جوزف بايد
&

&
&
يأتي انعقاد قمة منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في إسطنبول في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شهر حزيران/يونيو في مرحلة بالغة الأهمية بالنسبة للحلف. فقد شهد الحلف منذ قمة براغ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2002، تطورين هامين جدا: توسعة الحلف بحيث أصبح يضم ستة وعشرين عضوا، وتوليه قيادة قوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان، وهي أول عملية يقوم بها خارج نطاق أوروبا خلال الخمسة والخمسين عاماً التي تشكل تاريخه.
ويواجه ناتو في نفس الوقت تحدياً مماثلاً لذلك في أهميته: ما إذا كان سيمارس دوراً نشطا، كحلف، في الوضع المتزايد الخطورة في العراق. وأعتقد أنه ينبغي أن يفعل ذلك.
ويبدو من الصعب التصديق أن حلف ناتو كان يتألف قبل ما يزيد قليلاً على ستة أعوام من ست عشرة دولة فقط، هي أربع عشرة دولة من أوروبا ودولتان من أميركا الشمالية. ولم يطرأ على عضوية الحلف سوى تغير ضئيل منذ أواسط الخمسينات، إذ ضُمت إليه إسبانيا في عام 1982 ودُمجت فيه ألمانيا الشرقية السابقة بعد إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990. وكانت جميع الدول الأعضاء فيه، باستثناء اليونان وتركيا، من الجزء الغربي من القارة الأوروبية.
وكم يبدو الأمر مختلفاً اليوم! فبولندا والجمهورية التشيكية والمجر أعضاء في منظمة الحلف منذ عام 1998. وقد انضمت إليها هذا العام، في نهاية شهر آذار/مارس، كل من بلغاريا وإستونيا ولاتفيا ولثوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. وتمتد المنطقة التي أصبح الحلف يشملها بشكل متصل غير متقطع في أوروبا الشرقية والوسطى من خليج فنلندا شمالاً حتى الساحل الجنوبي للبحر الأسود جنوباً.
ويا لهما من روح وحماسة جديدتين نُفختا في الحلف. فمواطنو عشر دول قاست لحوالى خمسة عقود من نير الشيوعية يدركون أكثر من أي شخص آخر ما للحرية من قيمة نفيسة. ونتيجة لذلك، شارك جميع الأعضاء الجدد إما في قوة تحقيق الاستقرار في البوسنة والهرسك وفي القوة الخاصة بكوسوفو في البلقان، أو في عملية الحرية المستديمة وقوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان، أو في العراق، وفي بعض الحالات في مناطق العمليات الثلاث.
وعلاوة على ذلك، وكجزء من عملية التأهل للانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي، قام عدد من الدول بحل خلافات طويلة الأمد مع الدول المجاورة له، معززاً بالتالي استقرار أوروبا.
وتربط الأعضاء الجدد في ناتو روابط إنسانية وثيقة مع الولايات المتحدة من خلال الأكثر من خمسة وعشرين مليون أميركي المتحدرين من أوروبا الشرقية والوسطى. كما أنهم يشعرون بالتعاطف مع الولايات المتحدة نتيجة لعقود من السياسة الخارجية الأميركية الملتزمة بالمبادئ. ويعرف مواطنو لاتفيا وإستونيا ولثوانيا أن الولايات المتحدة، وحدها بين دول العالم تقريباً، لم تعترف إطلاقاً بضم بلادهم القسري إلى الاتحاد السوفياتي في عام 1940. وهم يذكرون، كما يذكر غيرهم من شعوب أوروبا الشرقية والوسطى، احتفالات "أسبوع الأمم الأسيرة" السنوية في الولايات المتحدة. وقد أصبحت أوروبا الآن، بفضل بسالتهم والمثابرة الأميركية في معارضة الإمبريالية السوفياتية، على وشك تحقيق مطمحها في أن تكون "وحدة كاملة متكاملة حرة".
وهل تعني هذه الرابطة أن الأعضاء الجدد سيتصفون بتبعية عمياء للولايات المتحدة في كل خلاف ينشب بين الدول الأعضاء في الحلف؟ كلا بالطبع. ولكنه يعني أنه في الوقت الذي حل فيه رد فعل تلقائي انعكاسي معاد لأميركا في بعض أنحاء أوروبا الغربية محل النقد المرتكز إلى السياسات، فإنه من المرجح أن الأعضاء الجدد في منظمة الحلف لن يشكوا، على الأقل، في دوافع أميركا، بل سيعتبرونها نابعة من نوايا حسنة ما لم يثبت العكس.
