المقدمة

لحاجتي إلى تبسيط الأفكار التي انتهيت إليها، أعياني تنظيم هذا المبحث، و السبب في ذلك حاجتي لإزالة اللبس حول طبيعة و مكان جنة آدم، اللبس الذي تراكم عبر قرون كرس بها مفسري القرآن و التوراة مفهوما مجانبا للصواب، مما جعل الإتيان بتفسير جديد ضربا من الجنون، فصار من غير المقبول ذهنيا على كثير من المؤمنين من أصحاب الديانات الثلاثة أن تلقي بفكرة أن جنة آدم هي عينها جنة جلجامش؛ التي دارت أحداث البحث عنها في جنوب العراق الحالي؛ و تدير ظهرك بسلام دونما نقاش، لذا عملت على تبسيط و شرح الفكرة، من خلال عرضي لخلاصة نقاشات دارت مع مثقفين ترسخت التفاسير المغلوطة في أذهانهم.

تعريفات مفتاحيه من علم أصل الكلمة و تطورها الدلالي ( etymology )

* جنه

تحت جذر جنن، يورد لنا لسان العرب لابن منظور مجملا من المرادفات و الكلمات المشتقة التي تؤكد أن الجنة قد تعني ما يشبه الغابة المدارية، أو الغابة البكر، فهو يقول فيما لخصته من كلامه:

جَنَّ الشيء يَجُنُّه جَنّاً: ستَره. وكل شيء ستر عنك فقد جُنَّ عنك. في قوله عز وجل: فلما جَنَّ عليه الليلُ رأَى كَوْكباً؛ يقال جَنَّ عليه الليل وأَجَنَّه الليل إذا أَظلم حتى يستره بظلمته. و به سمي الجِنُّ لاستتارهم و اختفائهم عن العيون. و في قوله تعالى: أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ؛ روي أَن خَلْقاً يقال لهم الجانُّ كانوا في الأَرض فأَفسدوا فيا وسفَكوا الدماء فبعث اللهُ ملائكتَه أَجلَتهم من الأَرض، فقالوا: يا رَبَّنا أَتَجْعَلُ فيها مَن يُفسِد فيها. كل ما وقاك جُنَّةٌ، ففي الحديث: الصوم جُنَّةٌ أَي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات، و في الحديث الإمام جُنَّةٌ، لأَنه يقي المأموم الزّلَل والسهو. وفي حديث الصدقة: كمِثْل رجُلين عليهما جُنَّتانِ من حديد أي وقايتان. جنان الأرض، هي ما أخرجت من زهر تلون و التف و تكاتف و كثف و اعتم لونه و غلظ على ساقه من النبت فحجب ما دونه، و نال الإعجاب. و يقال للنخل إن طالت. فيما يقال للحديقة ذات النخل و الشجر جنة، و جمعها جنان. والجَنَّةُ: دار النعيم في الدار الآخرة، من الاجتنان، أي السَّتر لكثافة أشجارها و تظليلها.

* عدن

عرف الآشوريين عدن باسم بيت عديني؛ و باللغة الأكادية كانت تعرف ببيت عدن، كلمة عدن هي في الأكادية عدينو، و في السومرية عدن و تعني السهل، أو سهل، و رمز لكثرة الخصوبة.

عَدَنَ في لسان العرب لابن منظور تأتي بمعنى أَقام، أي سكن، و مركز كل شيء هو معدنه و أصله، و جنات عدت بمعنى بطنانها ووسطها، أي المواضع التي يستريض فيها ماء السيل، فيركم نباتها، و اسم عدنان من العَدْنِ، أي أن تلزم الإبل المكان فتألفه ولا تبرحه. و منه المعدن بكسر الدال، و هو المكان الذي ينبت فيه الناس و يتكاثرون دون أن يتركوه صيفا أو شتاءاً. يضيف الصاحب بن عباد في كتابه المحيط في اللغة إلى معنى عَدَنَ، الساحل من سواحل البحر. الفيروز أبادي في قاموسه المحيط يضيف إلى ساحل البحر في معنى عدن حافة النهر كذلك.

في التوراة أتت كلمة عدن صفة لاحقة لاسم مكان بمعنى المكان الرغد البهيج حيث الماء الوافر و الشجر حسن المنظر طيب المأكل، كما أتت تدلل على مملكة بيت عدني الآرامية، و اسم لعلم مذكر.

* دجلة، حداقل.

