ما يجري في عراق اليوم شيء محير فعلا..شيء لا يمكن إستيعابه أو فهمه على الإطلاق!..شيء خارج عن

متى يشدو المطرب العراقي على ضفاف دجلة الخير بقصيدة جديدة من روائع أبو نؤاس أو أبو فراس؟
متى ينحت النحات العراقي جدارية جديدة تمثل الزمن العراقي الجديد المتحرر من الدكتاتورية لينصبها في شارع الفردوس؟
حدود العقل والمنطق.. شيء لا يشبه شيء..
فالأحداث التي توالت على العراق منذ أن تحررنا من الدكتاتورية لا يمكن تفسيرها بما يقبله العقل السليم. شعب رزح تحت نير حكم أقلية طائفية لأكثر من ثمانين سنة منها أربعين في ظل دكتاتورية عشائرية إرتكبت أبشع وأفظع الجرائم ضد البشرية، وما أن تهب رياح الديمقراطية على هذا البلد لتتفتح الزهور البرية وتزدهي الحياة الإنسانية حتى يأتي من يسحقها بالأقدام ويحاول أن يرمى بها الى خارج الحدود!!..


هذا البلد عاش فيه السنة والشيعة قرونا طويلة في ظل سلام ووئام، وما أن ينحسر ظل الدكتاتورية عنه حتى يمتشق أبنائه سيوفهم ليذبحوا بعضهم البعض!.


هذا البلد لم يشهد طوال أربعين سنة ولو إنتخابات بلدية واحدة، وما أن تسنح الفرصة لإجراء إنتخابات برلمانية حرة ونزيهة حتى يحولها أصحاب العمائم البيضاء والسوداء الى محاصصات طائفية مقيتة تنسحب بآثارها على كل مفاصل الدولة والحكومة والمنظمات المدنية والمهنية!.


أحزاب سياسية أمضى الكثير منها عقودا في النضال ضد الدكتاتورية الحاكمة سواء في الجبال والوديان أو بين الأحراش وقصب الأهوار، ولكن ما أن تتسلم السلطة حتى تتوالد فيها الدكتاتوريات المعممة وغيرالمعممة وتصبح مؤسسات الدولة ضيعة من ضياع الشيخ الفلاني حفظه الله ورعاه أوالسيد العلاني دام الله ظله الوارف على الأرض!.


هل قدر لهذا البلد أن لا يستريح إلا في ظل دكتاتور أرعن وألعن من صدام حسين؟!.
في ظل صدام حسين لم تكن أي مرجعية دينية أو طائفية تجرؤ على إصدار حتى الفتاوى الدينية من إختصاصاتها خارج نطاق سياسات الرسمية، واليوم أصبحت فتاوى قتل وإبادة الشعب تصدر حتى من كتل داخل البرلمان والحكومة؟؟!!


في زمن الدكتاتور كانت الدولة تزرع عملائها على إمتداد أكثر من 400 ألف كيلومتر حتى تسللوا الى داخل الأسر العراقية بهدف حماية أمنها الوطني والقومي، واليوم لا تستطيع الدولة بكامل أجهزتها البوليسية والعسكرية وميليشياتها المسلحة ومعها القوات متعددة الجنسيات من فرض سيطرتها على 50 كيلومتر من منافذها الحدودية لمنع تسلل الإرهابيين و التكفيريين الذين يزلزلون الأرض من تحت أقدام الحكومة ويهددون كيان هذه الدولة؟!!


في زمن الدكتاتورية كان وجود شرطي واحد في الشارع يرعب سكان عدة أحياء محيطة به، واليوم لا يجرؤ وزير واحد في الحكومة على الخروج من مسكنه داخل المنطقة الخضراء المطوقة بالدبابات والمصفحات؟!!
فما الذي جرى لهذا العراق؟؟ ولماذا يتعايش شعبه مع الدكتاتتورية حد كبت الحريات وكتم الأصوات، ويتمرد على الديمقراطية حد القتل على الهوية والإنتماء الطائفي؟؟!!


انه أمر محير وخارج حدود العقل والمنطق أن يتعايش هذا الشعب مع الدكتاتورية بسلام، ويتقاتل في ظل الديمقراطية التي تضمن حياة وحقوق البشر؟!!

ماذا جرى لهذا الشعب يا ترى، ولماذا إنفلتت كل الأحقاد والضغائن بين أبنائه بمجرد غياب ظل الدكتاتور فيتبارى الجميع على القتل والتدمير؟! هل كانت الدكتاتورية صاحبة المقابر الجماعية أرحم من حكومة منتخبة بإرادة الشعب؟!


ما الذي يجري في عراق اليوم، وكيف يمكن لحكومة تصعد الى السلطة بأصوات الشعب أن تتورط بذاتها في جرائم القتل والترويع وتكون طرفا في المسلسل الدامي الذي يشهده العراقيون في كل لحظة من لحظات أيامهم؟؟!
من يستطيع أن ينفي أن عدد ضحايا العنف الدائر في عراق ما بعد الدكتاتورية لا يتجاوز عدد من دفنوا في المقابر الجماعية زمن الدكتاتورية؟!


حتى أقلامنا بدأت تتذمر من كثرة تصويرنا لمشاهد الدم النازف من أجساد العراقيين، فمتى يحين الأوان لترتاح الأقلام العراقية من الكتابة بلون الدم؟!


متى يعود الشاعر العراقي ليكتب قصيدة جديدة تغزلا بالصبية المتشحة بالسواد التي تبيع القيمر اللذيد والشاي الساخن لمسافري الغبشة أمام كراج النهضة؟


متى يرسم الرسام العراقي لوحة جديدة عن سوق الصفافير أو مقهى البرلمان أو عمال المساطر في ساحة الطيران؟


متى يشدو المطرب العراقي على ضفاف دجلة الخير بقصيدة جديدة من روائع أبو نؤاس أو أبو فراس؟.
متى ينحت النحات العراقي جدارية جديدة تمثل الزمن العراقي الجديد المتحرر من الدكتاتورية لينصبها في شارع الفردوس؟


متى ينتهي المسلسل الدامي في العراق؟
وأنتم أيها الذباحون..ثكلتكم أمكم
أتدرون أي بلد تنحرون بأياديكم الملطخة وسيوفكم الصدئة
أنه العراق يا أولاد الأفاعي..
عراق الزهاوي والرصافي والجواهري وعبدالأمير الحصيري ومظفر النواب..
عراق علي الوردي وعزيز السيد جاسم وحسن العلوي..
عراق جواد سليم وفائق حسن وخالد الرحال..
عراق القبانجي والغزالي ويوسف عمر وفؤاد سالم..
عراق عمو بابا ومجبل فرطوس وصاحب خزعل وفلاح حسن وعلي كاظم..
إنه عراق العمالقة يا أولاد الشوارع
فكفوا أيديكم عن هذا العراق
فيوم الحساب آت، وان غدا لناظره قريب..

شيرزاد شيخاني

[email protected]