سامي البحيري
&
&
&
أعارنى صديق عزيز مؤخرا رواية "عمارة يعقوبيان" وهى الطبعة الخامسة للرواية الأولى للكاتب علاء الأسوانى، وقد حققت الرواية نجاحا منقطع النظير لم تشهده توزيع الكتب الأدبية بالقاهرة منذ فترة طويلة، وقد نشرت عن مكتبة مدبولى بالقاهرة، وهى رواية فى 350 صفحة من القطع المتوسط.
&وقد كنت مترددا فى قراءة الرواية لأننى حاولت فى العشرين سنة الأخيرة قراءة عدد من الروايات الجديدة وحتى جيل ما يطلق عليه (جيل الستينيات)، وأعترف أننى قد فشلت فى أستكمال أى رواية، وأضطرنى هذا الى أعادة قراءة روايات نجيب محفوظ مرات ومرات، لذلك أخذت الرواية وأنا متحفظ وقلت لنفسى، هذه رواية أخرى سأقرأ أول فصلين فيها ثم أضعها جانبا، ولكن المفاجأة الحلوة هى أننى ما إن بدأت فى قراءة الرواية حتى أكملتها،والرواية بالإضافة الى أنها مسلية ومشوقة الا أنها فى نفس الوقت رواية هامة تؤرخ لتلك الفترة من أواخر القرن العشرين فى القاهرة.
&وأستطيع أن أقول أن القارئ يفتقد هذا النوع من الروايات مثل روايات أحسان عبد القدوس ويوسف السباعى، وان تميز علاء الأسوانى بجرأته الشديدة فى معالجعة الأحداث وثراء الشخصيات، وسوف أحاول أن أستعرض رأئى فى الرواية كقارئ وليس كناقد، لأننى لا أملك مقومات الناقد المحترف.
أولا: الأسلوب: أتبع الكاتب أسلوب السرد العادى البسيط لكى يقرأها الوزير أو الغفير، وأسلوبه هو أقرب الى الأسلوب الصحفى، وكأنك تقرأ صفحة الحوادث مثلا، ولكنه فعل هذا باقتدار وكان أسلوبه أقرب الى السهل الممتنع.
ثانيا: الشخصيات : شخصيات الرواية هى شخصيات ثلاثية الأبعاد، وليست شخصيات مسطحة، خلق الشخصيات الحية هو أهم ما يميز تلك الرواية، فكل شخصية فى الرواية تقريبا هى شخصية تحبها أحيانا وتكرها أحيانا، أحيانا تجد الشخصية أمينة ونقية وأحيانا أخرى تجد نفس الشخصية كاذبة ومخادعة وفاسدة، والشخصية الوحيدة التى كرهتها على طول الخط كانت شخصية (دولت) وهى شخصية شريرة وتفعل الشر حبا فى الشر، حتى أنها طردت أخوها زكى دسوقى من منزله وحاولت أن تضعة فى السجن وتحجر عليه بدون مبرر.
الشخصيات الرئيسية كلها بدون أستثناء سقطت تحت سطوة المال بأى شكل والجنس بأى ثمن، ولم ينج من هذا غنى أو فقير، متدين أو غير متدين، متعلم أو جاهل، المجتمع بأكمله سقط فى بؤرة الفساد، ولم يحاول الكاتب تبرير سقوط شخصياته ولكنك تستطيع أن تدرك أن المجتمع ككل والدولة والحكومة والنظام السياسى والشعب، الكل مشترك فى الفساد، وعلى حد قول نجيب محفوظ فى قصة "أهل القمة" "كلنا مجرمون وكلنا ضحايا".
شخصيات الرواية ثرية جدا، أستطيع أن أقول بعد قراءة الرواية أننى أصبحت صديقا لـ: زكى الدسوقى، بثينة، حاتم، طه الشاذلى، عبده، ملاك وأبسخرون، كريستين، الحاج عزام... ثراء شخصيات الرواية يرشحها كى تتحول الى فيلم سينمائى راق.
ثالثا: الجرأة : كان الكاتب جريئا الى أبعد الحدود فى التعامل مع بعض الأحداث والتى كان يعتبر تناولها بمثابة (تابو) محرم الأقتراب منه، وعلى سبيل المثال : دخوله الى العالم السرى للشذوذ الجنسى فى مصر بكل التفاصيل العجيبة، دخوله الى عالم شراء المناصب السياسية، وحتى الوصول الى أعلى المستويات السياسية (الراجل الكبير)، عالم التنظيمات الأرهابية وتدريباتها السرية وطرق تجنيدها للشباب، عالم السلطة المطلقة لضباط الشرطة بدأ من قبول أو رفض المتقدمين للدخول لكلية الشرطة ونهاية بتعذيب المعتقلين ومرورا بإهانة المواطنين في أقسام الشرطة.
وقد حرص الكاتب على الاختفاء وراء شخصياته، فتكاد لاتملحه أطلاقا فى الرواية، فهو مجرد راو للأحداث ومحلل للشخصيات، وهذا ليس بالأمر السهل، أن تحاول تقديم فكرك بدون أن تقول "أنا هنا"، وتكاد أيضا لا تعرف ميول الكاتب السياسية، باستثناء كشفه لفساد أكبر شخصية رأسمالية فى الرواية "الحاج عزام"، ولكن كل هذا تم بمهارة شديدة وبدون إتباع أسلوب الخطابة أو الرطانة، ولم يستخدم الكاتب الرمز، وقد يقول ناقد إن عمارة يعقوبيان تمثل مصر، ولكنى لا أرى هذا لأن الكتابة كانت مباشرة تماما، وأستخدام الرمز فى الكتابة يجب أن تكون له مبرراته، والا أصبح مثل (فوازير رمضان). وسوف يرى القارئ فى الرواية أن الارهاب أبوه الفساد وأمه البطالة وجده التطرف الدينى وعمه الجهل وخاله الظلم.
وأنهى الكاتب روايته نهاية سعيدة خفف بها من مآسى الفساد والمؤامرات، فقد تزوج زكى الدسوقى (ابن الباشا الوفدى السابق) من بثينة (البنت الفقيرة التى تسكن فى سطوح العمارة)، وتم الزواج فى مطعم مكسيم بوسط القاهرة على أنغام بيانو (كريستين) لأغنية مطربة فرنسا العظيمة (أديث بياف) وغنت (كريستين) تقول: "عندما يأخذنى بين ذراعيه ويهمس لى... أرى الحياه بلون الورد"
ورقصت بثينة لأول مرة رقص أجنبى مع زوجها (زكى الدسوقى) الذى قادها فى الرقصة، ثم عزفت الفرقة الموسيقية مقطوعات من الرقص الشرقى فأنطلقت البنات صديقات بثينة فى الرقص الشرقى، حتى زكى الدسوقى الذى عاش و تعلم فى فرنسا بدأ يشارك بثينة فى الرقص الشرقى، وتم الاحتفال كله برعاية وتنظيم (كريستين) الفرنسية، فهل ياترى هذا هو الحل لتحقيق السلام الأجتماعى ؟ زواج سعيد بين الماضى والحاضر برعاية غربية!!