وقد شكل تولي الحلف قيادة قوة المساعدة الأمنية الدولية في شهر آب/أغسطس الماضي، بعد أن تناوبت عليها عدة دول أعضاء في الحلف بصفتها الفردية، حدثاً رائداً آخر لا سابق له. ومنذ زوال الاتحاد السوفياتي وتهديده لبقاء دول الحلف، أصبح الخطر على منطقة حلف شمال الأطلسي نابعاًً بشكل متزايد من خارج أوروبا، من آسيا الوسطى والشرق الأوسط. وقد تنبهت منظمة حلف الأطلسي في فترة مبكرة تعود إلى "مفهوم الحلف الاستراتيجي"، الذي تم الاتفاق عليه في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1991 في روما، إلى البيئة التي تغيرت بشكل أساسي. وذكرت تلك الوثيقة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتنافس الإثني وانتشار أسلحة الدمار الشامل كتهديدات جديدة. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الوثيقة بشكل محدد أنه "يتعين أن يأخذ أمن الحلف في الحسبان أيضاً السياق العالمي."
وذهب سادس وأحدث "مفهوم استراتيجي" للحلف، وهو الذي تمت الموافقة عليه في قمة واشنطن في شهر نيسان/إبريل من عام 1999، إلى أبعد من ذلك إذ سلّم بأن "جهود الإصلاح الفاشلة وانتهاكات حقوق الإنسان وانحلال الدول" تشكل عوامل يمكن أن تؤدي إلى عدم استقرار محلي أو إقليمي. كما أعلن ببصيرة ثبتت صحتها في ما بعد أن "مصالح الحلف الأمنية يمكن أن تتأثر بمخاطر أخرى ذات طبيعة أوسع نطاقا، بما في ذلك أعمال الإرهاب...."
ورغم هذه النتف من التحذيرات المتفرقة، احتاج الأمر إلى الهجمات الرهيبة في 11 أيلول/سبتمبر، 2001، على مركز التجارة العالمي والبنتاغون (مبنى وزارة الدفاع) لإيضاح التهديد الفتاك الذي تشكله بالنسبة للغرب الدول المفلسة التي تؤوي إرهابيين بارعين تكنولوجياً ومتعصبين إيديولوجياً إلى أقصى حدود التعصب.
وفي اليوم التالي للهجمات الإرهابية، رد حلف ناتو بتفعيل المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي لأول مرة في تاريخه. وأعتقد أن الولايات المتحدة فوّتت فرصة بعدم استفادتها فوراً من مساعدة الحلف المعروضة عليها بشكل أكثر شمولاً في أفغانستان، وبعد أن تم إلحاق الهزيمة العسكرية بطالبان والقاعدة، بعدم قيامها بسرعة بتوسعة منطقة عمل قوة المساعدة الأمنية الدولية لفرض السلام في جميع أنحاء البلد. وقد قدم معظم الدول الأعضاء في ناتو في النهاية إسهامات رئيسية للجهد في أفغانستان، في القتال في الحرب (عملية الحرية المستديمة) وفي قوة المساعدة الأمنية الدولية على السواء.
وفي شهر أيار/مايو من عام 2002، وتحت تأثير 11 أيلول/سبتمبر والحرب في أفغانستان، أخذ الحلف مكافحة الإرهاب إلى نهايتها المنطقية في البيان الختامي الصادر عن اجتماعه الوزاري في ريكيافيك حين أعلن: "يجب أن يكون الحلف قادراً، كي يؤدي كامل مهماته المختلفة، على إرسال قوات يمكنها التحرك بسرعة إلى أي مكان هناك حاجة إليها فيه، ومواصلة القيام بعمليات عبر المسافات البعيدة والزمن الطويل، وإنجاز أهدافها."
