وتعقيب على خبر ظهر في ايلاف الثلاثاء الماضي


تابعا للخبر الذي ظهر في ايلاف في 31 اكتوبر تحت عنوان تكريم جويد الغصين أريد في هذا المقال وضع وجهة نظر شخصية حيث كنت من الحضور في حفل التكريم الذي عقد مساء 30 اكتوبر الماضي في منزل السفير المصري في لندن في ماي فير وهي من ارقى احياء لندن.

كلمة السفير المصري:

ضيف الشرف والخريج المخضرم الذي درس في الجامعة في اواخر الاربعينات كان الاستاذ جويد الغصين واستلم الجائزة السنوية للخريج المتميز لهذا العام من ديفيد أرنولد رئيس الجامعة الأميركية في القاهرة والذي أتى خصيصا من القاهرة. رحب السفير المصري جهاد ماضي بالحضور واعتذر انه لم يكن خريجا من الجامعة الاميركية ولكنه متزوج من سيدة تخرجت من تلك الجامعة.
في كلمته الترحيبية عبر السفير عن شكره وتقديره للدورالايجابي الذي يلعبه السيد جويد الغصين في دعم الجامعة والجمعيات الخيرية والانسانية وذكر على الأخص تاريخ جويد الغصين الطويل في خدمة القضية الفلسطينية.

ثم قرأت لنا ماري اسكندر المستشار الخاص لرئيس الجامعة سطور مختصرة عن سيرة جويد الغصين الذاتية وقالت أنه تخرج من الجامعة الاميركية في القاهرة عام1953 حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد. وذكرت كيف ساهم الغصين في مساعدة العديد من الطلاب في اكمال دراستهم الجامعية.
ويمكن تلخيص ما قالته بسطور قليلة ان جويد بعد التخرج من الجامعة دخل مجال الأعمال واسس شركة بناء وتعمير في الكويت وخدم كأمين الصندوق القومي الفلسطيني من 1984 حتى عام 1996.

وهو الآن متقاعد في لندن. ولكن الوقت لم يسمح للحضور بسماع المزيد عن الدور الهام الذي لعبه في خدمة القضية الفلسطينية. ولكي نعطي هذا الموضوع حقه استذكر لقاء صحفي مع السيد جويد الغصين قبل اكثر من ثلاثة أعوام حيث تحدث فيه بصراحة تامة وألم عمّا آلت اليه الأمور في فلسطين.


لقاء صحفي قبل أكثر من ثلاثة اعوام ونشرته ايلاف:

طبعا لم يكن هناك مجالا في حفل التكريم لذكر الدور الكبير الذي لعبه في الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل العربية والعالمية وجهوده في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني حيث سادت الفوضى والارتجالية والانتهازية في الادارة وسؤ التصرف في الأموال ورغم محاولات كثيرة لضبط الأمور الا ان ذوي المصالح وقفوا عثرة امام الاصلاح.

وقال لي في اللقاء الصحفي أنه كان مصرا على الاصلاح وتأسيس أسس للرقابة والتدقيق والمحاسبة في التعامل والانفاق. هذا الموقف جلب المشاكل لجويد حيث غضب عليه معارضوا الاصلاح والمنتفعين من سياسة الفوضى العشوائية وتآمروا عليه لكي يتخلصوا منه. ورفض بشدة الاتهامات الظالمة انه كان متورطا بالفساد. وتعليقي هنا أن كل انسان عاقل يعرف كم من السهل كيل الاتهامات واختراع الاكاذيب لتدمير الخصم. وجويد كان فعلا خصما للآخرين لأنه اراد التغيير والاصلاح.

التقنوقراط الاصلاحي:

كرجل أعمال وتقنوقراط ناجح في مجال الأعمال اكتسب جويد الخبرة في الادارة المالية السليمة وضبط السجلات واستعمال الوسائل الادارية الحديثة في المحاسبة والميزانيات وضبط الانفاق. ولكن تطبيق هذه المباديء على ادارة الامور المالية في السلطة الفلسطينية لم يعجب المنتفعين والانتهازيين الذين ينفقوا اموال الشعب بمزاجية ويستعملوها لشراء الدعم السياسي والولاء ولارضاء هذا الطرف او ذاك.
اعترض جويد الغصين على التصرف اللامسؤول بالأموال كأداة سياسية للترغيب والترهيب في آن واحد. ولكنهم رفضوا الاصلاح والتغيير ونظروا الى جويد كمصدر ازعاج ولم تعجبهم أساليب جويد المنطلقة من خبرة طويلة في ادارة الشركات لذا قرر الحرس القديم وديناصورات السلطة آنذاك التخلص منه بشتى الوسائل وحتى اصطناع الاتهامات المفبركة. وروى جويد كيف أن بعض الانظمة العربية تواطئت مع الرئاسة الفلسطينية لاحراجه ومضايقته واجباره على الصمت والابتعاد عن السياسة. ولكنه كان شجاعا في فتح الملفات والتحدث بصراحة وجرأة. انقلب رفقاء النضال على الرفيق جويد وترك ذلك جرحا عميقا في قلبه وأثّر عليه نفسيا وصحيا. هذا الحديث كان قبل أكثر من ثلاثة أعوام.

