لست رياضيا من الدرجة الأولى ولا حتى الثانية، ولكنني متابع من الدرجة الأولى لجميع أخبار الرياضة ومستجداتها، نعم، متابع ومتفرج ممتاز منذ الصغر، فكلنا نحترف الفرجة، ولا نقوى إلا عليها، فالتدخل قد يكلفنا الكثير، والفرجة أرخص وأسهل ويسمح بها دائما، رغم أن جدتي تقول دائما ( الله لا يجعلنا فرجة لحد).
قبل أن أقع في فخي الاسترسال والاستطراد اللذين يفرضان نفسيهما كضيف ثقيل، يفترض بي وحتى لا أترك القارئ في حيرة من أمره، أن أبين وجه الترابط بين حركة فلسطينية تاريخية كفاحية وبين ناد إسباني رياضي عريق. لدرجة أن يصبح الاسمان معا عنوانا لسطوري هاته. وأظنني قد بدأت فعلا بنسج خيوط التشابه بين فتح والريال، فالعراقة والتاريخ المشرف قاسم مشترك بينهما، ولكنني وبالتأكيد لن أقف هنا فقط. كما أنني لا أسخر ولا أقلل من شأن أحد، وإن كنت أؤمن شديد الإيمان بعبارة برنارد شو الشهيرة quot;إن أسلوبي في المزاح هو أن أقول الحقيقةquot;.

المتعثران، هكذا يصف الساسة ومحللو المستديرة حال الاثنين، ففتح تعثرت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية (المحك الأكبر)، وإن كانت تمتلك كل الإمكانيات والكوادر الحزبية والأسماء اللامعة البراقة التي طالما رسمت السياسة الفلسطينية بقضها وقضيضها، والنادي الإسباني هو الآخر امتلك ويمتلك الموارد الضخمة والمدراء الفنيين المشهورين واللاعبين العمالقة من كل الأقطار والأمصار. ولكن كل هذا لم يكن ليكفي وكان حظ النادي الإسباني الشهير الخسارة وفي أحيان كثيرة أمام فرق ونواد مغمورة، ولم تشفع له عراقته ولا حتى جماهيره الأرستقراطية وقاعدته الكروية العريضة في حصد اللقب الذي سخر له كل شيء.

من المعلوم أن كثرة الطباخين تفسد الطعام، هذا بالضبط ما حصل في فتح، فالمصالح تعارضت وأصبح الهم الأكبر من سيمثل من وعلى حساب من؟؟، وآه كم تنفس الشارع الفلسطيني الصعداء عندما توحدت قائمة فتح التي ستمثلها في الانتخابات، فالكل لا يرضى بالجلوس ولو مؤقتا على دكة الاحتياط، فصارت الخلافات الموسمية المتكررة نتيجة حتمية وسمة مشتركة أخرى بين فتح والريال.

حال الرئيس الفلسطيني أبي مازن ليس بأفضل من حال (ماريانو جارسيا ريمون) مدرب الريال مدريد، ولا حال (فلورينتو بيريز) رئيس النادي بأفضل من حال فاروق القدومي رئيس اللجنة المركزية لحركة فتح، وإن كان الأخير على رأس عمله بعد خسارة حزبه في الانتخابات، أما الأول فلم يجد من الاستقالة بداً. القدومي وفي تصريحاته الأخيرة التي لم تحظ بإعجاب الكثيرين من عناصر حركة فتح حاول أن يسلط الضوء أكثر على الأسباب والعوامل السلبية التي أدت إلى النتيجة التي حصلت عليها الحركة وبعبارات أقل ما يقال عنها إنها قاسية، وإن كنت أرى أن سلخ الشاة لا يضيرها بعد ذبحها، إلا أن المرارة كانت لسان حال الرجل الذي عاش حركة فتح بكل تناقضاتها دهرا طويلا بجانب قائدها المؤسس ياسر عرفات. وعليه لن يبرر أحد صمته إذا ما صمت.
في عام 1902م تأسس نادي ريال مدريد الرياضي، وفي الفترة الواقعة ما بين الثامن والعشرين والواحد والثلاثين من كانون أول عام 1964م كانت عملية (عيلبون) وهي حسب المصادر التاريخية الرسمية للحركة باكورة عملياتها الفدائية أو كما يحلو للبعض بان يسميها (عملية الانطلاقة)، أعرف أنه شتان بين التاريخين، وأعرف أكثر من ذلك أنه شتان بين ناد رياضي وبين حركة فلسطينية عملاقة مثل فتح، وأعرف أن البعض بدأ يتهمني بتجاوز الحدود والمسموح، ولكنه الضحك الذي يشبه البكاء والمدح الذي يشبه الهجاء.
أتمنى أن ترفع معاول الإصلاح في حركة فتح عاليا، وأن يتم تجاوز كل الخلافات، وأن تعاد صياغة كل شيء بما فيه مصلحة الجماهير الفلسطينية التي عشقت حركة فتح وتمترست خلف صفوفها، وبما فيه وفاء لشهدائها ولكل كوفية مرقطة ثائرة كانت ولا تزال حركة فتح بوصلتها.

المحامي فضل عسقلان
كاتب وباحث قانوني.
فلسطين-نابلس.