من الامور المحزنة في الواقع السياسي لاقليم كوردستان بالعراق الاتحادي، ان الانتقادات البناءة المرشدة للسلطة والرئاسة والحكومة الكوردية لا تجدي نفعا معها مع ارباب السلطة لانها لا تجد آذانا صاغية لها ولا تجد عيونا لها لتقرأ ما في الانتقادات لتصوغ منها أفكارا او حلولا أو مناهل لقراءة المشاكل اليومية والحياتية والخدمية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الكوردستانيون وبالاخص منهم العامة الذين أصبحوا غالبية، محرومة، متروكة، مفصولة عن أغلبية صغيرة، متكبرة، متعالية، متجبرة، قابعة على الحكم منذ عقد ونصف، استولت على مقادير السلطة وخزائن الأموال لسنين طويلة.
أجل هذه الحقائق المرة في الواقع الكوردستاني تطرقنا اليها كثيرا بمقالات ونداءات متواصلة الى السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان والى الرئيس العراقي جلال طالباني بتفاصيل كافية من خلال هذا المنبر الحر ومن خلال الصحافة الكوردية الصادرة بالعربية في بغداد ومن خلال المواقع الالكترونية الصحافية العراقية والكوردستانية على شبكة الانترنيت، منها رسالة موجهة مباشرة الى السيد بارزاني من خلال هذه المنابر ومن خلال الاتصال المباشر عن طريق احدى المكاتب الحزبية للديمقراطي الكوردستاني، كنداء ودعوة للبدء بإصلاح الوضع القائم ولكن بسبب الفساد المستشري في الأوساط الحكومية والحزبية والعسكرية والبرلمانية للحزبين الرئيسين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني، ووجود عناصر فاسدة، مستهلكة، متطفلة، منتفعة، انانية، غير مخلصة وغير كفوءة بتاتا في تلك الاجهزة والدوائر والحلقات المباشرة للقيادات والمسؤولين، فان أي صوت صارخ للحقيقة واي صوت عارض للحقائق والازمات والمشاكل التي يعاني منها الشعب الكوردستاني، واي عرض وانتقاد بناء موجه بقصد الاصلاح تبقى بعيدة عن ابصار وآذان الزعامتين الكورديتين بارزاني وطالباني، ولا ندري متى يصحوان هذين الزعيمين لما موجود في الواقع وما مشهود له في الحاضر، وما متراكم وما متفشي من مظاهر مفسدة متسمة بابشع صور الاستغلال للسلطة وسرقة اموال العامة من أموال وممتلكات وعقارات.
مظاهر فاسدة شقت عنان السماء ومزقت طبقات الارض فسادا وجورا وظلما بحق الشعب وبحق حقوق المواطنة الكوردستانية، مظاهر سببت خلق ازمات رهيبة مستعصية متواصلة مزمنة في الحاجات الاساسية والخدمات والوقود والكهرباء والسكن لحرمان الشعب من المقومات الرئيسية من الحياة واستغلاله من زمن تأسيس البرلمان واعلان اول حكومة كوردية الى زمننا هذا، مظاهر خلقت أقلية فاسدة جائرة محصورة بأقطاب ومسؤولي الحزبين الرئيسين، تمتلك تسعين بالمئة من ممتلكات وعقارات ومناصب وامتيازات وشركات وخزائن اموال الاقليم وتتحكم بجميع الموارد التجارية والكمركية والاقتصادية للشعب، أقلية تشكلت منها جبابرة في المليارديرية تفوق المئات وقد تبلغ الالوف، حتى ان احدى الصحف المحلية تطرق الى ان روسيا بكل حجمها وكبرها وقوتها الاقتصادية تملك ستة وتسعين مليارديرا بينما المليارديرات التي برزت في كوردستان بفضل الاستيلاء على السلطة واحتكارها واستغلالها ابشع استغلال تتجاوز هذا الرقم بكثير.
أجل هذا الواقع الفاسد المتردي المتفسخ الذي يطغي على الساحة الكوردستانية تسبب في ظهور طبقتين لا وسطية بينهما، طبقة من الأغلبية الفقيرة التي بدات تفقد مقومات حياتها وأسباب معيشتها، وطبقة شقت طبقات السماء في العلو بالاموال والممتلكات المفرهدة تعيش في أبراج عالية غارقة في الترف الشيطاني جاوزت أبراج قارون التي جاءت ذكرها في القرآن الكريم، طبقة تحكمها شريعة الغاب في ابتلاع كل ما هو مال وممتلكات على الارض الكوردستانية، طبقة ابتعدت عن شريعة الله وعن شريعة القيم الإنسانية بكل معنى الكلمة، حتى باتت تسمية الفراعنة قليلة عليهم كما جاءت تسميتهم في الصحافة المحلية.
