بسم الله الرحمن الرحيم
quot;ولا تستوي الحسنة و لا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميمquot;.القران الكريم سورة
quot;المجد لله في الأعلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرةquot;. إنجيل متى

المقدمة
نرصد يومياً ما يحدث في وطننا من مآسي وويلات، وشيوع مناخات الخوف والرعب من عمليات الإرهاب، وتتشنج عواطفنا، فنتأزم نفسياً أمام تحديات القتل المجاني، وطريقة الموت المقززة. ويحصد شعبنا النتائج الكارثية للسياسات المتأسسة على نظام المحاصصة الطائفية والأثينية، دون أن تلوح في الأفق السياسي بوادر لحل المأزق العراقي، ما لم تتغير طريقة تفكير وإدارة وعقلية النخب السياسية، سواء القائمة على الحكم أو المعارضة له، بالاعتماد على مبدأ quot;العراق أولاُquot; عبر المشروع الوطني لإدارة الدولة، وتعميق الهوية الوطنية العراقية، القائم على أساس مشاركة جميع العراقيين من دون تمييز وانطلاقاً من مفهوم المواطنة، بعيداً عن الاستقطاب الطائفي والأثيني.

أقدم في هذه الورقة البحثية مقاربة في الاجتماع السياسي العراقي، لعدد من قواعد السلم الاجتماعي، والتي تصح أن تكون معالجة أولية قابلة للنقاش للأوضاع السائدة، مساهمة منا في تدعيم ركائز السلم الأهلي العراقي، ولإغناء الوثيقة البرنامجية المقترحة التي ستصاغ بأفكار و روئ من المؤتمرين عن أزمة التيار الوطني الديمقراطي في العراق. سأنطلق من بدء السعي الحثيث لبناء ثقافة مدنية متميزة عن سجال المتنازعين على السلطة وحلفائهم، وهذه الثقافة تستهدف توطد العلاقات الاجتماعية وتحقيق المصالح بين مكونات المجتمع، وهي تختزن أبعاد وتأثيرات سياسية، في وطن تعيش مكوناته مرحلة التحول الديمقراطي، بعد فترة انقطاع عن العالم وتطوراته أثناء الحصار الاقتصادي وزمن الحروب العبثية التي قوضت قيم وأركان المجتمع العراقي.

التعريف
يُعرف مفهوم السلم الأهلي: بـ quot;سلمية كافة العلاقات والتعاملات الحياتية بين أبناء المجتمع والدولة التي تضمه، بمعنى الرفض الكامل لكل أنواع العلاقات التصادمية والصراع العنفي، بين أجزاء أي مجتمع بشري ومؤسسات الدولة القائمة على التعاقد الاجتماعيquot;، والتعريف يستبطن الامتناع عن الدعوة الى العنف أو التعويل عليه، أو تبريره أو نشر ثقافته التي تعتبر الاحتراب العنفي حتمي، بسبب التباين والاختلاف الايدولوجي(فمن دون أيديولوجيا حرب لا تقوم حرب) وبالتالي الرفض الكامل لحصد نتائج العنف. و وببداهة القول إن التعريف يمنع الاصطدام العنفي ويمنح حق الاختلاف والتنوع المجتمعي السياسي، اللذان يضمنان النجاح في الإدارة الديمقراطية. والعنف ظاهرة بشرية منذ القدم، وتعتبر مؤشراً عن حالة الانهيار والانزلاق الخطير الذي يشهده الواقع اليومي لأي مجتمع.

فالحروب الأهلية تقوم على أيديولوجيا التخاصم النضالي أو الكفاح المسلح أو العنف الثوري. ومن دون هذه الأنواع من العنف، لا يمكن للحرب أن تندلع وتستمر لفترة طويلة. لذا توجب أن نعتبر التقاتل العنفي شر مطلق أياً كانت الأهداف أو القضية التي يتلبس بها الصراع الدموي، فالتجربة الواقعية دلت نتائجها، أن الاحتراب سيكون مصدر لشرور وكوارث أخرى داخلية(سياسية، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية) وإقليمية(تشكيل تحالفات إقليمية) ودولية(صراع على مناطق النفوذ). وغالباً ما تتخذ النزاعات الأهلية أبعاد إقليمية وتتحول بسرعة الى صراعات بين أطراف خارجية، كما هو حاصل الآن في العراق، فوراء كل الأطراف المتنازعة تقف دول تمتلك نفوذ، لتدعم (مؤسسات وتنظيمات) وتساند المتقاتلين، تمدهم بالخبرة والتدريب والدعم المالي والعسكري والسياسي تحت شعارات متعددة منها quot;مقاومة المحتلquot; أو الحفاظ على quot;عروبة العراقquot;، أو quot;إشاعة الديمقراطيةquot;، فتتحول بذلك الحرب الأهلية(والتي معظم ضحاياها الأبرياء) الى حرب من أجل مصالح الآخرين، على حساب المصالح الحقيقة لأبناء الشعب المكتوي بنارها، مولدة أمراء حرب وطوائف، وزعماء ميليشيات، ورؤساء عصابات الجريمة المنظمة وفرق الموت، تفرض مصالحهم الفئوية الضيقة تعميق الانقسامات الداخلية، وتسريع عملية الفرز الطائفي والأثيني والديني، لتشكل مناطق عازلة مواليه، تتحول باستمرار النزاع الأهلي الى كانتونات، تمتلك شروط تفاوضية صعبة تعيق عملية إعادة الاندماج الاجتماعي/السياسي العراقي، مما يصعب فرص استعادة الهوية الوطنية العراقية.

