سؤال واحد ينتظر جواباً: متى ستمطر؟؟
شتاء الكويت... عقيم
بعد أشهر صيف طويلة مملة، انتفضت الكويت تسأل: متى ستمطر؟ متى ستنكسر عين الشمس quot;الوقحةquot; التي لم تغمض جفنها طوال أيام العام تقريباً؟ متى ستنتهي حال quot;الطلقquot; الصعبة التي يمر فيها فصل الشتاء، ويولد مطراً ينتظره الجميع بحرقة؟
... وأخيراً أمطرت، ومشطت السماء بمائها شوارع المدينة، وأحاطتها بسوار من رعد وبرق أقلقها طوال الليل، ورمت على المدينة لحافاً من عتمة امتدت حتى ساعات الصباح عندما أزيحت الشمس جانباً وانزوت، فيما الغيم الأسود يسرح ويمرح في حركات إيمائية أغلقت أفواه quot;المتأففينquot; من تأخر الشتاء.
مر ذاك اليوم على خير وغفت الأعين تستبشر غيثاً، فرمت خزائن الثياب عنها مجموعة الصيف الخفيفة، وأغرت الرفوف بكنزات ثقيلة، ولم تصدق خبراً اذ نبشت سترات الجلد وquot;الفروquot; من خبائها ووضعتها في حال استنفار استعداداً لرفقة قد تمتد أياماً وأسابيع دون انقطاع.
الأطفال من جهتهم حزموا أمرهم لخداع ذويهم بعارض برد أو أنفلونزا قد يمطرها عليهم فصل البرد، ليتقاعصون عندئذ عن الذهاب إلى مدارسهم بحجة أو بأخرى، فيما الأمهات اللواتي انطلت عليهم الحيلة، يغرقونهم بالشراب الساخن وأنواع الشوربة المختلفة.
أما المحلات التجارية التي احتملت الكثير من السخرية والتهكم عندما تباهت بعرض أزياء الشتاء في quot;عز الحرquot; كانت الأكثر فرحاً وردت على هؤلاء بإنزال ضخم شمل كل أنواع quot;الفروquot; والأزياء ذات الوزن الثقيل.
المقاهي بدورها التي تفترش الأرصفة وتستمد روحها من رواد لا يفارقونها كانت الأكثر تضرراً لأنها تتنفس من شمس نادراً ما تنكفئ ذيولها لأشهر طويلة، وذاك اليوم أزاحها المطر جانباً واحتل مكانها فشرد الرواد وأوقع أصحابها في quot;مطبquot; المظلات التي كانت تصارع في وجه الريح والمطر بعدما كانت تتحمل الضربات الحارقة...
لكن فرحة الغيث تلك لم تكتمل، لتحبس السماء ثانية أمطارها في جوفها، وتنزل على quot;الديرةquot; صيفاً آخر. فالصباح التالي كان يوماً لا ينتمي إلى شهر ديسمبر ولا يحمل ملامحه، بل تبناه شهر أغسطس ومنحه quot;الضوء الأخضرquot; لإطلاق موجه حر قبلت الخطط واستدعت استراتيجية بديلة، معها اندثرت الآمال وتشتتت، ليبدأ النزال عنيفاً بين شتاء لم يعط فرصة ليهدر ويبرق ويرعد، وصيف ربح حتى الآن كل الجولات.
وحدها الخيم التي نفضت عنها غبار الصيف كانت المستفيدة من ذاك quot;الصيف المزعجquot;، فأعدت العدة ووجهت بوصلتها إلى quot;البرquot; حيث حطت رحالها تفرش مفاتنها على فراش من رمال عطشى.
لكن لم يرضخ الشتاء لحال quot;العقمquot; الذي أصابه هذا العام، ولم ييأس، إذ استفاقت البلاد على حزام quot;ضبابيquot; استعارته ربما من عاصمته لندن، واعتقد البعض لوهلة أنه سحابة تحمل مولوداً طال انتظاره، لكن الشمس كانت بالمرصاد وفتحت عينها واسعة في اليوم التالي.
شهر ديسمبر قطع معظم أشواطه، وها شهر يناير يطل برأسه جافاً، والسؤال ذاته لا يفارق الألسنة، هل ستمطر قريباً في الكويت؟
الجواب تخبئه الأيام المقبلة.
جميلة العوابدة




التعليقات