حجاج حسن ادول
&
&

كل منا وإن تثاقف يجهل أموراً، وهذا ليس عاراً. فمَنْ منَ البشر طاقته العقلية والاستيعابية تسع كل علوم وشئون الدنيا؟ لكن توجد أمور يجب أن نعرف عنها ولو خطوطها العريضة. وعدم معرفتنا بها تعد عيباً. جهلنا بها مدعاة للخجل. وأمور أهم أن جهلناها نكون مقصرين فى حق وطننا، ومن هذه الأمور التى تهمنا كلنا كمصريين النوبة. النوبة ذلك المجهول بالنسبة لأغلب المصريين وهى أقصى جنوب مصر وهى أيضا أقصى شمال السودان، والنوبة منطقة وسط امتداد نهرنا الأسطورى العظيم نهر النيل. ونوقن جميعاً بأن "خير الأمور أوسطها" فعلم الجغرافية عامة والسياسية منها خاصة تيقن بأن أهم المناطق هى أوسطها، فحوض البحر الأبيض مازال أهم البحور لتوسطه. ومصر عامة أهم البلدان لنفس السبب. وعليه فيما يخص الجانب الشرقى من إفريقيا القريب من البحر الأحمر، ويربطها النيل الممتد، فإن منطقة النيل النوبى بها، هى الأهم لانها المنطقة التى تتوسط إفريقيا جنوب الصحراء ذات الأصول الزنجية، وإفريقيا الشمالية ذات الأصول الحامية والعروبية. وهى الأنسب لتكون الرابط بينهما بوضعها الجغرافى وموروثها التاريخى والثقافى الذى أثر وتأثر من البعدين الجنوبى والشمالى معا. النوبة كانت ومازالت الحلقة الواصلة. هى جامعة الرأسين فى الحلال، وإن أصاب الوهن هذه الجامعة النوبية انفرط الرأسان فى طلاق مبين يكون من توابعه، مواجهات أقصاها التهديد والوعيد بالحروب الساخنة، وأوسطها الحروب الباردة التى تؤدى إلى انسداد شرايين الاتصال الثقافى والاقتصادى. وأدنى تلك التوابع بذر بذور بثور حساسيات مَرَضية تؤدى إلى قطيعة نفسية وفقد ثقة. والكثير منا لا يعلم أن الجنوب الافريقى لا يقل أهمية عن الشمال العالمى. إن لم يكن أكثر أهمية. والكل هام. ولا يعلمون أن النيل يأتى من الجنوب هذا وإن نظروا إلى الخريطة. حتى وان نظروا إلى مجرى النيل نفسه! وكأن تدفق النيل أمر مفروغ منه، فلم وجع الدماغ بالتفكر فى مشاكل محتملة وقضايا معلقة على الرؤوس؟ مثل قضية المياه التى يقرر المفكرون أنها ستكون مشعلة الحروب القادمة، خاصة أن بلدان إفريقيا التعسة بلدان أغلبها الأعم محكومة بطواغيت وردود أفعالهم غير محسوبة، وكثيراً مايكون فى مصلحة هؤلاء الطغاة أن يفتعلوا الحروب الخارجية لأوهى الأسباب بغرض شد انتباه شعوبهم للخارج. إذن من مصلحتنا كمصريين عامة، وجود المنطقة النوبية حية منتعشة بنوبييها همزة الوصل لتأمين أمننا القومى الجنوبى. النوبة هى الإطلالة السمراء على إفريقيا السوداء، فتقول لهم مصر بنوبتها، إن لنا من لونكم الكثير. النوبة بها لغة نوبية أصيلة اخذت من الهيروغليفية وأعطت لها. أخذت من الألسنة الأفريقية الجنوبية وأعطت لها أيضا. فنقول لهم إنا لنا لسان متصل بألسنتكم. نقول لهم نحن ذوى ثقافة متقاربة. النوبة هى صاحبة ألحان خماسية وطنبورة شجية وخطوات راقصة فيها من الجنوب الإفريقى الكثير. والملابس والمصاغ والعمارة الخ. النوبة هى إمبراطورية كوش القديمة التى تفاخر كل الشعوب الإفريقية بها. وتناطح حضارات العالم بِكوش العظيمة. نقول لإفريقيا جنوب الصحراء إننا منكم وأنتم منا. إن النوبة تجمعنا وإياكم. والقارة تحوينا معا. وبذلك التقارب الثقافى نفتح شرايين المـَوَدة بين مصر وبين إفريقيا جنوب الصحراء. تزدهر الثقافة فتعطى المشاركة الوجدانية لتسهل وتحبب المشاركة الاقتصادية، التى نحن فى أشد الاحتياج إليها بعد أن خنقنا الغرب ببطشه الاقتصادي.
هذه بعض أسس تبين أهمية الحفاظ على النوبة من أجل مصر. فمتى نفهم ذلك؟ متى ننظر إلى النوبة نظرة قومية استراتيجية ونبعد تلك النظرة القطرية الضيقة التى تحاصرنا وتضيق علينا الخناق؟

أديب نوبي مصري
[email protected]