أهم مرتكزات السلم الأهلي:

1- حكم القانون: يمتلك القانون الإنساني سلطة أعلى من سلطة الحكومات، ويهدف القانون بصورة إجمالية تأمين حماية حقوق الانسان بشكل متساو لجميع المواطنين، شرط أن لا تحتوي بنود القانون مواد تتعارض مع القانون والتشريعات الإنسانية الدولية. ويتضمن حكم القانون أيضاً، معاملة جميع المواطنين بدون تمييز وخضوعهم جميعاً لسلطته، وليس لنزوات المنظمات الإرهابية والمجموعات المسلحة أو الميليشيات. يفرض حكم القانون بما يملكه من سلطة عليا من الحكومات تأسيس البنية التحتية من الأطر والمؤسسات والدوائر الرسمية المناط بها المحافظة على تطبيق القانون، وحفظ النظام العام، لإعطاء قوة فعالة للقانون، وليس للقوة الغاشمة.

2- الانفلات الأمني: تشكل مجموع وحصيلة العمليات العنفية والإرهابية التي تحدث داخل المجتمع، انفلاتاً أمنياً، لما ينجم عنها من أضرار تلحق بالمواطنين وحقوقهم. والانفلات الأمني يتناقض ويخرق مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وما ضمنته للفرد من حق الحياة والسلامة البدنية. لكن المجموعات العنفية والإرهابية ترتكب وتبتكر طرق فائقة في البشاعة بعيدة عن التصور للفتك بضحاياها، وتختار الأهداف التي تولد شعوراً عند الجمهور بصعوبة وتعقد الحياة اليومية للمواطن. قد يساهم في الانفلات الأمني أشخاص ينتمون الى أجهزة السلطة المكلفة بتنفيذ القانون، أو ميليشيات يحسبون عليها، أو مجموعات مسلحة وعصابات الجريمة المنظمة الداخلة بشكل مائل في السلطة. والاحتراب بكل تداعياته المختلفة، وموجباته العنفية، سيضع حداً للحياة الطبيعة الاعتيادية، وسيصنع ظروفاً استثنائية تعرقل مسيرة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتنموية، وسيولد ضغطاً نفسياً هائلاً على المواطن يدفعه الى اتخاذ قرارات صعبة تغير من نمط حياته وتعرقل أو تقضي على آماله وتطلعاته.

والمعضلة الأمنية تشغل اهتمام كل الفرقاء المختلفين في العراق، وتركز على: أمن الأفراد العاملين في الدولة(العسكريين والشرطة الوطنية والموظفين)، وأمن الأحياء السكنية، وأمن الأفراد غير المنخرطين بالعمل في الدولة، وهذا ما يمكنه أن نسميه بـ quot;الأمن الشخصيquot;.
أما أمن المنشآت الحيوية كالنفط والكهرباء والماء والموانئ وغيرها فهي أهداف مهمة لمعارضي العملية السياسية في العراق، وتهاجم المؤسسات الدينية كالمساجد والحسينيات، والكنائس، و دور العبادة، والعلماء ورجال دين، باعتبارها أهداف مشروعة للإرهاب ولذوي التكفير الديني والسياسي، ولكونها تحشد جمهور واسع، وتأثيرها بالغ. كل هذه التعبيرات الأمنية تقلق حياة المواطن، وتقود تفكيره الى تعريف محدود للأمن بـ quot;غياب العنفquot; حصراً، من دون الاهتمام الى quot;للأمان الاقتصاديquot; ذو الفاعلية الكبيرة في حالة فقدانه لارتكاب الجرائم بكل أنواعها، فالبطالة، وسوء توزيع ثروة الوطن، ونهبها من قبل حفنة صغيرة منتفعة من التغيير في العراق، وتباطئ عجلة النمو الاقتصادي، والتضخم الهائل، والفساد الادراي، والتمييز في حالة التعين في وظائف الدولة عوامل تدفع باتجاه العنف، ولا يعطى لها أهمية كبرى في معالجة الحالة الأمنية.

ناهيك عن فقدان العدالة الاجتماعية يتضح في أبرز مظاهرها الاستقطاب الطائفي والقومي والديني، وما يصاحب الفقدان للعدالة تغليب مصالح القوى النافذ وقمع الأخرى المختلفة وانحياز الفئوي ضيق، مع الانتشار الواسع للمحسوبية والتفضيل للانتماء العشائري والمناطقي والحزبي، فتظهر علامات البحث عن لقمة العيش، فتصطاد من قبل قوى الظلام العنفي لتلقى في مستنقع العنف والإرهاب

وينعكس الانفلات الأمني على الحياة المجتمعية بصور وأشكال و مجالات شتى يمكن إجمالها بالشكل الأتي:

اجتماعياً :- يؤدي العنف وانتشار اللاتسامح الديني والسياسي الى السقوط في أتون ومحرقة التصادم الدموي، والى فرط عقد نمط الحياة الاعتيادية للمواطن، وفرض أنماط جديدة عليه غريبة عنه، يسود فيها هاجس العامل الأمني والتحسس الدائم للوقاية من الضربات المفاجئة. وهذه الأنماط تكون مختلفة ومتناقضة أحياناً ومتداخلة ومتفاعلة بين عناصرها، وتخلق في الإنسان شخصية مضطربة، إذ يلجأ في هذه الحال الى التخندق للحماية بأي وسيلة يراها مناسبة بغض النظر عن نوعيتها، وقد ينتهج سلوك وعادات وتقاليد قديمة ربما لا يؤمن بها أو هجرها، فيضطر الى اعتماد شخصية مزدوجة دفعاً للضرر المحتمل. كما أن التمييز والعزل يولد كبتاً quot;وإضماراquot; للحقد والكراهية ضد الفئة التي تضطهدهم، وتنشب بينهم وبين الذين ينكرون عليهم حقوقهم عداوة، فتنفجر تعبيراتهم في أعمال عنف كما هو جاري الآن في العراق. فلا مناص من السعي المضطرد الى نشر العدل الاجتماعي، الذي يفسح المجال الرحب لكل الفعاليات والمكونات الاجتماعية أن تظهر قدراتها في التفاعل فيما بينها وتتسابق في بناء الوطن، إذا اقتنعت بعدالة السلطة الحاكمة في تعاملها مع الجميع.

ثقافياً :- سيادة الممارسات العنفية تعني العودة والتمسك بقوة بمفاهيم الحماية الذاتية، ليصبح كل المواطن مسؤول عن سلامة نفسه، من دون تدخل للدولة، وهذا ما هو حاصل في العديد من مناطق العراق، مما يستدعي خلق كيانات تستطيع توفير حماية منفصلة عن سلطة الدولة وقوانينها، كالحماية العشائرية أو المناطقية أو الطائفية أو الأثينية، أو الشركات الأمنية حديثاً.
وتدفع قوى العنف الى تغليب النمط المنغلق ومحاربة أي محاولة للتجديد السياسي، أو أي شكل يسعى للتغيير الاجتماعي والثقافي، ويسمح العنف بـ ظهور ثقافة تدافع عن قيم الانغلاق والتقوقع، وتغلفها بعبارات دينية وعشائرية تدغدغ عواطف البسطاء من المواطنين، أنه لأمر غريب حقاً، يريدون إرجاع الحياة مئات السنيين وتغليب نمطها المتخلف؟؟ بدعوى محاكاة الواقع والتعامل معه، متغافلين إنهم يحاولون ترسيخ وتجذير تلك القيم المتأخرة ولا يستطيعون تغييرها لاحقاً. الواقع العراقي يشير الى تفاقم مظاهر العنف والفوضى والفلتان الأمني، المنبعثة من عقلية التخوين والتكفير والتحريم والتجريم والتعامل مع الأجنبي(وكأنهم لا يستعملون الأسلحة الحديثة والوسائل المتقدمة والمصنعة من الأجنبي في إرهاب وإرعاب وقتل المواطنين)، والإقصاء للأخر المختلف سواء في الحكم الدكتاتوري السابق أو في الفترة الحاضرة، ويفاقم العنف المسلح الصراعات الحزبية والطائفية والسياسية، ويدفع الى تصعيد وتائر القتل على الهوية الطائفية.
سيؤدي الوضع الراهن في حال استمراره الى انهيارات اجتماعية واسعة، تقود الى حرب أهلية يتقاتل فيها المواطنون العراقيون، بعد أن يتحصنون في غيتوهات (أحياء نقيه من لون واحد موالي، كنتيجة للتفكك الاجتماعي والسياسي الذي يصيب المجتمع العراقي) تضع خطوط تماس ونقاط تفتيش وحواجز مرور مع الأحياء الأخرى المختلفة ثقافياً بالمعنى الواسع.

فكرياً :- أجواء التقاتل والصراع تفرض غياب التفكير المتسامح، والقادر على إيجاد حلول توافقية بين الأطراف، بل ينصرف الى محاولة إطفاء النيران المشتعلة، وربما ينخرط أو ينساق للحفاظ على الوضع الذي هو فيه، فيمنع عن أحداث مراجعة أو تقيم للسياسات أو الإجراءات القمعية ضد الآخر، بل يرتهن قراره الى الجماعة النافذ أياً كانت ومن يقف ورائها داخلياً وخارجياً، فيصادر ويحجب حق التفكير السليم الداعي لبحث المواقف واكتشاف الأخطاء التي قادت الى الوضع التصادمي، ويمتد اللاتسامح الى تكبيل حرية الاعتقاد، وتقييد الحق في التعبير والتفكير بصوت عالي من دون خوف أو إرهاب. وتفرض مناخات الطوارئ قيوداً وضوابط على ممارسة الكثير من الحقوق والحريات، وتشرع وتنفذ عقوبات رادعة بالذين يجرؤون على التفكير خارج النمط السائد والمفروض عنوةً.