وللاستدلال على هذا الواقع، نأتي بما صرح به أحد أقطاب القيادة الكوردية وهو الدكتور برهم صالح، حيث صرح في احدى اللقاءات في اربيل، ان السليمانية تسلمت في غضون ستة أشهر مليار و250 مليون دولار إضافة الى وارداتها المحلية التي بلغت 250 مليون دولار أي بمجموع 1500 مليون دولار، واذا أخذنا هذا المبلغ معيارا لبقية المحافظات في كوردستان كتقدير تخميني، فان اربيل تلحقها 1250 مليون دولار في نفس الفترة ودهوك مليار دولار، أي بمجموع 3750 مليون دولار لعموم كوردستان في ستة أشهر، فترى هل يعقل هذه الزخم العظيم في الاموال الواردة وهذا الزخم الكبير للازمات والمشاكل الحياتية والمعيشية التي يعيشها المواطنون والمختلقة بتعمد من قبل أرباب السلطة لابتلاع كل تلك الاموال المخصصة للشعب، وفي مقبل كل هذه الاموال الطائلة يعيش المواطنون في أزمات حياتية خانقة مستعصية.
والمشكلة في الواقع السياسي الكوردستاني، ان جميع القيادات خاصة الرئيسين بارزاني وطالباني، يعترفان ويقران امام الصحافة بعلانية بوجود هذا الفساد المتعظم في كوردستان، وطيلة أكثر من نصف عقد يصرحان باتخاد خطوات للاصلاح واتخاذ اجراءات ضد الفساد، بينما الواقع يشهد عدم اتخاذ أي اجراء عملي او رسمي لحد هذا الوقت، اللهم الا الاعلان الحزبي غير الدستوري باسم ديوان المساءلة الذي اطلقه الرئيس جلال طالباني لمعالجة الفساد في منطقة ادارة الاتحاد الوطني ولا زلنا لحد هذا الوقت لم نسمع اتخاذ أي اجراء، اضافة الى هذا حتى أن البرلمان لم يلجأ الى اتخاذ أي اجراء لدراسة هذا الوضع واقتراح المشاريع المناسبة لمعالجة الواقع، اجراءات وتشريعات عملية مناسبة لمعالجة الوضع واصلاحه.
وكا اشار اليه الزميل الكاتب شيرزاد شيخاني صاحب المقامات الكوردستانية البديعة في رسالته الى الرئيس بارزاني ان السيل قد بلغ الزبى، اجل السيل قد بلغ الزبى، ااستنادا الى هذا القول البليغ فان الواقع يحكم علينا ان نقول بكل جرأة للرئيس بارزاني، اما انقلاب ابيض على الواقع الفاسد المتفسخ في الاقليم والقيام بثورة بيضاء باشراف الرئيسين بارزاني وطالباني مدعومة من قبل الشعب ومن قبل الفقراء والمستضعفين الكورد للوقوف بوجه ارباب السلطة المحتكرين الجائرين الظالمين الذين لا يملكون ذرة من الوطنية الكوردايتية الذين اعتلوا مسالك السلطة والتجارة على المستوى الحزبي والحكومي والبرلماني منذ عقد ونصف من الحزبين الرئيسين ومن الاحزاب الصغيرة الأخرى التي تعتاش على الحزبين، لنخر هذا الشعب وامتصاص دمائه من اموال العامة ومن موارده التجارية والاقتصادية، كدراكيولات ماصة للدولارت بالمليارات والممتلكات والعقارات بإسم الديمقراطية وباسم الاقتصاد الحر، ديمقراطية تسير نظام حكم مبني على اسس جديدة لانتقال السلطة وهي جديدة على المنطقة، ولكن اي نظام يتحكم بسلطة حكومية يعين زراعيا وزيرا للتربية و معلما وزيرا للزراعة، واي نظام هذا فسح ويفسح المجال لجواسيس وعملاء المخابرات الصادمية بتبوء المناصب العالية والولوج الى اغلب المفاصل الحزبية والحكومية والبرلمانية لدولة الاقليم.
