من لوازم الإستراتيجية أن تحدد من هو العدو ومن هو الصديق ومن هو البين بين وهذه مسألة ملتبسة ومشوهة فى إدراك أقباط الداخل والخارج أيضا. بادىء ذى بدء نبادر بالقول أنه فى السياسة لا يوجد صديق طاهر كل الطهر ولا عدو زنيم دائم، وإنما هى علاقات تتغير تبعا للظروف، فصديق الأمس قد يغدو عدو أو نصف عدو، والمثل بالمثل فعدو الأمس قد ترمى به الظروف والمصالح للتقاطع مع مصالح من كان عاداه أشد المعاداة.
بين أقباط الداخل والخارج قلة يطلق باقى الأقباط عليهم إسم أو وصف "نصارى الحكومة" وهؤلاء يتمتعون بالظهور الإعلامى المكثف، وبمزايا أخرى كالتعيين فى مجالس الشعب والشورى وأيضا التوزير بين الحين والآخر. وفى المقابل يمتهن هؤلاء المشاركة فى تزوير التاريخ، وتبرير السياسات الحكومية والإدعاء بأن الواقع بالنسبة للأقباط ولا أفضل، ومنهم من يوثق ذلك التزييف فى شهادات دكتوراة يحصل عليها من الأزهر! ومنهم من يرى فى مطالبة الأقباط نسبة أو كوتة فى الوظائف العامة والمجالس التشريعية مطلب طائفى، ولكنه لا يرى فى عدم تولى أى من الأقباط وظيفة عامة أى بعد طائفى من باب أولى! من أدبيات هؤلاء أن أى تعدى أو إفتئات على حقوق أقباط الداخل هو سلوك فردى وخارج المناخ العام وأن القائمين عليه إما "أقلية مضللة" أو أنهم تم إستفزازهم من جانب الأقباط العنصريين الذين رفعوا صليبا أو رمموا كنيسة! إن فضح هؤلاء إعلاميا والإلحاح بكل الوسائل على أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ينبغى أن يكون من أولويات تحرك الإقباط داخليا وخارجيا حتى لا يحتسبوا على الأقباط فى المحافل الداخلية والخارجية، وحتى لا يكون لأرائهم السقيمة فى طائفية مطالب الأقباط، وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان أى وزن أو مصداقية. إن مقابلة بابا الأقباط لأحد هؤلاء أو إرتداء أحدهم للزى الكهنوتى يعطيه مصداقية لدى الجهات التى تستعملهم وتستغل نشاطهم، سواء كانت الحكومة أم منظمات الإرهاب، فينبغى الإحتجاج على ذلك بكل قوة حتى لا يظهر هؤلاء وكأنهم مجرد مخالفين فى الرأى، ولقطع الطريق على حجة "وشهد شاهد من أهلها" فهم قطعا ليسوا من أهلها بل أعدى أعدائها.

توجيه سهام النقد والإتهام إلى الدولة السعودية بالذات بوصفها المصدر الرئيسى لمعاناة الأقباط هو عداء وإستعداء غير حصيف فى رأينا. يقول الأقباط أن مسؤلية تشعوذ المجتمع المصرى تقع على السعودية بالأساس فكرا وتمويلا وقد يكونوا صادقين. ولكن هل ميزان قوة الأقباط الآن بما فيهم أقباط المهجر يؤهلهم لفتح هكذا ملفات؟ ألم تفصح بعض أراء النخبة السعودية عن إعترافها بخطأ إحتضان جماعات المتأسلمين وتمويلهم. بل وأكثر من ذلك لقد عزا بعض المثقفين السعوديين ما يواجهونه من إرهاب إلى فكر جماعة الإخوان المصرية! ما علينا من ذلك فالسؤال هو ماذا أصلح لجهد الاقباط، معاداة دولة ومجتمع قوى متماسك داخليا وخارجيا كالسعودية أم مد جسور التفاهم والتواصل البناء لصالح الطرفين؟ من رأينا أن الأسرة السعودية الحاكمة والنخبة السعودية الفاعلة الآن أناس فى منتهى الذكاء والواقعية، وكما نوهنا سابقا فالسياسة لا تعرف عداء دائم ولا صداقة موقعة على بياض.

التعامل مع المجتمع والنظام المصرى كالسير فى حقل أشواك يستدعى من القائمين على تحرك الأقباط كل حصافة. هناك عدة أمور ينبغى أخذها فى الحسبان والإحاطة بها لدقة وحساسية موقف أقباط الداخل والذين هم الدافع المباشر لتحرك عامة الأقباط داخلهم وخارجهم كما أسلفنا فى مقالينا (1) و (2). أول الأرقام وأهمها هو الواقع المصرى وما يستطيع إحتماله من تغيير دؤوب لصالح تحصل الأقباط على حقوقهم العادلة. وثانى الأرقام هو طريقة التعامل ذاتها مع النظام المصرى الذى إشتهر بعناد عجيب ولو كان على حساب الأمن القومى لمصر الذى يتهدده الفصل الطائفى الجارى بين عنصرى الأمة. الرقم الأول أسلفنا عرضه فى أن تكون المطالب فى حدود المعقول والممكن حسب معطيات المجتمع الحالية. أما الرقم الثانى وهو طريقة التعامل فتحتاج لذكاء براجماتى وإستغلال للفرص والتحلى بالصبر وطول النفس، ونرى أن الأنسب هو الإلحاح على مطلب وحيد لكل مرحلة من مراحل التحرك القبطى، أما سياسة كل شىء أو لا شىء فقد أثبتت خطورتها، وأنها عادة ما تنتهى إلى لا شىء...

وإلى تكملة...

الحلقة الثانية

عادل حزين
نيويورك
[email protected]