سياسياً:- فرض قوانين الطوارئ يعني تعطيل القسري للحياة السياسية، وتوطيد الاستئثار بالحكم واحتكاره، والسماح بممارسة القوة القمعية عشوائياً ضد الرأي الأخر المختلف، فهي فرصة لتصفية الخصوم السياسيين، أو منعهم عن التأثير ممن الإطلالة على الجمهور فكرياُ أو شخصياً، تحت حجة مكافحة العنف المسلح والإرهاب، ولتثبيت دعائم الدولة، وفرض هيبة السلطة، ومعاقبة الخارجين عن القانون،.... فيتيح الاضطراب الأمني أجواء ملائمة للفساد الإداري ولكافة أنواعه الأخرى، ويمنح الفلتان الأمني الفرصة لهيمنة وفرض سطوة الميليشيات، والمجموعات المسلحة المختلفة والجريمة المنظمة لتنفيذ مأربها.

دينياً:- تظهر التبريرات والشعارات الدينية في حالات تزايد العنف، وتستدعى أحداث تاريخية مأزومة لتبرير الصراع الدموي، وتظهر فتاوى تحريم تحث وتحرض على ممارسة العنف الدموي. ويستغل الدين ومبادئه السامية للتحشيد والتعبئة ضد الآخرين، وتتفشى حمى تكفير الرأي الحر السلمي بحجة المروق عن الدين، وينصب أرباع المتعلمين دينياً أنفسهم، حكام مطلقين، يفرضون حكم الشريعة كيفما وأينما شاؤا، فتمنع تلك البيئة المنفلتة الحق في إعطاء تفسيرات وروئ مختلفة، وتنشأ عصبية مذهبية شديدة مُستغلة، تتمترس وراء فتاوى التكفير والتضليل، فتوصد كل محاولة لإحياء نهج التقريب بين أتباع المذاهب الاسلامية ومتبني الاجتهادات الفقهية.

اقتصادياً:- حرمان أو تعطيل حقوق المواطن الاقتصادية، وانعدام فرص العمل، مع انتشار الفقر والبطالة وغياب الحماية الأمنية الذي يلقي بأعباء ثقيلة على المواطن، خصوصاً مع التشكيك في قدرة الحكومة على توفير فرص عمل لآلاف العاطلين،والتي يقدر عددها 50% من مجموع السكان، فالبطالة لا تؤدي الى السلم الأهلي ولا تعني بن الأمور طبيعية، وفي بعض ما يعرف بـ مناطق المثلث السني يزيد معدل البطالة علة 70%، إضافة الى المشاكل في العراق كإنتاج ثقافته وطوائفه الدينية والعرقية وتاريخه. إن السبب الرئيسي للبطالة في العراق فقدان الأمان، وسوء التعامل مع المسألة الأمنية كونها فقط quot;الأمن الشخصيquot;.
ومع تصاعد الاختلاف حول كيفية التوزيع العادل للثروة الوطنية، والحيلولة دون استئثار جماعة سكانية بها، إذ يقود ذلك الوضع الى تصدعات اجتماعية خطيرة توفر كل مستلزمات بروز ظاهرة العنف في الفضاء الاجتماعي، مما يهدد ويقوض بشكل كبير السلم الأهلي ويمنع الاستقرار، ويخلق بدوره بيئة يغيب عنها الإنعاش في الاستثمار والنمو الاقتصادي أو إعادة الأعمار على الأقل، فيعرض المجتمع لأزمات اقتصادية وتضخم هائل، ويدفع بتنامي مظاهر العنف وتفشي الأمراض الاجتماعية والنفسية على كافة المستويات وحتى طاقم النخبة السياسية المضطلعة بإدارة الأوضاع السياسية والاقتصادية في الوطن. فالمجتمعات المهشمة تعيش الضنك في كل مراحل حياتها وهي مجتمعات مريضة، وسلوك المجتمع الذي تعيشه مضطرب، تنشأ الأزمات فيه بصورة فجائية في كل مجال، وتتفجر إحداثه العامة بشكل هبات وانحرافات اجتماعية، تتخذ من القتال المسلح مظهراً للتعبير عن معارضتها أو لخلق أزمات للحكومة بدوافع خارجية في كثير من الأحيان.

3- الثقافة العنفية
الثقافة عنصر مهم جداً في الكيان الاجتماعي، فالمجتمع المنعدم أو قليل الثقافة مجتمع لا حياة فيه، ولا خصوصية ايجابية تميزه عن بقية المجتمعات، وتنعدم قدرته على بناء حضارة أو تحديث. والمجتمع الذي يتحول ثقافياً عن وضعه السابق، يعد مهزوزاً وغير مستقر، ومضطرب في قيمه ومثله، يصارع بين معتاد عليه وما ورثه من جهة، ومفاهيم جاءت بعد زوال الدكتاتورية من جهة أخرى، فلا مناص من إمعان القراءة السليمة للمفاهيم والقيم الثقافية الجديدة التي وفدت مع التغيير في العراق (كالفيدرالية، وكتابة الدستور، والتوزيع العادل للثروة الوطنية، والديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني، ودولة القانون والمؤسسات، والتعددية والاختلاف،...) لأن هذه المفاهيم تشكل الحصن المنيع الذي سيلجأ إليه المجتمع عند معالجته للأزمات. فطبيعة الثقافة في مجتمع ما، هي التي تحدد صور العنف، فإذا كانت الثقافة السائدة كما هي الآن في العراق عنفية، يتحول اللسان الى أداة للأذى، واليد الى ممارسة القتل والتدمير كأسهل طريقة للتخلص من المنافس الخصم. أما إذا كانت الثقافة تحتضن مفاهيم الرفق والعفو والتسامح، فالسلم الأهلي والتوازن الاجتماعي يتحقق فيه كحالة عقلائية.