عند السومريين و الأكاديين عرف الضد بضده، فتسمية دجلة أتت بسبب السهل الغريني للفرات، ذلك لكون التدني النسبي لسرعة جريان جاره quot;الفراتquot; مكنه من تكوين ثروة غرينية ذات مستوى أعلى نسبيا من دجلة أطلق السومريون عليه اسم حداقل ؛ ح/هـ- دقل (ها- دجل) ( Hidiqlat، Idiqlat )؛ أتت أسم إشارة بمعنى أللذي، و دقل Dekel أي دجلة Diglath، التي تعني باللغة السومرية/الأكادية السهم، أو النهر سريع الجريان، نقلت إلى العبرية بلفظ خداقل Chiddeqel أو حداقل Hiddekel.

نقلت بمعناها إلى الفارسية القديمة لتلفظ بشكل ( Tigri ) تجري؛ اقرأها بالجيم المصرية؛ قد يكون ذلك إما خلال الفترة الفارسية الوسيطة أو باستعارة مباشرة من الأكاديين، الكلمة نقلت إلى اليونانية بصيغة ( Tigris ) و التي توحي بكونها نقحرة لكلمة تجري التي تحمل ذات الدلالة في اللغة السومرية، و كذا في الفهلوية حيث تعني السهم كناية عن سرعة سير النهر، و بجميع الأحوال تبدو صيغ الاسم في الفهلوية و اليونانية و الأكادية أشكالا متنوعة للاسم السومري الأصلي.

و بالعربية ( مع التأكيد على كون العربية ما تزال اللغة السامية الأوسع انتشارا بين قريناتها، بتواصل بين قديمها و حديثها في الاشتقاق و الدلالة). نجد دجلة عند ابن دريد في جمهرة اللغة و في اللسان لابن منظور: كل شيء غطّيته فقد دجَّلته، ومنه اشتقاق دِجْلَة لأَنها غَطَّت الأرض بمائها إذا فاضت عليها، و منه الدجال لأنه يغطي الحق بالباطل.

* الفرات

مجمل ما وجدته في قواميس اللغة خاصة كتاب العين للخليل، و اللسان لابن منظور، و تاج العروس لمرتضى الزبيدي، و الزمخشري في أساس البلاغة: هو الماء ألقامع للعطش لفرط عذوبته لأنه لا يرفت العطش، أي يسكنه، ففي التنزيل العزيز: هذا عَذْبٌ فُراتٌ، وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ.

* القرنة

مكان الاقتران و هي مدينة تقع شمال البصرة عند ملتقى الفرات بدجلة، من قرن و تعني مجمع و ملتقى، وهي مجمع البحرين دجلة و الفرات.

* ارض السواد

في أساس البلاغة للزمخشري و في لسان العرب لابن منظور في جمهرة اللغة لابن دريد، و ياقوت الحموي في معجم البلدان: تعني رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ما بين البصرة والكوفة وحولهما من قراهما ( أي ما بين العراقان حسبما يورد الفيروز أبادي). و السواد: جماعةُ النخلِ والشجرِ لِخُضْرَته واسْوِدادِه لأَنَّ الخُضْرَةَ تُقارِبُ السوادَ. فالعرب تسمّي الأخضر سواداً والسواد أخضر. و سمي سواد العراق سواداً، لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنه حين تاخم جزيرة العرب التي لا زرعَ فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزرع والأشجار فيسمونه سواداَ كما إذا رأيتَ شيئاً من بُعد قلتَ ما ذلك السواد. قال تعالى في سورة الرحمن: quot;مُدْهامَّتانِquot;، أي الجنّتين سوداوان لشدّة خُضرتهما.

ابن دريد يزيدنا واحدة تصب في موضوعنا حين يورد: و الخَضِر: اسم نبيّ معروف، ذكر علماء أهل الكتاب أنه سُمّي الخَضِر لأنه كان إذا قعد في موضع قام عنه وتحته روضة تهتزّ.

* العراق

خلاصة ما وجدته؛ عند الخليل في العين، و في اللسان لابن منظور، و عند الفيروز أبادي في القاموس المحيط؛ أن العراق تاتي بمعنى الحد الفاصل، حيث مما قيل في سبب التسمية لكونه اسْتَكَفّ (حد علوي) أَرض العرب، و أَهل الحجاز يسمون ما كان قريباً من البحر عِراقاً، و تعني أيضا شاطئ البَحْرِ على طُولِه، و منه سمي عراقا لمشاطئته دجلة و الفرات. و قيل سُمِّيَ بِعِراقِ المَزَادَةِ: لجِلْدَةٍ تُجْعَلُ على مُلْتَقَى طَرَفَيِ الجِلْدِ إذا خُرِزَ في أسْفَلِها،

سمي عراقا لتَواشج (اتصال) عروق الشجر والنخل به كأَنه أَراد عرقا ثم جمع على عراق، أو معربة إيران شهر بمعنى كثيرة النخل و الشجر. و العراقان: الكوفَة والبصرة.

