(الحلقة الأولى)


بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م بدأت بعض الدول إن لم يكن معظمها تكثف نشاطها في الحرب على الإرهاب الأمر الذي أدى إلى تصاعد موجة الإرهاب في شتى بقاع العالم وكأنما الحرب على الإرهاب هي بداية إنتشاره وإزدياد وتيرته، وبدأت بعض القوى السياسية تستثمر هذا التوجه لصالحها بتسليط الضوء على المهاجرين لأسباب متعددة منها ماهو إنتخابي ومنها ماهو عنصري ومنها ماهو لأسباب أخرى كثيرة ليس المجال لحصرها في هذه السلسلة من المقالات.

إن الهدف الأساسي للكاتب هو إثبات أن الهجرة لايمكن القضاء عليها وستبقى قائمة مابقي الظلم قائم، وهي تأتي بأمر من خالق هذا الكون ومبدعه لأن مبدأ المسئولية في الحساب والعقاب نابعة من الإستقلالية لهذا الإنسان وهو مأمور بالهجرة، وأن الإنسان قد يكون ظالماً لنفسه وعند الحساب يوم الموقف العظيم يتعذر بأسباب منها أنه كان مستضعف في الأرض فيكون الجواب quot; ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها quot; سورة النساء الآية 97.

وتتحدث الآيات التالية عن فوائد الهجرة في سبيل الله ونستطيع أن نقرر أن كل ظالم (ظالم لنفسه) وكل محسن محسن الى نفسه، وكل عدوان عدوان على النفس فى مقياس القرآن وعليه يمكن إستنتاج أن كل مظلوم ظالم لنفسه، وهنا قد يتساءل البعض كيف يكون المظلوم ظالماً لنفسه ؟.

ونستطيع أن نجيب أن المظلوم عندما يتحمل الظلم، ويرضخ له ويكون سبباً في ظهور فئة مستكبرة ومتجبرة ومتعالية وطاغية وظالمة في المجتمع وهذه الفئة تعمل على إستضعاف وإفساد طبقة واسعة من المجتمع، وهنا نستطيع أن نقرر أن كل مظلوم يتحمل الظلم من هذه الفئة لابد أن يتحمل جزءً من هذه المسؤولية بالضرورة، وكل مظلوم بهذا الإعتبار يعد مشاركاً في توجيه الظلم الى نفسه والى الآخرين ولذلك فهو ظالم لنفسه.

ومن هنا فهو مأمور بمقاومة الظلم، أو يهجر الظلم بالهجرة الى بلاد الله الواسعة إن لم يتمكن من مقاومة الظلم وإن لم يفعل كان ظالماً يستحق من العقاب والحساب والعذاب ولهذا نجد أن الصادقين مع أنفسهم ومع خالقهم يعبروا عن هذا الإعتراض بشتى أنواع التعبير عن عدم قبول الظلم ولهذا نجد أن المهاجرين الى دول العالم الحر وفيها يعبروا عن رفضهم للظلم بتسجيل موقف وهذا ماظهر أخيراً في فرنسا وفي اليونان وفي كثير من دول العالم الحر.

لقد عمت المظاهرات في اليونان رافعين لافتات تدعوا الحكومة لتحسين أحوالهم مطالبين أيضاً بتعديل نظام الإقامة والتخلص من الروتين والبيروقراطية لأن هناك سلسلة من الصعوبات والعوائق تمارس ضدهم وضد حقوقهم المشروعة في مجال العمل والرعاية الطبية والإجتماعية ولقد ساند المتظاهرون عدد من المنظمات والهيئات النقابية والحزبية ولاسيما أن هناك قوانين جديدة للمقيمين تهدف الى زيادة الضغوط عليهم مما سجل إعتراضاً قوياً من جانبهم ومن جانب المساندون لهم لأن القوانين الجديدة لاتزال ترفض منح المقيمين الإقامات الدائمة كما قللت من حقوقهم مثل مسألة لم شمل الأسر وعدم الإهتمام بمشاكل الجيل الثاني ومابعده.

ولقد أسهمت الأحداث الأخيرة بفرنسا في دفع المشكلة للظهور، ومن هنا بدأت اليونان تدرس منح المقيمين حق الإنتخاب بالبلديات من خلال ماتقدم به الحزب الإشتراكي المعارض، وهناك من يدعي بأن الحكومة بصدد قبول المقترح وأن الإعداد له سيبدأ من الإنتخابات البلدية القادمة إلا أن هناك تعديلات قد تقرر أن حق الإنتخاب سيكون حصراً على حاملي الإقامات الدائمة حيث أن وزارة الداخلية تتفهم تماماً أن الإقامة الدائمة هي مقدمة للحقوق السياسية مثل إنتخابات البلديات وإنتخابات المحافظات بل وأبعد من ذلك أيضاً الى أن تصل الى حق إندماجهم الكامل في المجتمع.

ولونظرنا الى علاج الإسلام لمثل هذه المشكلة قبل أربعة عشر قرناً من الزمان هو ماقرره الإسلام بدمج المهاجرين بالأنصار والمؤاخاة بينهم حتى أصبحوا مواطنين لاتوجد بينهم نعرات طائفية بل العدل التام والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات ولم يفرق الإسلام بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى، لذا ستبقى الهجرة قائمة مابقي الظلم قائم.

مصطفى الغريب

شيكاغو