فالمجتمع العراقي بوضعه الحالي تسوده فيه القيم والأعراف العشائرية والطائفية بقوة، والتي يشكل الأخذ بالثأر والشعور بالمظلومية والقتل لأتفه الأسباب، وترييف المدنية بالأعراف العشائرية، ونصرة أخاك ظالماً أو مظلوماً، والغزو، قيم وتقاليد مركزي. من دون تبني تلك القيم الايجابية المدنية بطبعها كالضيافة والاحترام للقادم وإغاثة الملهوف وغيرها. وقد استغلت المجموعات المسلحة والإرهابية المناهضة للوضع القائم، التربة الخصبة لتلك القيم العشائرية العنفية، فأخذتها أسلوباً للتعبير عن معارضتها، تحت مسميات واهية وحتى متناقضة مع أفعالها الدموية. وهذا ما يعزز القول بأن العنف ظاهرة مجتمعية لها جذور ثقافية، وموجبات معرفية. ولا يمكن معرفة هذه الظاهرة إلا من خلال معرفة الجذور والحواضن الثقافية للعنف. ومعظم الميليشيات المتعددة وفرق الموت والمجموعات المسلحة في العراق، تنحدر أصلاً من القبائل والعشائر المستوطنة في المدن وما حولها في معظمها هامشية.

وفي مجتمعنا ثقافة من نوع آخر، تنتج الإقصاء الاجتماعي والنبذ الثقافي وعدم احترام الأخر، بل هي تدعي المفاضلة سواء بين المذاهب الاسلامية كمفهوم (الفرقة الناجية) أو الفرقاء السياسيين بإدعاء الأكثرية هي صفة شعورية تتمركز في أذهان وتفكير المختلفين والمغايرين، مولدةً لظاهرة العنف ثقافياً ثم يتطور حسب الظروف والمعطيات.

كما أن التوجه الى المفاهيم الدينية يزداد بشدة في ظل الاحتراب الداخلي، باعتبارها ملجأ في الملمات والأزمات، وكتعويض عن التأزم النفسي والنفور من تفاقم الأوضاع، ليشعر الفرد بالراحة والاطمئنان في حالة توجهه الى الباري عز وجل. هنا يصبح التوجيه الديني السليم، واجب إنساني ووطني لإشاعة دعائم السلم الأهلي، دون دفع الانسان الى التطرف والتشدد، ومواصلة المسيرة الدموية بتحريض ديني وبقراءة خاطئة له، فالدين يمكن أن يلعب دوراً رائداً في التنمية وإحداث الأمن الاستقرار، إذا تمت قراءته بصورة معتدلة وايجابية.

ولكي نتجنب الانزلاق نحو الهاوية، يتطلب الوضع الراهن من العراقيين حلاً لمشكلاتهم التي يواجهونها وأحد طرق الحل تكمن في السعي لنشر الثقافة المدنية في المجتمع المتعدد التكوين، فتجارب المجتمعات والشعوب المشابه للوضع العراقي أكدت إنها الركيزة الأساسية للسلم الأهلي الدائم. نطرح المنطلقات التالية كأساس للتفاهم الاجتماعي/ السياسي بين التكوينات المجتمعية العراقية، تأخذ مساراً للتبني والتنفيذ عبر اشتقاق سياسات حكومية وإجراءات فعالة، وينجح العلاج في حالة انضمام القوى المعارضة داخل البرلمان العراقي لمساعي الحلول السلمية، وهذه المنطلقات قابلة للحوار والمناقشة ضمن الوثيقة البرنامجية التي سوف تناقش لاحقاً، كقواعد لبناء المجتمع العراقي.

مهمات عاجلة على المستوى الحكومي وقوات المتعددة الجنسيات:

أولاً: وضع خطة عملية على نطاق الدولة العراقية تستهدف إعادة بنائها على أسس حديثة، تمتلك فيها الحكومة المركزية كل مقومات وعناصر القوة الفعالة، مع تبني نظام اللامركزية للمحافظات مصحوب بصلاحيات واسعة، تعمل على تأسيس قوات الأمن الداخلي بكل أصنافها على قواعد حيادية يكون ولائها للوطن وحماية الدستور.

ثانياً: التفاهم مع القوات المتعددة الجنسيات وخصوصاً الأمريكية والبريطانية عبر اتفاقيات تعاون مشترك، بضرورة المساهمة والمساعدة وتدريب وبناء القوات المسلحة العراقية بكل تشكيلاتها ضمن جدول زمني وحسب الاحتياجات العراقية والظروف الصعبة التي يمر بها الوطن، مع الاستفادة من خبرة الضباط وضباط صف في الجيش العراقي السابق ممن لم يرتكبوا جرائم ضد العراقيين.