وبموجب تفويض ريكيافيك، تولى الحلف قيادة قوة المساعدة الأمنية الدولية في الصيف الماضي، متخذاً بذلك قراراً خطيراً لا يمكن الرجوع عنه بتجاوز "نقطة اللاعودة" إلى عمليات خارج أوروبا. ويجب أن يبقى حلف ناتو على استعداد لإرسال قوات إلى منبع المشكلة، طالما ظل التهديد الإرهابي ينبع من خارج منطقة أوروبا-الأطلسي.
وقد شهدت الفترة التي سبقت الحرب العراقية في عامي 2002 و2003 أكثر النقاشات حدة في حلف شمال الأطلسي عبر تاريخه. ومهما كان حكم التاريخ بشأن الحكمة أو التهور، في ما يتعلق بتلك الحرب، فالحقيقة الساطعة الوضوح هي أنه لجميع الدول الست والعشرين الأعضاء في الحلف الآن مصلحة ذاتية في نجاح تحقيق الاستقرار في العراق بعد الحرب. إن الإخفاق في هذه المهمة أمر لا يمكن مجرد التفكير فيه. ذلك أنه من المؤكد تقريباً أنه سيقود إلى حرب أهلية في العراق، من المرجح أن تجرّ إليها دولاً مجاورة كتركيا وإيران. ومن المحتمل جداً أن يصبح العراق كما كانت أفغانستان إبان حكم طالبان، بحكومة مركزية إسمية تتنازل عن السيطرة الفعلية لإرهابيين مصممين على مهاجمة أوروبا وأميركا. وسيُلقى بالعراقيين الديمقراطيين إلى الهاوية، وسيوضع المعتدلون والعاملون على التحديث في المنطقة في موقف دفاعي، وسيُدفع بالراديكاليين بقوة إلى السلطة.
وستعود المسؤولية بالطبع على المديين المتوسط والبعيد إلى العراقيين لقيادة بلدهم إلى الاستقرار الديمقراطي. ولكن المجتمع الدولي هو الذي يجب عليه، على المدى القصير، أن "يتقدم ويتخذ المبادرة." وكخطوة أولى ضرورية، أرجو وأتوقع أن تقوم الولايات المتحدة، بالتضامن مع الأعضاء الدائمين الأربعة الآخرين في مجلس الأمن الدولي، بصياغة قرار جديد يمنح الأمم المتحدة سلطات كبيرة في إعادة تعمير العراق بعد نقل السيادة في الثلاثين من حزيران/يونيو، 2004. ويمكن لمثل هذا القرار الدولي أيضاً أن يخول ناتو بشكل محدد دوراً في عملية إحلال الاستقرار.
وأنا أحث مجلس حلف الأطلسي على التحرك فوراً، بعد الموافقة على القرار، للتخطيط لعمليات للحلف في العراق. ومن ميادين نشاطاته التي تخطر على البال السيطرة على الحدود مع إيران وسوريا، وإزالة الألغام، وتدريب قوات الجيش والشرطة العراقية، وتولي قيادة القطاعين الشمالي والجنوبي-الأوسط في العراق الذي تسيطر عليه حالياً القوات البولندية.
وأنا أدرك الحجة القائلة إنه ينبغي أن ينهي حلف ناتو مهمته في قوة المساعدة الأمنية الدولية بنجاح في أفغانستان قبل أن يأخذ على عاتقه مهمة جديدة، ولكنني أجد هذه الحجة غير مقنعة. فأولا، إن النتائج في العراق من الأهمية، والوضع الراهن في العراق من الخطورة وعدم الاستقرار، بحيث أن التريث ليس خيارا. وثانيا، ورغم ما كان لمشاركة الحلفاء في أفغانستان من تشديد للعزيمة، إلا أن إعراض عدة حلفاء عن الإسهام حتى بكمية متواضعة من المعدات العسكرية كانت مثبطة جداً للعزيمة. إن الحلف ككل قادر على تقديم طاقات أعظم بكثير من القوات والمواد العسكرية.
لقد نهض ناتو على الدوام بأعباء مواجهة التحديات. ولم تكن الحاجة إلى ذلك في أي يوم من الأيام أعظم مما هي عليه في الوقت الحاضر. ولذلك، فإنني أحث الحلف على الموافقة في إسطنبول على المشاركة في مهمة تحقيق استقرار العراق الحيوية.
سناتور عن ولاية ديلاوير وكبير الأعضاء الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي