي ارشد توفيق عن رحلته الادبية والسياسية والحزبية والدبلوماسية التي بدأت في خمسينات القرن الماضي عاش خلالها تجارب غنية عبر سنوات شكلت ملامح الادب العراقي الحديث ومعها السلطة والحزب والدولة والتي اوصلت اوضاع العراق الى ماهي عليه الان. وفيما يلي المحطة الثالثة الاخيرة من الحوار مع ارشد توفيق:
أرشد توفيق مع خوان كارلوس 1985
من المحطات الدبلوماسية التي مارست العمل فيها سفيرا في كوبا وفي اسبانيا ماهو تقييمك لتلك المرحلة التي كانت حاسمة في تاريخ العراق السياسي وكيف ترى للدور الدبالوماسي الذي كان يريده النظام السابق من الدبلوماسيين ؟
عينت سفيرا في كوبا عام 1979.. واذا كنت تريد تقييمي لتلك المرحلة فانه وبصرف النظر عن طبيعة النظام فان العراق كان في اوج حضوره السياسي والاقتصادي وكان محترما غير ان الحرب العراقية الايرانية قضت على كل شيء.
اما عن الدور المطلوب من الدبلوماسية، كما ورد في سؤالك، فان وزارة الخارجية ترسم ذلك.. اما الدعاية والاعلام فمن اختصاص وزارة الاعلام وتقوم بذلك الملحقيات الصحفية وهي ليست ضمن كادر وزارة الخارجية.
اما الدور المشين والمخرب لجهاز المخابرات فانه يقاد من قبل دائرة المخابرات مركزيا ويعاني الدبلوماسيون ايضا من لدغات هذا الجهاز.. ولا اعتقد ان السفراء قد سلموا من تقارير المخابرات باستثناء برزان التكريتي شقيق صدام حسين وامثاله ممن لايستطيع رجال المخابرات الكتابة عنهم.
&
كانت لك علاقات مميزة مع الرئيس الكوبي فيدل كاسترو.. هل يمكن ان تحدثنا عن شخصيته وارائه وعلاقته مع صدام حسين؟
الرئيس الكوبي فيدل كاسترو رغم كل ما يقال ويشاع عنه فهو رجل متواضع.. ذكي ومحنك وكانت لي علاقة خاصة به كنت ازوره ويزورني في داري ويجلس مع اطفالي يلقي النكت. من يعرفه شخصيا يحبه وله شعبية واسعة عند الكوبيين حتى عند من يعارض النظام.. وحتى بعد انتهاء عملي في كوبا زرت الجزيرة وعلم بوجودي وزارني في محل اقامتي ومكث معي اكثر من ثلاث ساعات.
كنت احدثه بصراحة مطلقة وكان يرتاح لذلك ويطلب مني ان اتكلم كصديق شخصي وليس كسفير وهكذا كنت افعل. احتفظ بخاتمه الشخصي الذي اهداني اياه في 12. 10. 1980.
&
كنت رفيقا وزميلا وصديقا لرئيس المخابرات العراقية الاسبق رافع دحام الناصري.. فما هي الظروف التي دفعته لهذا الاتجاه نحو العمل المخابراتي ؟ وما هي ملابسات اقالته ومن ثم وفاته الغامضة؟
رافع دحام مجول من سكنة الموصل وتعرفت عليه عام 1965 عندما اراد ان يستعير ديوان شعر مني واكتشفت فيما بعد انه يكتب الشعر وله قصائد بعضها منشور في الستينات. هو من عائلة طيبة مهذب ورقيق لم يؤذ احدا في حياته حتى بكلمة واحدة. عام 1970 ذهب الى الجزائر للتدريس زاهدا في اي منصب ومنتقدا الكثير من الظواهر السيئة في الحزب ومكث هناك قرابة عشر سنوات.
عند عودته عين في المخابرات عندما كان برزان شقيق صدام رئيسا لها ولم تكن لدبه اية رغبة في مثل هذا العمل وكان يشكو لي ذلك. وفي عام 1991 عين سفيرا في تركيا وكنت اتصل به ويتصل بي وقد ارسلت له كتابي الاخير " نصف السماء " وامتدح ذلك واذكر جيدا انه قال لي ان الحرية هي من شروط الابداع وانه يتمنى لو كتب مثل هذا الكتاب لكنه لايملك الحرية.
وبعد سنوات عدة أي في عام 1997 عين رئيسا للمخابرات وكان قد اتهم من قبل رئيس المخابرات السابق بان له علاقة بالمعارضة والاكراد وبأرشد توفيق. ثم اقيل من منصبه عام 2001 وتوفي بعد ذلك ولم يكن قصي الابن الثاني لصدام راضيا عنه واجزم انه قتل لانه لايصلح اصلا لمثل هذه الوظيفة الغريبة عليه.
كنت صديقه الاول وكنا ننتقد النظام عندما نلتقي في بغداد وسبق له ان احيل على التحقيق بتهمة شتم الرئيس الا ان التهمة لم تثبت عليه.. والتقينا في مساء يوم التحقيق.. هذا قبل عام 1991. واعتقد ان هذا الرجل ظلمه عنوان وظيفته فمن يصدق انه لايستطيع ان يقتل عصفورا او ان يتلفظ بكلمة خشنة امام اي انسان.
&
في قرار شجاع بعد غزو الكويت استقلت من منصبك وذهبت الى السعودية.. هل تحدثنا عن هذه المرحلة كيف تكونت قناعتك لاتخاذ هذا الموقف المثير في طبيعته ودوافعه ؟ وماذا راودك وانت تتخذ هذا القرار وكيف تم نقلك الى الرياض ومن تكفل بذلك؟
الاستقالة لا يمكن ان تكون وليدة اللحظة.. انها كشجرة تحتاج الى سنوات كي تنمو. لدي ملاحظات واعتراضات بدأت عام 1970 وظلت تكبر وتنمو وكنت اعتقد واهما في البداية ان هذه الظواهر السيئة غير مقبولة من القيادة.. ثم اكتشفت ان القيادة نفسها هي التي تخلق او تشجع مثل هذه الظواهر والانحرافات. فلم يعد حزب البعث حزبا.. ولم تعد هناك دولة.. وانما كانت العائلة الحاكمة وكلابها فوق كل شيء.
اعتقد انني لم اكن غبيا الى الحد الذي لم اكن ادرك فيه ذلك. ولم اكن وحدي يملك هذا النمط من التفكير.. كان هناك كادر حزبي متقدم يلعن صدام حسين ويعتبره قاتلا للحزب. كنت اول سفير عراقي يستقيل في 11-3-1991 مكثت اسابيع في اسبانيا وقد لاحقتني الصحافة بشكل استثنائي وكشفت كل مكان كنت اقيم فيه.
قررت الذهاب الى المملكة العربية السعودية التي ارسلت لي حكومتها طائرة خاصة نقلتني الى الرياض ولقيت كل احترام وتقدير لابد ان اذكرهما بكل وفاء وعرفان.
&
بعد انسلاخك عن النظام السابق عملت في صفوف المعارضة العراقية فكيف تقيم هذه المرحلة وهل ان شخصياتها التي تحكم في العراق الان قادرة على حل مشاكله وتجاوز ارث الماضي.. ولماذا؟
سبق وان قلت مرارا ان المعارضة العراقية تفتقر الى برنامج متكامل كالتي تملكها الاحزاب المعروفة.. استثني من ذلك التيارات الاسلامية المتعددة والحركة الكردية. ان من يحكم اي بلد يجب ان يعلن عن برنامجه السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي. واذا كان التعميم يكفي في الماضي فانه لم يعد كافيا الان.. الجميع كان يتحدث عن الديمقراطية والانتخابات والاقتصاد الحر لكننا لازلنا بعيدين عن ذلك.. بل ان عيوبا كانت موجودة في النظام السابق نرى تكرارا لها الان وكأننا لم نستفد من هذا الدرس القاسي.
لااستطيع الان الحكم على الاخرين فلا احد يحكم العراق حاليا سوى بريمر.. ولا بد من الانتظار كي نرى جيدا ونعلن احكامنا بكل موضوعية.
&
تسلمت مسؤولية ادارة اذاعة معارضة لنظام صدام في التسعينات.. فهل في رايك نجح الاعلام المعارض لصدام في التاثير عليه؟
أجل.. لعب الاعلام المعارض دورا كبيرا في توعية العراقيين وغيرهم وكشف جرائم العهد البائد واعتقد ان الاذاعة التي كنت اديرها كانت من اولى الاذاعات بسبب كادرها الحرفي ومضامينها وساعات بثها.
&
ذهبت الى العراق بعد سقوط نظام صدام.. فكيف رايته وناسه ومناخه السياسي؟
رأيت كل شيء معفرا بالتراب واقسى ما رايته دبابات الاحتلال. كنت اتمنى ان تكون هناك حكومة عراقية لترحب بالمناضلين العائدين بعد غربة دامية الى الوطن.. لكن لا احد يرحب باحد بل قد يسيء البعض عودة الاحرار لان العراق لم يعد وطنا بل غنيمة.
