العفيف الأخضر هو المفكر العربي الأممي الوحيد في عالمنا العربي الذي طرح ومنذ السبعينات تحذيراته على تفاقم الأفكار الأصولية الدينية وخطرها على الأمة العربية وتطورها وقدرتها على الالتحاق بالمجتمعات المتمدنة والحضارة الحديثة. والذي قال في إحدى مقالاته في أوائل السبعينات أنه "إذا كان نقد الدين في المجتمع الغربي المصنع مهمة قد انتهت أساساً، فإن هذه المهمة ما زالت في مجتمعنا العربي لم تنجز حتى الآن" واليوم وبعد 35 سنة منذ تدوين هذه المقالة تأكد لنا بأن العفيف كان ولا يزال على حق بأن الأفكار الدينية الأصولية لم تتحول فقط لأيديولوجية تعتنقها عامة الناس بل أصبحت أداة تنذر بالخطر والموت وكابوس رهيب على رأس أمتنا، والعياذة بالله.

لقد كثر عدد المشايخ الأصوليين الذين يصدرون فتوات دينية وكأنهم ممثلين الرب على هذه الأرض منَصّبين أنفسهم ليعطوا الحياة ويأخذوها، كل هذا باسم الدين من الشيخ أسامة بن لادن مروراً بالقرضاوي إلى الشيخ المزيف راشد الغنوشي، وكلهم وبلا شك يصبون بإناء واحد هو إناء الإرهاب ولجم الحريات الشخصية وقمع الأفكار بكافة أنواعها طالما هي لم تتوافق مع أفكارهم وإبداعاتهم الدينية الهزيلة.

من هو يا ترى المسئول على هرطقة الغنوشي وغيره وفتواهم العبثية؟
كيف حصلوا على أفكارهم الأصولية؟ وكيف تعمقت هذه الأفكار؟

الأصولية الدينية في العالم العربي تنام وتستيقظ من حقبة إلى حقبة في عالمنا العربي والشرق أوسطي، ففي عصرنا الحديث استيقظت الأصولية بعد الاستقلال أو بعد الحرب العالمية الثانية، أو بالأحرى عند خروج الانتداب الفرنسي\البريطاني من البلاد العربية، وبالأخص عند تسلم الحكم لهذا الملك وذاك الأمير وذلك الرئيس أو ذاك البطل الذي حررنا من نير الاستعمار. الدين الإسلامي أصبح دين الدولة وأيديولوجيتها على الرغم من أن الدولة كافرة مهما كانت ميولها، وباسم الدين تم قمع الجماهير وتم قمع التفكير وغدا الدين هو العصا الغليظة التي تضرب من يعارضها ويعارض سياستها، تماماً كما فعلت الدولة الأموية والدولة العباسية. حيث استعمل الدين كترس لحماية حكامها وحماية أموالها. وتحت اسم الدين سُمح كما قال العفيف في كتاب سلطة المجالس "ما فعله الحجاج بقوة السيف حققه الخليفة(الورع) عمر بن عبد العزيز الذي تملأ أسطورته كل كتب التاريخ في بلادنا العربية... حققه هذا الإمام المنافق بحيلة شيطانية... فقد اصدر سنة 716 م فتوى تتعلق بالوضع القانوني للمسلمين الجدد (أي داخلي الإسلام) أكد فيها أن من يدخل الإسلام من الذميين يصبح مسلماً له نفس الحقوق والواجبات التي للآخرين، أما أرضه فتبقى كافرة... وباقية خاضعة للخراج" (ص 68).