* البحر

في لسان العرب لابن منظور : البحر هو الماءُ الكثيرُ، مِلْحاً كان أَو عَذْباً، وهو خلاف البَرِّ، سمي بالبحر لعمقه واتساعه وانبساطه و جريان ماءه مثل دجلة و الفرات و النيل و ما شابهها من الأنهر العذبة الكبار، فهو بحر

وقد أَجمع أَهل اللغة أَن اليَمَّ هو البحر. وجاءَ في الكتاب العزيز: فَأَلْقِيهِ في اليَمِّ؛ و عند أهل التفسير هو النيل. و منه قول النبي، صلى الله عليه وسلم، في مَنْدُوبٍ فرس أَبي طلحة وقد ركبه عُرْياً: إِني وجدته بَحْراً أَي واسع الجَرْي؛ وفي حديث عبد المطلب : وحفر زمزم ثم بَحَرَها بَحراً أَي شقَّها ووسَّعها حتى لا تُنْزَفَ. قال عديّ بن زيد:

وتَذَكَّرْ رَبِّ الخُوَرْنَـقِ إِذْ أَشْرَفَ يوماً، وللْهُدَى تَـذْكِـيرُ

سَرَّه مالُهُ وكَـثْـرَةُ مـا يَمْ لِكُ، والبحرُ مُعْرِضاً والسَّدِيرُ

عنى بالبحر ههنا الفرات لكون صاحب الخورنق كان يشرف وقتها على الفرات.

على درب الجنة قبل التوراة

*رحلة جلجامش

جورج سميث، عالم الآثار الذي اكتشف ملحمة جلجامش في مكتبة أشور بانيبال في نينوى، و جد بأن كلمة عدن سومرية تعني سهل، فيما وجد اسم الجنة تيلمونquot;دلمونquot;، حيث لا تقتل الأسود، و لا تهجم الذئاب على الحملان، إلى أن اغضب الإنسان الأول الآلهة.

النطاق الجغرافي لملحمة جلجامش التي يرجح تاريخ تدوينها إلى ما قبل الألف الثاني ق.م.، تمتد من أوروك شمالا حتى حتى تيلمون أو دلمون جنوبا، تروي الملحمة قصة جلجامش الملك الخامس لأوروك ( الوركاء) من الألف الثالث ق. م الذي تروي الاسطورة بأن نصفه من الآلهة من جهة أمه، و الذي أراد استكمال النصف الآخر الفاني بالخلود، السبب الذي دفعه لتحدي المستحيل لتخليد ذكراه، فيسافر مع صديقه أنكيدو لقطع أشجار الأرز من الغابة التي تعيش فيها الآلهة و يحرسها خمبابا، الذي هو عفريت ضخم قبيح، و في تحديد الإقليم الجغرافي لغابة الأرز نحى البعض إلى توجيهها نحو منطقة عيلام (جنوب غربي إيران الحالية).

بعدها يقتل صنو جلجامش و صديقه أنكيدو، ولحزنه عليه يرفض دفنه إلى أن يخرج الدود من جثته، ثم نراه يهيم على وجهه هاربا من الموت باحثا عن الخلود الذي لا يعرف سره سوى إنسان خالد، هو في الأسطورة رجل الطوفان العظيم (زيوسدرا السومري، و أوتنا بشتم البابلي، و الذي يتطابق إلى حد ما مع شخصية نوح في الكتب السماوية) و هذا الرجل موجود مع زوجته في دلمون ( البحرين)؛ و التي تكتظ فعليا بحقول المدافن من آلاف السنين؛ آوتانا بشتم يشترط على جلجامش أن يبقى مستيقظا مدة ستة أيام و تسعة ليالي لاطلاعه على سر الخلود، و حين يفشل جلجامش في أداء الشرط، و بعد إلحاح منه، يشفق عليه آوتانا بشتم ويدله على مكان عشبة سرية موجودة تحت الماء ذات مفعول سحري تساعد في تجديد الشباب فيغوص لجلبها كما صيد اللؤلؤ؛ لاحظ الاتفاق مع قصة نسور لقمان؛ بعد الحصول عليها، و في طريق عودته إلى أوروك، تسرق الأفعى؛ التي تغير جلدها، تتجدد؛ من جلجامش هذه العشبة، ليعود خالي الوفاض، هل لاحظت ذكر لمنطقة خارج الخليج العربي؟ و القصة رافدية، و هي رحلة بحث عن سر الخلود.


http://sadoog.maktoobblog.com