&
تقيم منذ سنوات شبه منعزل في مدينة ليدز البريطانية الشمالية لماذا هذه العزلة وهل تراها قرارا صحيحا؟
في هذا العصر ليس هناك مكان للعزلة.. وتقنيات العصر افقدت المكان اهميته. في ليدز اشعر براحة والفة ووجودي فيها ليس من قبيل الاختيار بل الصدفة حيث كان اولادي يدرسون في جامعة هذه المدينة وسكنت معهم.
&
كيف توفر متطلبات معيشتك وعائلتك وقد استقلت من الوظيفة ومن اي نشاط سياسي او ثقافي اخر وهل تمارس عملا معينا الان؟
كل فرد في العائلة يعمل ولست بحاجة الى شيء حاليا على الاقل.
&
يدور في الاوساط السياسية والثقافية العراقية في المهجر انك تعمل حاليا على تأسيس مركز دولي للدراسات العربية.. ماهو الهدف منه ؟ وهل هو عودة لدور اخر ؟ متى ستعلنه ومن يدعمه؟
لقد تأسس هذا المركز وارى ان بالامكان ان يلعب دورا متميزا في بحوثه ودراساته فنحن بحاجة الى رؤية منصفة للاحداث والحالات بعيدا عن الاحكام المسبقة.. وان نرفد الانسان العربي بكل الاسباب التي من شأنها رفع الوعي المسؤول لديه. وينوي المركز اجراء بحوث ميدانية في بعض البلدان العربية وان ينشر بحوثه تلك باللغتين العربية والانكليزية.. ويمكن اعتبار هذا الدور فكريا. اما عن دعم المركز فان القائمين عليه قادرون على النهوض باعبائه من دون ديون تنال من حريته.. وللمركز طموحات كبيرة من الافضل ان نحاولها بدل الاعلان عنها.
&
بعد هذه المسيرة من العمل الحزبي في صفوف البعث والعمل الدبلوماسي والنشاط السياسي الرسمي والمعارض.. كيف تقيم هذه المراحل ولو عادت الساعة الى الوراء ماذا كنت تفضل ان تكون ولماذا؟
افتراض ان يكون للمرء خيار البدء من جديد هو افتراض نظري بحت فنحن لانختار طريقنا وانما ترسم الطريق عوامل وصدف وظروف مكانية وزمانية.. سمها قدرا او نتيجة رياضية لعوامل متعددة غير قابلة للتكرار.. لذلك اقول ان عمر الانسان غير كاف لتكتمل تجربته في الحياة وهو يتغير بمرور الزمن رغم انه هو نفسه.
اذا كان لنا ان نحاسب انفسنا على فرصة اضعناها او طريقا ما كان يجب ان نسلكها فان اي انسان سيكون مشمولا بهذه المراجعة المرة التي لاتؤدي الى شيء.. حكمة الحياة انها هكذا بكل اخطائها ولحظاتها الجميلة وليس بمقدور احد ان يعيد مجراها.. المخرج وحده يستطيع ان يحذف مقاطع من مسرحية او فيلم ويقرر مصير البطل.. لاكننا لانعيش على خشبة المسرح..
سياسيا تصح الكلمات نفسها فليس هناك شيء معلق بالهواء وانما هو نتاج الظروف في زمنها.. اذا كي اجيب على سؤالك اقول انني واقعي جدا واجد من العبث التفكير بهذه الطريقة.&
&
كيف ترى لمستقبل العراق على ضوء الحاضر الراهن وما تعرفه عن العراق والعراقيين؟ وكيف ترى السبيل لعراق امن مستقر مزدهر يتمتع كل ابنائه بحقوق متساوية؟
بطبيعتي كنت متفائلا.. اترقب دائما اخبارا جيدة.. واتوقع ماهو اجمل وافضل.. غير اني في مسألة العراق غير متفائل البتة : البداية والتي قد ترسم نهجا يطول امده اجدها بداية كسيحة فيها من العيوب الكثير ولا ترقى الى امالنا وطموحاتنا بل لا تصل الى جزء يسير منها.. والامر الثاني انني اعي تماما ما حدث واننا بحاجة الى عقود من الزمن لننهض من تحت هذا الرماد..
غياب صدام حسين كان يعني قيام قيم جديدة ونهج جديد متحضر وان كل الشعارات التي رددت يمكن ان تأخذ طريقها الى حيز التنفيذ.. ماحصل : غياب صدام حسين ولم يأت احد بعده.. ذلك الذي كنا ولا نزال بانتظاره.. انه (غودو) الذي ارسل شبيها مزورا له ورفض المجيء حتى الان.
&