هنالك مجموعة من المواثيق والمعاهدات والاعلانات تتحكم بالعلاقات الدولية وهذه المواثيق والمعاهدات هي ما نسميه القانون الدولي، وهذا القانون الدولي يتم التعامل به على اساس انه يعلى على القانون الوطني حتى ان الدول تجري تغيرات على قوانينها الوطنية في حالة تناقضها مع القانون الدولي.

العراق بلد مستقل منذ عام 1931 رسميا، وهو عضو مؤسس في منظمة الامم المتحدة وعضو مؤسس في منظمات دولية واقليمية عديدة، واقع الحال يقول ان العراق وغيره من الدول، برغم من توقيعها على معاهدات دولية وانظمامها الى الهيئات الدولية، الا انها تجاوزت على القانون الدولي في الكثير من الامور، بحجة السيادة الوطنية. في حين نرى ان الدول التي تتحكم فيها الممارسات الديمقراطية وسيادة القانون، حين عدم تمكنها من التزام قانون دولي معين اما تتفاوض من اجل اعفاءها من بعض بنوده، او تعلن خروجها عن القانون كله، وبالتالي العالم كله يعلم ذلك، والدولة تدفع ضرائب باهضة لخروجها عن القانون الدولي، اما دولنا الشرق اوسطية فتسارع الى التوقيع على القانون، وتعمل بعكسه، مدركة ان العالم الحر لن يحاسبها بشدة على اساس انها دول لم تبلغ الرشد بعد، كما استغلت هذه الدول وجود لاتحاد السوفياتي ومعاداته للغرب لكي تستنجد به لكي يسارع الى استعمال الفيتو ضد اي قرار يرى فيه انتصارا لقيم الغرب.

الا ان دخول العالم الى مرحلة جديدة، مع انتصار القيم الليبرالية واندحار كتلة الستار الحديدي، اوجد حقائق جديدة على الارض، فلم يعد مبرر قيمنا ومكوناتنا الخاصة، يصلح للتغطية على التجاوزات القائمة على القانون الدولي، فالسيادة التي كان البعض يتخفي خلفها لارتكاب ابشع الجرائم، دون خوف من عقاب او ادانة بسبب انقسام مجلس الامن وحالة الاستقطاب التي شهدها طوال اكثر من نصف قرن، انتهت وصارت كل الدول الاوربية ملتزمة بالقانو ن الدولي، عدى استثنات قليلة نذكر منها روسيا البيضاء التي تتعرض لضغوط هائلة للتغير.

ان التزامات العراق الدولية، تفرض عليه الالتزام بالاعلان العالمي لحقوق الانسان بندا بندا، والتزاماته تفرض عليه حماية الاقليات وثقافتها ومساواة المواطنين بغض النظر عن الدين والقومية والعنصر واللون والجنس، وهذا كله يتناقض مع بعض الدعوات التي تقول بوجوب النص على ان الاسلام دين الدولة، وان الشريعة الاسلامية مصدر من مصادر التشريع، والاخطر لا يعمل باي قانون يتعارض مع الشريعة الاسلامية، فهذه الاشتراطات التي يحاول البعض فرضها، تتناقض مع كل المواثيق الدولية وبالاخص مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

ان الشريعة الاسلامية بما هي قانون يعتبر منزلا من السماء لدى البعض، ولا يتم ايلاءه اي اهمية لدى البعض الاخر، ليس من ابناء الاديان الاخرى فقط، بل من المسلمين المتنورين، الذين يرون صالحهم في فصل الدين عن الدولة، فكيف يتم التوفيق، بين تطبيق قانون لا يمكن للبعض تطبيقه لانه يتعارض مع مبادئهم الاساسية؟ انها مسألة عويصة واشكالية قانونية مهمة يجب ان لا نقع فيها، ان العالم كله يسير باتجاه تطوير قوانينه بما يمنح للفرد المزيد من الحرية، وتطبيق الشريعة الاسلامية يعني لنا اننا نحاول فرض المزيد من القيود على الفرد العراقي.

ان من يدعي ان الاسلام لا يعادي الديمقراطية والحريات الفردية يحاول ان يستغفلنا بكلمات لا معنى لها، فابسطنا له اطلاع ما على الشريعة والاشتراطات التي فيها والكثير منها يتعارض مع ابسط حقوق الافراد، فالادعاء بعدالة وسماحة الاسلام، وهنا يعني عدالة وسماحة الشريعة، يتناقض اشد التناقض مع كل الاضطهادات والمذابح التي اجريت باسم الجهاد على غير المسلمين في طول وعرض ما يسمى بالبلدان الاسلامية.

ان المجتمع الدولي والمسير بالقانون الدولي والمتفق على مبادئ اساسية ومنها التعددية السياسية والنظام الديمقراطي والحريات الفردية وضمانات للاقليات القومية والدينية، بداء يتحرك في هذا المسار بفعالية، وهاهو يفرض على الكثير من الدول مراجعة منظومتها القانونية والتعليمية وحقوق المراة فيها.

ولكي لا يفرض علينا المجتمع الدولي الالتزام بالقانون الدولي تحت التهديد والوعيد بالحرب او بالعقوبات الدولية، فالمطلوب من عقلاء العراق العمل بجد واخلاص، واخص بالذكر الاحزاب الكردية العلمانية والعرب العلمانيين والاشوريين والازيدية والصابئة وكل خير في العراق، على عدم اضاعة الفرصة الذهبية الحالية، وتكرار ما حصل في الخمسون سنة الماضية باستبدال الاسلام وقوانينه بالعروبة وشوفينيتها.

تيري بطرس