ثالثاً: الانشغال الكامل في المصالحة الوطنية مع جميع الفرقاء وتفعيلها وتخفيف شروطها، والسعي الجدي للاشتباك الحواري مع كل القوى السياسية للوصول الى اتفاق مشترك حول القضايا الأساسية المختلف عليها.
رابعاً: المسألة الأمنية لا تتعلق بالعراقيين لوحدهم فقط ولكل من:
* دور لإيران في تعاملها مع الوجود الأمريكي والبريطاني، وتأثيرها في الأداء السياسي الشيعي والكردي والسني.
* المواقف والسياسات العربية اتجاه مشاركة الشيعة والأكراد في الحكم العراقي وتعديلها عبر المفاوضات وبناء العلاقات الجيدة.
* الدور الشيعي والكردي من حكم العراق وطريقة تعاملهم مع الآخرين من العراقيين.
* الأكراد ومستقبل علاقتهم مع العراق والبلدان المجاورة وأهمها تركيا ومجالات تعاملها مع العراق.
* دور التنظيمات الاسلامية المتطرفة، وتنظيمات العربية المعادية للسياسة الأمريكية.
* الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني والاهتمام بامتلاك رؤية واضحة لوجودهم.
* إنهاء أو تعديل مهمات ودور القوى الحالية المسؤولة عن حفظ الأمن مثل الجيش والشرطة المبنية على أسس عرقية وطائفية وإعادة بنائها على أسس وطنية غير منحازة، وكذلك قوات حفظ النظام وقوات العمليات الخاصة المعنية بمحاربة الإرهاب، وقوات شرطة الحدود، وأجهزة المخابرات، وشركات الحماية الخاصة،...

وعلى المستوى الشعبي تنظم حملات واسعة النطاق تستهدف التثقيف والتوعية على:

1- العيش المشترك
العراقيون يعيشون على أرض تمتلك حدود جغرافية واضحة وأسم تاريخي قديم، ينتمون الى أديان ومذاهب واتجاهات سياسية مختلفة (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم... سورة هود/118). ولهم مهمة مشتركة في عمارة وبناء الوطن العراقي المتنوع التركيب والثري بثقافاته (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، هود/61) فاعتبار العيش المشترك مطلب أساسي لا يعلو عليها أية قضية أخرى.

ويمتلك التعايش السلمي قواعد تحدد مسار العيش المشترك وهي:

* احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه: يعتبر الاعتياد على تقبل التعامل مع الآخر المختلف(الآية الكريمة: لست عليهم بمسيطر،،،،) سواء كان الاختلاف ديني سياسي قومي مذهبي، عاملاً أساسياً في العيش المشترك، ويستلزم التعامل نبذ كل أشكال الأستقواء غير القانوني، ويشمل النبذ محاولات العزل والتهميش للآخر، ورفض كل الأعمال الهادفة الى نسف ثوابت العيش المشترك بل العكس السعي الجدي لإرسائها، بذلك تتاح للمواطن خيارات متعددة بعيدة عن الفرض والإجبار.
*الأخلاق: هناك تلازم شديد، مرتكز عند المواطن العراقي، التلازم بين العمل السياسي والقيم الأخلاقية المتعارف عليها، وكذلك مقبولية وسائل وأساليب الفعل السياسي. وبعكس فالسياسي أو أي شخصية اجتماعية تسقط في حالة إدانتها بفعل فاسد. وإسقاط كل من يحاول اصطناع نزاع أهلي ثنائي شيعي ـ سني، أو كردي ـ عربي، إسلامي ـ مسيحي.
*العدالة: وهي من أهم القيم الإنسانية المشاعة، وتعني في إحدى أوجهها التوازن بين الحقوق والواجبات، والتعامل السليم مع الجميع بدون أي اعتبار تمييزي.
*التعاون: لا يتحقق العيش المشترك ولا يدر بأي مردود ايجابي للمصالح المشتركة بين المواطنين العراقيين، ما لم تسود أجواء من التعاون. ومن أخطر ما يترتب على فقدان التعاون بروز ظاهرة الحقد الاجتماعي والكراهية واستحالة العيش المشترك.

2- المواطنة
اعتمادها كأساس للتعامل مع جميع العراقيين على قدم المساواة وبدون أي اعتبار تمييزي، والعراق وطننا جميعاً، ويحمل أهله الهوية الوطنية العراقية وهي مركبة من عدة هويات ثانوية أخرى تبعاً لانتماء المواطن العراقي، ونحن المضطلعون بتحمل المسؤولية والمحافظة على استقراره وعلى استمرار السلم الأهلي فيه، واعتبار الحوار المباشر الطريق الوحيد لتسوية الخلاقات بين المتغايرين من أبنائه. فالتاريخ العراقي يخبرنا بأن العراقيين عاشوا منسجمين رغم اختلافهم فتصاهروا وتداخلوا اجتماعياً مع الاحتفاظ بوجود الانقسام الديني والسياسي والمذهبي والقومي، الذي انفجر بشكل حادة في مناسبات متعددة تحت مسميات وواجهات مختلفة. فكانت المتبنيات الطائفية في مستواها الواطئ إلا في الحقبة العبثية حيث ظهر الانقسام الحاد بين العراقيين فجاء الرد يشمل استقطاب حاد مماثل عقب السقوط البعثي، فظهرت قوى حركة المنسوب الطائفي الى الأعلى ففاقمت واستفادت من الصعود الطائفي في حركتها الاحتجاجية، متناسية دور المواطن العراقي هو الباني البلاد وليس الطائفي السياسي.