أجل كل هذه المشاهد التي تقطع القلوب وتتحصر لها النفوس نشهدها بام عيوننا في واقعنا الكوردستاني، واسنادا الى هذه المشاهد نقول وبكل حسرة ولا مبالغة في قولنا هذا، والله لو أن لارض كوردستان كانت وجه لأبصق في وجوه كل أرباب السلطة الذين توالوا على الحكم في كوردستان منذ عقد ونصف وتبرأت منهم براء الذئب من يوسف، ووالله أقولها بقلم صادق أن صدام بالرغم من دكاتوريته وشوفينيته واجرامه وارهابه وانفالاته بكوردستان لم يفعل مثل ما فعله ويفعله بعض أرباب الحكم الكوردستاني من فساد واختلاس لاموال وممتلكات الشعب بجميع مستوياتهم الحزبية والحكومية والبرلمانية والعسكرية طيلة عقد ونصف.
أجل فساد متفسخ بهذه القساوة الطاعنة في الشعب هو ما يتحكم بالساحة الكوردية، فساد قل نظيره على الساحة الاقليمية والدولية، فساد مستشري بوقائع واحداث رهيبة ومصائب اليمة أخذت تفرض نفسها في الواقع الحياتي، فساد هو ليس وليد اليوم بل هو وليد أول يوم جاءوا فيه للحكم.
أجل يا رئيس كوردستان، قد جاء الوقت وقد حان الساعة، أجل قد حان نزولكم ونزول رئيس الحكومة الى الشارع كما تفضل به الكاتب شيخاني للتماس مع هموم طبقات الشعب خاصة الفقيرة منها لمعرفة الازمات والمشاكل بتفاصيلها ومفرداتها الحية، وعندها لا يبقى لكم القيام الا بانقلاب ابيض بتخطيط حكيم وتنفيذ سليم وثورة شعبية بيضاء تحت قيادتكم مسنودة ومدعومة من قبل عموم الشعب للوقوف بوجه الازلام الفاسدة التي تتحكم بمقدرات الشعب دون هوادة وإخراجهم من السلطة ومن الساحة الكوردستانية وإسترداد أغلب اموالهم وممتلكاتهم التي تجمعت بأساليب غير شرعية لخزينة الشعب والدولة، وبعكسه فإن ترك الوضع على حاله والانتظار للمستقبل فان الآتي من الزمن لا يحمل غير مستقبل مجهول اسود ينتظر كوردستان بفعل صرخات المستضعفين وآهات الفقراء، ويومها لا يغفر لكم ولا يصفح عنكم عن ما ستآل اليه الظروف في تلك الايام، والله على ما نقول شهيد، اللهم اشهد إنا بلغنا، اللهم نشهد انك أرحم الراحمين وانك القادر على إهداء هؤلاء القوم من شعبي لاصلاح امرهم وشأنهم للاستغفار عن انفسهم واعادة الحق الى الشعب وهذا ما نرجوه ونأمله بقلوب آمنة أمانا لهذا الشعب الذي ابتلي بويلات ومصائب عظيمة وآخرها الفساد المتفسخ، رجاء نأمل ان تصغى اليها القيادة الكوردية والى سطور هذه الدعوات الصادرة بتواضع من أمثالنا ومن أمثال الكاتب البديع شيرزاد شيخاني، دعوات مخلصة بريئة نابعة من أقلام صادقة تحمل هموم الشعب والمواطن الكوردستاني لتساهم بكل أمانة في رسم حاضر مشرق ومستقبل زاهر.
وفي الختام لابد لنا من القول ان مقالنا الصريح هذا مسند إلى الحرية التي نتمتع بها والى الإيجابيات الكثيرة والإنجازات الكبيرة التي تحققت في الإقليم وهي الستار الذي نقي به قلمنا، ولكن مع هذا فان مقالنا يأتي لكشف الامور في واقع كوردستان الراهن لوضع النقاط على الحروف، وهذا قد لا يعجب بعض الجهات من ارباب السلطة لقوة الاراء المطروحة فيه، لهذا قد تتولد منهم ملاحقات ومساءلات بشأننا بذرائع وحجج واهية قد تصل إلى التهديد والسجن والقتل، ولو أن أملنا كبير بعدم حصول هذا في ظل رئاسة مسعود بارزاني وفي ظل رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني، ولكن بالرغم من هذا ومهما وصل الامور اليه وخاصة اذا وصل الامر الى الخلاص من قلم أمثالنا والى الخلاص من صاحبه ومن عقله ومن قلبه، في هذا الحال فان ما نتمناه ان يكون الخلاص بطلقة مشفوعة برحمة رصاصة واحدة في العقل المفكر والقلب النابض لقلمنا، وما حلاوة التضحية بالنفس من أجل قلم نابض كان مداده الحقيقة والقول الصادق والصوت المعبر لهموم الشعب والوطن والرجاء بإصلاح أهل الحكم.

د.جرجيس كوليزادة
كاتب كوردي عراقي-اقليم كوردستان
[email protected]