يحاول أمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى أن يوهمنا في لحظة المخاض العسير في منطقة الشرق الأوسط أن مستقبل العراق السياسي و البشري و الجغرافي يتوقف على تأكيد عروبة العراق بأكمله و ليس جزءاً منه فقط في الدستور و ذلك في معرض تعليقه على مسودة الدستور الدائم التي تم تسليمها الى الجمعية الوطنية العراقية.
بل ربما نسي السيد عمرو موسى أو ربما يتظاهر بالنسيان كيف تم إستبعاده أو بالأحرى إزاحته من منصبه على رأس الدبلوماسية المصرية قبل عدة سنوات لصالح تنصيبه في موقع الأمين العام لجامعة الدول العربية، الموقع الذي لا يربط و لا يحل في دهاليس السياسة العربية و الدولية. و للتاريخ ينبغي القول أن السيد عمرو موسى كان بارعاً و دبلوماسياً متفوقاً عندما كان وزير خارجية مصر و لا ننسى حتى الآن المناظرة التلفزيونية التي جمعته مع وزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق شلومو بن عامي في أحدى برامج التلفزة الأمريكية و براعته في الدفاع عن وجهة نظره مقابل سياسي محنك في درجة الوزير العمالي بن عامي الأمر الذي إستلهم مخيلة المصريين الفنية في أغنية شعبان عبد الرحيم « أحب عمرو موسى.. بكره إسرائيل..».
بل ربما يعتقد السيد عمرو موسى أن تهديداته برفع التجاوز على عروبة العراق الى إجتماع وزراء الخارجية العرب و ربما القمة العربية القادمة و التي تحاول مصر منذ فترة عقدها لأسباب داخلية مصرية تتعلق بالإنتخابات الرئاسية و المحاولات الجارية لإخراج صورة إعلامية للرئيس مبارك تعينه في معركة الإنتخابات المعروفة النتائج و الأرقام سلفاً قد يحرج القيادة العراقية و تتسبب لها بمشاكل إقليمية مع المحيط العربي جراء أي إحتمال بتعليق عضوية العراق في جامعة الدول العربية أو حتى فصله.
فالجميع يعلم و منهم السيد عمرو موسى و جميع القيادات العربية معه أن العراقيين يضيقون ذرعاً بالجامعة العربية و أنظمتها السياسية بسبب مواقفهم المتهاونة و المتخاذلة في الدفاع عن النظام السابق و التستر على جرائمه بحق الشعب العراقي. بل لا ينس العراقيون إهمال الجامعة العربية للملف العراقي ما بعد التحرير من قبضة النظام الديكتاتوري السابق بذريعة الإحتلال الأمريكي للعراق و غيرها من الأسباب التي لا تقنع أحد. و بدلا من دعم العملية السياسية الجارية في العراق و المتمثلة بإقرار الدستور الدائم و تنظيم الإنتخابات القادمة التي ستشرع لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة تقوم على الديمقراطية و إحترام التنوع الإنساني و الثقافي يقوم السيد موسى بتهديد العراق و قيادته و التلويح بفرض إجراءات عقابية ضده.
و ليس غريباً البتة إعتراض السيد موسى على الفقرة التي نص عليها مسودة الدستور العراقي و التي تؤكد على أن الشعب العربي في العراق جزء من الأمة العربية، إذ أنه لم ينشأ أساساً في ثقافة و محيط يحترم التنوع و الإختلاف و إنما ولد و ترعرع في ظل موروث ثقافي أقل ما يمكن القول عنه أنه إنكاري و إقصائي يستدل عليهما في تاريخ سياسات دول المنطقة بحق أقلياتها الإثنية و الدينية سواءا في إقليمي كوردستان العراق و سوريا أو في جنوب السودان و شمال أفريقيا بحق البربر و الأمازيغ و الأقباط في مصر...
فالعراق، حتى وفق الدستور العراقي السابق، يتكون من قوميتين أساسيتين، العرب و الكورد، الى جانب الإقليات الأخرى كالتركمان و الكلدو أشوريين و غيرهم، و من الطبيعي أن يكون العرب جزء من الأمة العربية و الكورد جزء من الأمة الكوردية المجزءة و المقسمة بين أربع دول ( تركيا، العراق، إيران و سوريا) أم أن السيد موسى ما يزال يرى في النموذج البعثي السوري مثالا يحتذى به إذ أن جميع المواطنين السوريين وفق الدستور السوري مواطنين عرب سوريين و لا يوجد أي إعتراف بالهوية العرقية و القومية للكورد و باقي المكونات الغير عربية في النسيج الوطني السوري على الإطلاق.

ربما أعتقد السيد موسى، حقيقة، و هو واهم بالتأكيد، أنه يستطيع أن يهدد بلد كالعراق عبر تلويحاته المهترئة و العنصرية في آن واحد و يثنيه عن المضي في الإستمرار في مشروع بناء الدولة العصرية الحديثة القائمة على التنوع في ظل المناخ الديمقراطي الذي يحفظ كرامات الأفراد و حقوقهم. و لعل من المفيد عليه أن ينأى بنفسه عن الخوض في تفاصيل العملية السياسية الجديدة في العراق و التي يحرص العراقيون على إنجاحها مهما كانت التضحيات و التي يعتبرونها في النهاية شأناً عراقياً داخلياً لا يحق لموسى و غيره إعتبارها مجالاً لتسجيل مواقف و مزايدات قومية حل عليها الزمن..