3- الممارسة السياسية
يعد الاتفاق على اعتبار الحياة السياسية السلمية المؤطرة بالآليات الديمقراطية والمحكومة بمبادئ حقوق الانسان، طريقاً وحيداً لبناء العراق الجديد، المستند الى مبادئ دستورية (متفق على بنوده بين العراقيين)، وحياة برلمانية قادمة عبر انتخابات حرة ونزيه وتحت إشراف دولي أو إقليمي معتبر، مع حفظ حق المعارضة بالتعبير عن رأيها، وتكريس حق المواطنين في اختيار حكامهم ومحاسبتهم ضمن حدود الشفافية، ونفاذ القوانين العادلة والصارمة المنظمة لأوجه النشاط السياسي. ومنع كل مظاهر للاستقطاب القومي والطائفي والديني بشكل تبرز منه سلوكيات ومواقف وسياسات يحكمها الحس الطائفي، وكأن التكوينات الكبرى تملك أوزان ومواقع إستراتيجية على حساب المساواة بين المواطنين وتخطط لابتلاع الآخرين وهضم حقوقهم.

تحث المواثيق الدولية الإنسانية على حماية المدنيين وحقهم في الحياة والسلامة البدنية، والأمن والاستقرار وضمان حرية ممارسة التعبير والاعتقاد، وسيادة العدالة والمساواة وحق المواطنين في إدارة شؤون وطنهم، كما أن المواثيق الدولية تدين العنف بكافة أشكاله وما يترتب عليه من نتائج، وتحث على التعايش السلمي المبني على قيم الحوار والتسامح، واحترام حقوق الانسان السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه المواثيق جاءت من تراث الإنسانية وتجاربها، ومن أديانها السمحة وثقافاتها المتنوعة ومعارفها المتصاعدة التطور، ولا تجد لتلك المواثيق أي أثر ايجابي في حياة الأفراد والشعوب، إلا إذا توفرت سلطة حاكمة تتمتع بأوسع قاعدة من المشاركة الجماعية لمواطنيها، معتمدةً على ثوابت الوطن الإستراتيجية، وساعيةً لتلبية احتياجات المجتمع المتأسس على أخذ دوره في المراقبة والمسائلة منطلقاً من قاعدة تقاسم الأدوار بين الحكومة والمجتمع المدني.

يواجه المجتمع العراقي الحديث تحديات خطيرة تعصف به، على المستويين الداخلي العراقي والخارجي مهددةً السلم الاجتماعي، فالعنف الطائفي هو أقذر وأبشع الحروب الأهلية، فالتوتر الداخلي يتفاقم يوماً بعد أخر، والعنف يتصاعد لتوفر أسبابه من دون معالجة جادة، وتتكاثر عمليات التطهير قسراً أو طوعاً، والقتل اليومي تتصاعد أرقامه بشكل مخيف ففي شهر سبتمبر الماضي وصل العدد الى 2600 عراقي وهذا الرقم الرسمي المسجل وبكل تأكيد هناك عشرات من الضحايا لم تدرج في السجلات الحكومية. وما لم يتكيف المجتمع العراقي، ويسارع الى معالجة المستجدات والمتغيرات التي حلت فيه (داخلياً)، فسوف ينزلق الى محرقة الحرب الأهلية عالية الحدة والمستوى ذات النتائج الكارثية الكبرى، تتمظهر في تجزئة العراق وتقسيمه الى دويلات، تتنازع عليها دول الجوار الإقليمية التي كانت من الأسباب الرئيسية في تدهور الأمن الاجتماعي الحالي، كنتيجة واقعية لتصارع مصالح الدول الإقليمية في العراق والتي يعود إليها استمرار النظام الدكتاتوري السابق مدة طويلة(خارجياً).

إن نبذ العنف وضمور الفلتان الأمني وانحسار الفوضى يتطلب الإرادة الصادقة من العراقيين، والتوجه نحو الاتفاق السياسي بين الفرقاء المختلفين والسلطة الحكومية، ولا يمكن اعتماد الحل الأمني العسكري لوحده، هذا ما أثبتته وقائع تاريخ الشعوب وتاريخ نضالاتها. ولو استعانت الحكومة العراقية بكل جنود العالم، فلن يستطيعوا تحقيق وحدة وطنية بين العراقيين، بكل بساطة الأمر والوضع مرهون بالعراقيين أنفسهم فهم أصحاب القرار الوحيد والحقيقي لتقرير مصير وطنهم وشعبهم، كذلك لا يمكن أبدأً أن يقضي أي طرف على الأخر.
من هنا نستنتج من خلال ما تقدم بعض الخطوات لتدعيم السلم الأهلي:

