التغيير بدون تمهيد و مقدمات يؤدي الى الفوضى. هذا هو الدرس الأهم الذي سوف تتعلمه الأجيال القادمة الطموحة الى حياة أفضل في منطقة الشرق الأوسط بالقياس الى التجارب الحديثة العهد سواءاً أكانت في أفغانستان أو العراق أو في أية منطقة أخرى مرشحة للتغيير في جدول أعمال الولايات المتحدة الأمريكية. و إذا أخذنا العراق نموذجأ لإبداء بعض الملاحظات و إستخلاص بعض النتائج حول عملية التغيير نجد أن هذا البلد و بالرغم من تخلصه من نظامه السياسي بفضل الولايات المتحدة الأمريكية و حلفاءها إلا أن التطورات التي شغلت المشهد العراقي بعد 9 من أبريل 2003 و توالي مسلسل العنف الدامي يومياً أظهرت معطيات خطيرة في تركيبة دول المنطقة و بنية مجتمعاتها.
فالتعدد القومي و الديني في بلدان الشرق الأوسط الى جانب مشاكل الحدود و النفط و المياه عكس تتداخلاً في المصالح و الإرادات بين دول المنطقة الى درجة جعلت من كل دولة بؤرة توتر خطيرة قابلة للإشتعال في أية لحظة، تهدد ليس فقط بقاء كل منها فحسب، و إنما بقية جوارها و المنطقة برمتها. وإذا ما أخدنا بعين الإعتبار ممارسات و سياسات الأنظمة laquo;الوطنية raquo; بعد الحرب العالمية الثانية على المستوى المحلي والتي تمثلت في القضاء على كل أشكال الحراك السياسي و المجتمعي في بلدانها و فشلها في تحقيق التنمية البشرية، نجد أن عملية التغيير في ظل غياب محركاته و مفاعيله ضرب من ضروب الإنتحار طالما أن هذا التغيير و في ظل الظروف و الشروط الحالية مرهونة فقط بإرادات دولية تقف خلفها مصالح إستراتيجية عليا.
فالعراق مثلاً يعيش مخاضاً عسيراً منذ سقوط نظامه، لم تشفع له ثلات جولات إنتخابية حتى الآن من إعادة الأمن و الإستقرار الى ربوعه، و ذلك بسبب فشل قواه السياسية في التوصل الى صيغة ثابتة و محكمة في طريقة إدارة البلاد ليس فقط في مسألة حفظ الأمن و الإستقرار فحسب، و إنما في القضايا الأخرى الأكثر خلافية بين مكوناته و أطياف مجتمعه المتعدد القوميات و الأديان و المذاهب كقضايا توزيع الثروة و تقاسم السلطة و حدود الأقاليم و إختصاصاتها، خاصة و أن في العراق لم يعتمد لم يعتمد الى حد الآن بشكل نهائي الشكل او الصيغة الإتحادية كما نص عليه الدستور العراقي الدائم، ناهيك عن أن المبدأ الإتحادي مازال مثار جدل و خلاف مثير في المشهد العراقي و خاصة من قبل السنة. لهذ كان لا بد قبل الشروع في تغيير النظام العراقي السابق من الإتفاق بين القوى السياسية و المدنية العراقية حول شكل العراق المستقبلي بضمانات دولية تجنباً للإنتكاس فيما بعد.
و لعل في هذا السياق كانت التجربة العراقية حاضرة في الذاكرة الأمريكية حيال شكل التعامل مع الحالة السورية في ظل الحديث المتزايد عن خطط امريكية لتغيير نظام الحكم فيها بعد أن توصلت الإدارة الأمريكية في إستنادها الى أبحاث و دراسات المراكز الإستراتيجية في واشنطن الى قناعة مفادها إستحالة التعامل مع الحالة السورية وفق السيناريو العراقي من حيث التركيز على عامل القوة دون سواها في حل االمشكلة مع النظام السوري الذي فقد مع الوقت كل مقومات و عناصر الإهمية الإقليمية و بدا مع الوقت أنه يشكل عقبة أمام الجهود الأمريكية لترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط. و مع ذلك تجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في إشكالية تتمثل في كيفية التعامل مع الداخل السوري و خاصة مع القوى السياسية السورية التي تدور في فلك الخطاب الذي كرسه النظام في الشارع السوري و القائم على مفاهيم و مفردات القومية العربية و الوحدة و معادة المخططات الإمبريالية الأمريكية و الصهيونية و غيرها من الإصطلاحات التي ترعرع في ظلها أجيال من المواطنين السوريين لم تألف حالات العصيانات أو الإرهاصات المجتمعية و المدنية كما كان يعيشها العراق في زمن صدام نتيجة وجود قوى سياسية عراقية قوية و ذات مرتكزات جماهيرية و شعبية معروفة في الشارع العراقي.
و بدلاً من إقامة الجسور مع الداخل السوري ودعم الإتجاهات الليبرالية العلمانية فيه تتجه الإدارة الأمريكية الى ممارسة سياسة و دبلوماسية الخطوة خطوة مع النظام السوري بدأت في أروقة مجلس الأمن من خلال التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين و خاصة أولئك الذين رفضوا الحرب الأمريكية في العراق دون أن تتزامن أو تتوازى مع أية مساعي للإنفتاح على الداخل السوري و هو ما يشكل مؤشراً على تخبط من نوع ما في سياسة الأمريكيين حيال سوريا.
و عليه فإن منطقة الشرق الأوسط التي عاشت عقود من الزمن في ظل الأنظمة الديكتاتورية و الشمولية تترقب عملية التغيير في أوضاعها و أحوال شعوبها عن طريق دعم التوجهات الديمقراطية في مجتمعاتها دون الحاجة الى هزها بمغامرات غير محسوبة الجانب تخلق الفوضى ومزيدأً من فصول العنف و القتل الدامي.
زيور العمر
التعليقات