وما سمح لعمر بن عبد العزيز للتحايل على ذقن الدين سُمح لأصحاب الفتاوى العصريين أن يفتوا بفتوة اغتيال العفيف، لأنه واجههم منذ الثورة الجزائرية في الستينات ولا يزال يواجههم بوعيه العميق وبفهم خبايا الدين، بوعيه الذي أزعجهم وململهم في مقاعدهم ومنابرهم أثار الضجيج في نفوسهم. لأنه اعتمد إلى البحث العلمي لفهم الدين الإسلامي وكل الأديان الأخرى القديمة منها والحديثة. أما مشايخنا تحلوا بالدين كما تحلوا بالعباءة وكُبر العمامة، تحلوا بعدد الآيات التي حفظوها وقدروا على سردها كالببغاء التي تنطق بالكلام ولا تفهم. لقد تعلموا الهرطقة الدينية والافتراء على من يقرأ كتاباتهم وكذبهم.

لقد أنفقت بعض الدول العربية مليارات من دولارات البترول على أشكال بن لادن وأشكال الغنوشي وحركاتهم ومنظماتهم العسكرية منها والسياسية لتقويض الأفكار الشيوعية ويحاربوا المد الروسي السوفيتي التي التحم باللعبة الدولية "الشرق والغرب" وانحازت دولنا العربية لهذا المعسكر أو ذاك وبعضها لجأ إلى دعم وخلق الإرهابي أسامة بن لادن لمحاربة كابوس ما يسمى بالشيوعية، تماماً كما دعم الموساد الإسرائيلي منظمة حماس الإسلامي لتقويض سلطة ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية.

وبدعم من دول البترول تحول المشايخ الصغار والكبار إلى دعاة موالين إلى من يدعمهم مادياً ويأجرهم ويوظفهم أئمة في الجوامع والمدارس الأصولية (كجامع صدام حسين في مدينة برادفورد البريطانية) والكثير من أئمة الجوامع التابعين للحركة الأصولي الوهابية التي لها جذورها بين المسلمين الباكستانيين ومسلمي آسيا وفي الدول الأوروبية والعربية وتقريباً في كل أرجاء المعمورة، بالإضافة إلى المدارس الأصولية التي تخَّرج مسلمين صالحين ومسلمين طالحين أصوليون وحتى إرهابيين، بالإضافة إلى دعاة الإرهاب كحزب التحرير، الإخوان المسلمون وجماعات إسلامية وأيضاً حركة النهضة الأصولية التونسية إلى آخر المطاف. وللأسف الكبير أموال السعودية التي أُنفقت على فتح الجوامع في أوروبا والعالم العربي والإسلامي من أجل تشجيع الحج تحولت إلى أوكار للإرهاب الأصولي.

والنقطة المهمة الذي يجب ذكرها هي الفقر المدقع الذي يعاني منه غالبية الشعب العربي خصوصاً تفشي العطالة العمالية والانخفاض الدائم لمستوى المعيشة. هذه الحالة خلقت مجالاً مفتوحاً للمنظمات الأصولية الإسلامية لتجنيد الآلاف ليلتحقوا بهم ويصبحوا القنبلة الموقوتة والكابوس الرهيب على هذا العالم. الأموال والأرباح الهائلة التي نتجت ولا تزال تنتج عن ارتفاع سعر برميل البترول توظف في بنوك ومؤسسات أوروبية بدل توظيفها في العالم العربي لرفع كابوس الفقر عنه ونشله من مآسيه ومصائبه التي تنهال عليه يومياً كنتيجة لتفشي هذا الإرهاب فيه.

التهديدات على العفيف الأخضر والافتراء والكذب على أنه هو كاتب كتاب "المجهول في حياة الرسول" وهو المنشور بالكامل في موقع الكلمة www.alkalema.us/maghol
ومن عرف العفيف وعرف طريقة كتاباته يكشف فوراً على أن هذا الكتاب ليس من صنعه وهذا يدل على أن حركة النهضة الأصولية وعلى رأسها الشيخ راشد الغنوشي هي حركة تلفق الكذب على نفسها وعلى أعضائها وعلى قراءها.

أرجو أن يشفى العفيف من هذا المرض الذي أصاب يديه حتى يعود لكتاباته النقدية ولأسلوبه الشيق والممتع في الكتابة. والتضامن معه ضد الأصوليين واجب علي كصديق قديم له وواجب على كل المثقفين الإنسانيين العرب.


[email protected]