عارض غزو الكويت وانتقد المرحوم عرفات:

لم تذكرلنا ماري اسكندر في الحفل أيضا موقف جويد الغصين في دعم الحوار والتعايش السلمي على أسس العدالة والشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن لانهاء حالة الصراع مع اسرائيل.

لم تذكر معارضته لغزو الكويت من قبل صدام حسين وانتقاده الشديد للمرحوم ياسر عرفات الذي أيّد صدام حسين مما زاد حدة التشنج والغضب على جويد الغصين. وأثبت التاريخ ان هذا الموقف الجريء كان مصيبا. ولولا احتلال صدام حسين للكويت لما تشرّد 300 الف فلسطيني وفقدوا مصادر رزقهم في الكويت ولما اكتسب الشعب الفلسطيني العداء من الشعب الكويتي والعلاقة الفلسطينية الكويتية لا تزال في مرحلة النقاهة البطيئة.


انتقادات لاذعة للانظمة العربية:

وعودة للحفل عندما استلم جويد الجائزة التقديرية ألقى كلمة قصيرة شكر فيها السفير المصري الذي استضاف الحفل وشكر رئيس الجامعة الأميركية والدور المصري في دعم قضية فلسطين. ولكن جويد لم يكتفي بذلك واستغل الفرصة امام الحضور الكبير ليوجه انتقادات لاذعة للانظمة العربية لفشلها في تقديم خطة مالية لانقاذ الشعب الفلسطيني المحاصر ماليا واقتصاديا لأنه مارس حقه الديمقراطي بانتخاب حماس. وقال انها فضيحة كبرى وعارا على الدول العربية التي فشلت في تأمين الدعم المالي لدفع رواتب الموظفين وفك الحصار والتجويع وتساءل ألا تستطيع هذه الانظمة تقديم 142 مليون دولار لدفع رواتب الموظفين وفك الحصار.


مشهد سيريالي ظريف لم يتوقعه أحد:

وكان من الواضح أن جويد الغصين كان يتأهب للمزيد من الانتقادات ويريد ان يقول الكثير ولا شك أن لديه مآخذ كثيرة على الانظمة العربية ولكن نجلته السيدة منى الغصين تدخّلت وحاولت اقناعه بالعدل عن الاستمرار في مخاطبة الحضور لتفادي الاحراج ولمنع تحويل حفل التكريم الى جلسة محاكمة للانظمة العربية. الايتيكيت الاجتماعي لا يسمح بذلك ولكن جويد انسان حقيقي صادق وعفوي وطبيعي لم يأبه لهذه الأمور الشكلية والرسميات والمراسيم التزيينية. من يلومه لانتهاز الفرصة لتفجير ما في صدره من ألم واحباط وقهر على المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

المتمرد على الأيتيكيت

وبمشهد سريالي عفوي وتلقائي تشبث جويد الغصين بالميكروفون وترى أنه مصّر ومصمّم على الحديث. ولكن في لعبة الجذب والشد بين جويد ومنى والتي استغرقت عدة ثواني والمايكروفون بينهما استطاعت منى في النهاية من انتزاع المايكروفون من يد جويد. هذا المشهد الغير متوقع أدخل السرور لقلوب الحضور ولعبة شد المايكروفون أمام ضيوف مّميزين كان له صدى في النفوس التي انفجرت بالضحك والاعجاب والتصفيق. لا أوافق الرأي انه كان منظرا محرجا بل بالعكس ازداد حبي واعجابي واحترامي للمتمّرد جويد ولمنى التي أرادت ان تتجنب ما يسمى حرج ديبلوماسي (diplomatic incident).

نهاد اسماعيل

لندن
nehad ismail ndash; London، UK