يقال أنه لفهم لوحة ما، فلا بد من الابتعاد عنها قليلا وأخذ زاوية مختلفة عن تلك التي نكون فيها قريبين منها، لكي نفهم ونتذوق جماليتها أكثر...
ينطبق هذا على الأشخاص أيضا!!
الزميل ناصر قمش، هو رئيس تحرير أردني مهم، وهو كذلك من ناشطي حقوق الإنسان على مستوى الشرق الأوسط، وكذلك هو خبير في شؤون الإعلام، لكنه وطوال عشر سنوات من الصداقة، لم يكن بالنسبة لي أكثر من ناصر الصديق!!
مؤخرا، وبعد غيبة عن العمل الصحفي بالمعنى المهني، أي غيبة عن تفاصيل المهنة من الداخل، منذ تحولت كاتبا محترفا يكتب مقاله عبر البريد الإلكتروني، ويزور الزملاء بمساحة وقت لا تتتجاوز فنجان قهوة في هذا المكتب أو ذاك، وأنهي يومي بمساء متكرر مع صديقي ناصر تقريبا كل ليلة، عر ض صديقي علي عرضا ممتعا فحواه أن أقضي بضع نهارات كاملة معه في جريدته الغراء (الهلال) الأسبوعية!
وافقني العرض ووافق رغبة قديمة ملحة بالعودة إلى مرابع المهنة، وهكذا كان..
يا الله، كم مدهش هذا الصديق الذي أرافقه كل ليلة ولا أدري عن نهاراته كيف يقضيها!!
في العالم العربي، وفي ديموقراطيات وليدة كالديمقراطية الأردنية، أحسب أن مداميك بنائها الأسطوري يقوم على يد جنود مجهولين، يعملون عى مدار الساعة في متاهات لعبة التوازنات، وأسبوعيا يرسخون جزءا من قيمة أو قيمة كاملة جديدة، من خلال تعب وجهد وسهر ومنطق إقناع، ويقود هؤلاء رؤساء التحرير.
الصحف متخمة بالمنظرين من كتاب وأصحاب آراء وخبراء العصر الرقمي، لكن من وراء هؤلاء يقف أشخاص مثل ناصر قمش، يحرصون بعناية شديدة على تدعيم أصول الديمقراطية من خلال معاركهم اليومية من أجل حرية التعبير، المسؤولة.
ناصر قمش، كان قبل عامين، ضحية من ضحايا حرية التعبير، حين تم توقيفه على مدار أشهر كرئيس تحرير مسؤول لإجازته مقالا ارتأى القضاء الأردني أنه يمس بالمحرمات الدينية، وناصر خرج من حبسه مقتنعا بعدالة القضاء، لكن أكثر صلابة في قضية الصحافة الحرة.
واليوم، أرى ناصر أكثر حذرا لا من الرقيب، بل أكثر حذرا على الصحافة الحرة في الأردن، والواعية لمعنى المسؤولية..فنحن نكتب، ونرسل المقال، ونجلس على أرائكنا مرتاحين، لكن القضية لا تنتهي عند هذا الحد لدى حراس الكلمة الحرة، وصديقي ناصر قمش من هؤلاء.

مالك العثامنة
[email protected]