1- الأخذ بمشروع العدالة الانتقالية(كل مكوناته) كوصفة جاهزة لإجراء التحول الديمقراطي.
2- إعادة بناء جسور الثقة بين الفرقاء عبر الاتفاق على المبادئ العامة التي تنظم الحياة السياسية، من حلال إيقاف قانون الاجتثاث وتحويل مؤسساته الى إحدى هيئات العدالة الانتقالية كالمصالحة الوطنية أو لجان المحاسبة لمرتكبي الجرائم،.. وإصدار قانون العفو العام أو الخاص للمتمردين أو فرق الموت(تفكيك الميلشيات)، إعادة تعيين موظفين الدولة غير مركبي الجرائم ضد الإنسانية(كالتعذيب أو القتل...) سواء العسكريين أو المدنيين، إطلاق سراح من لم يرتكب جرائم ضد العراقيين، إطلاق موج اقتصادي في مناطق الاشتباكات،...الى غيرها من إجراءات تعزيز الثقة.
3- الاشتباك الحواري مع كل الفرقاء بعد quot;وقف لإطلاق النار، وإيقاف عمليات التطهير الطائفي أو العرقيquot; خصوصاً القوى المسبب للفوضى والاضطراب الأمني والوصول معهم الى اتفاق يبني ويدعم ركائز السلم الأهلي. فلابد من تقديم تنازلات من كل الأطراف المشاركة في الحوار والوصل الى اتفاق وطني تصاغ فقراته في ميثاق وطني عراقي يخضع للاستفتاء.
4- الدخول في مفاوضات سلمية مع دول الجوار الجغرافي تعد من الضروريات، والتباحث معهم على وضع حد للتدخل والتأثير في الأوضاع العراقية، والابتعاد عن سياسية استقطاب المحاور وبناء النفوذ الموجه لخدمة مصالحهم على حساب استقرار العراقيين وأمنهم ومصالحهم.
5- إيقاف تقديم كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي للأحزاب السياسية والتنظيمات وحتى لوسائل الاعلام المختلفة، وللميلشيات والمجموعات المسلحة التي تقدمها دول الجوار وغيرها.
6- إعادة بناء المؤسسات القضائية والأمنية وغيرها على أسس وطنية والمكلفة بإنفاذ القانون وحماية حقوق الانسان.
7- تنظيم حملات التوعية والتثقيف وبناء سياسات وبرامج تربوية في كافة مراحل الدراسة التي تعزز التفاهم والتضامن الاجتماعي والتسامح وثقافة اللاعنف، وإشاعة تلك المفاهيم بين الجماعات السياسية والاجتماعية والدينية، ونشر الإدراك الجماعي حول عبثية الحروب والصراعات الداخلية، وعبثية تحويل النزاعات الخارجية بين الدول الى نزاعات داخلية يدفع ثمنها العراقيين
8- الممارسة الفعلية لكل تلك القيم وسيادة القانون والحوار والسلم الاجتماعي بالممارسات العملية على مستوى الدولة والمجتمع.
9- وضع حد للصراعات الطائفية داخل وخارج أجهزة السلطة والامتناع عن تسخير إمكانات الدولة لخدمة النزعات العصبوية التي تعيق التضامن وتمنع إشاعة روح المواطنة والتكافل الاجتماعي بين الأفراد.
10- لا يتحقق الأمن المجتمعي والسلم الأهلي في مجتمعات التحول الديمقراطي إلا بالمواجهة الحاسمة والعقوبة المشددة لجرائم الاعتداء على السلم الأهلي.
11- تقيد الحملات الإعلامية التحريضية التي تشيع الكراهية وتعمق الاختلاف، ومنعها من تراشق وتبادل الاتهامات بين كل الأطراف، عبر الفضائيات والصحف والمواقع والمساجد والحسينيات، واحترام ما هو مقدس ومحترم عند كل الفرقاء، دون اللجوء الى التسفيه والتخوين والتكفير، وتفسير أحداث الفتنة الكبرى وما تبعها من مظالم وحروب، التي مضى عليها مئات السنيين، وتحميلنا نتائجها لنكون أبناء الجيل الحاضر ضحاياها وندفع أثمانها الباهظة التكاليف.
12- تكليف المؤسسات الوطنية الأمنية مثل الجيش والشرطة بمهمات إيقاف القتال وليس المشاركة فيه مباشرة أو تسهيل الأعمال الإجرامية لفرق الموت.
13- الوصول الى اتفاقية دفاع مشترك أو تعاون عسكري أو أي صيغة قانونية تنظم وتحدد عمل القوات المتعددة الجنسيات خصوصاً الأمريكية والبريطانية، بعد نفاذ قرار مجلس الأمن الدولي 1546 عند تشكيل حكومة منتخبة وسن دستور دائم للبلاد، على أن يوضع جدول زمني لبناء القوات العراقية المسلحة.

وفي الختام نتوجه الى العلي القدير أن ينعم على أهلنا بالصبر والسلوان لفقدان أحبتهم ويلهم القادة السياسيين الضالعين في الوضع العراقي المزيد من الحكمة والعقلانية وتدعوهم الى مراجعة مواقفهن وقراراتهم واضعين نصب أعينهم مصالح العراق أولاً وأخيراً.

غانم جواد
باحث في قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان
[email protected]

لندن